زينب فهدا (*)
"ما هي الأنشطة التي تساعدنا على قضاء وقتٍ ممتع ومثمر مع أفراد العائلة؟"... أحد الأسئلة التي تُطرح دائماً خاصّة في المناسبات العائليّة والعطل، واشتدّ السؤال إلحاحاً بعد تجربة العزل والحجر للحدّ من انتشار فيروس "كورونا"، فكيف يمكن الاستفادة من تلك التجربة في كلّ المناسبات العائليّة لتمضية أوقات مفيدة بدل التسمّر أمام شاشات التلفاز، أو الهواتف الذكيّة، أو ألعاب الكومبيوتر؟
•توظيف الطاقات
يمكن توظيف طاقاتنا للاستفادة من الوقت، عبر ممارسة مجموعة من الأنشطة التعليميّة، التثقيفيّة، والترفيهيّة السهلة والمفيدة، التي تساعد في إدارة الوقت بالشكل الصحيح، وتفريغ الطاقة بطريقة مدروسة، ومثمرة، بسبب ضغط الحياة، والرتابة اليوميّة التي يعيشها الإنسان.
لننطلق من الأوقات التي نعيشها ضمن أروقة المنزل، لما لها من مزايا إيجابيّة على أفراد الأسرة، والعائلة ككلّ؛ لا سيّما بعد أن أدّت التغيّرات السريعة في المجتمعات، والتطوّرات التكنولوجيّة إلى تفكيك العلاقات الأسريّة، وتدمير روابطها. ويكفي أن تعلم أنّ تفجير الطاقات الإبداعيّة، وتطوير شخصيّة الأفراد، وتنمية قدراتهم العقليّة والجسميّة، يمكن أن تنطلق أوّلاً من داخل منزلك! فلنستغلّ أوقات فراغنا الطويلة بما هو مفيد وهادف.
1- زراعة الزهور والنباتات: الاهتمام بزراعة الزهور والنباتات يخلق أجواءً جديدةً للاهتمام عند أفراد الأسرة، ويحقّق لهم نوعاً من الاسترخاء والراحة. ويعدّ هذا النشاط من الأهميّة بحيث إنّه يغرس في نفوسهم اهتمام الإسلام بالبيئة، واهتمامه بالمحيط النظيف، مضافاً إلى أنّه يبني ثقافةً بيئيّةً لدى الأطفال منذ الصغر، ويربّيهم على حسّ المسؤوليّة، فقد ورد في الحديث: "ثلاث يجلين البصر: النظر إلى الخضرة، وإلى الماء الجاري، وإلى الوجه الحسن"(1). وفي حديث آخر: "ازرعوا واغرسوا، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ منه ولا أطيب"(2). لذلك يمكن أن يتعاون أفراد الأسرة على زراعة الزهور على الشرفة، أو الاستفادة من المساحات الفارغة في المنزل، والتي تضفي رونقاً جميلاً عليه، وتنشر فيه رائحة عطرة.
2- الطهو المنزليّ: أبسط الأنشطة المنزليّة التي لا تتطلّب جهداً كبيراً لجمع العائلة، والتي يمكن من خلالها ممارسة عمليّة التدبير المنزليّ مع أفراد الأسرة؛ هي الطهو. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "حسن التدبير ينمّي قليل المال"(3) فيمكن تشارك أفراد الأسرة، لا سيّما الصغار منهم في إعداد الوجبات، وطبخ المأكولات التي تتطلّب وقتاً واسعاً لإعدادها، أو تعلّم مأكولات عالميّة تزيد معرفة الأبناء بثقافة الطبخ المختلفة، أو صناعة المخلّلات المنزليّة بأنواعها المختلفة، فيتضامن أفراد الأسرة مع الأمّ، الأمر الذي يتيح لهم فيما بعد تناول الطعام الصحيّ، وتوفير الأموال والنقود لشرائها، ويؤدّي في الوقت نفسه إلى تعليمهم معنى العمل الجماعيّ، وتحصيل الوعي والثقافة الغذائيّة عند أفراد الأسرة. ويمكن استغلال هذا الاجتماع للتعرّف إلى الآداب الإسلاميّة الخاصة بالطعام إذا تولّى أحد أفراد الأسرة التعريف بها كالأب مثلاً: "من قلّ طعامه قلّت آلامه"(4). فالطعام ليس لمجرّد الأكل!
3- ممارسة العبادات والأنشطة الدينيّة: من المهمّ أن يعقد أفراد الأسرة جلسات قرآنيّة؛ لقراءة القرآن، وتلاوته، وتفسير معانيه، ومعرفة مضامينه: "فادرسوا القرآن فإنَّه كلام الرحمن، وحرز من الشَّيطان، ورجحان في الميزان"(5)، أو إعداد برنامج عائليّ لحفظ أجزاء أو سور قرآنيّة تحدّد بحسب الفئات العمريّة داخل المنزل، أو القيام بالعبادات الدينيّة المتنوعة بشكلٍ جماعيٍّ يترأسها أحد أفراد الأسرة؛ كأداء الأذكار اليوميّة، وقراءة الأدعيّة التي تغذّي أرواحهم، أو تعليمهم أسماء الله الحسنى، وشرح معانيها، أو حفظ أحاديث الأئمّة عليهم السلام، أو إجراء المسابقات الدينيّة والقرآنيّة، وعقد لجنة مصغّرة عائليّة لإدارتها؛ كّلها أنشطة تضفي جوّاً من الودّ والألفة بين أفراد الأسرة، وتعزّز روح المشاركة والتعاون بينهم، وتحيي قلوبهم، فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا تغفل عن قراءة القرآن؛ فإنَّ القرآن يُحيي القلب، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي"(6).
4- القراءة والكتابة: يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "كلّ من يقوم بالعمل والتبليغ في أحد الأقسام والأماكن، عليه أن لا يقطع علاقته مع كسب المعلومات الجديدة، ولا ينبغي أن نقول إنّ لدينا أعمالاً ولسنا متفرّغين لذلك، أنا أيضاً انقطعت علاقتي مع الكتاب لمدّة سنتين في أوائل الثورة. كانت لدينا أعمال كثيرة وكنت أرجع إلى البيت في الساعة الحادية عشرة ليلاً أو أكثر (...)، لكن فجأة عدت إلى نفسي وشرعت بالمطالعة"(7).
أولى خطوات إحياء قيمة القراءة وتنمية حسّ المطالعة لدى أفراد الأسرة تنطلق من قاعدة: "الكتاب خير صديق" في جميع الأوقات، من خلال انتخاب كتب للقراءة أو الاجتماع لمناقشة كتاب معيّن أو جزء منه مع أفرد الأسرة، وبما يتناسب مع أعمارهم، لا سيّما الشباب منهم، بحيث يختارون ما يحبّونه من الكتب، والقصص، والحكايات، ويناقشون أفكارها، ويبدون آراءهم حولها مع الوالدين بكلّ حرية وجرأة؛ الأمر الذي يُسهم في توسّع آفاقهم، وتحفيزهم على التفكير، وتحوّل المطالعة لديهم إلى نمط حياة. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "بغضّ النظر عن الكتب الدراسيّة، كنت أقرأ الكتب التاريخيّة، الأدبيّة، فنون الشعر، والنثر، القصص والروايات، كنت أحبّ الروايات كثيراً، وقد قرأت أغلب الروايات المشهورة آنذاك، وقد شغفت بالأحاديث النبويّة إثر إجادتي للّغة العربيّة بفضل دراستي، ومتابعتي للدروس العربيّة، وما زلت أذكر جيّداً تلك الأحاديث التي تعلّمتها في فترة الشباب، كنت أدوّنها في دفتر صغير"(8).
ويجب أن لا ننسى تشجيع الأطفال على قراءة كتب أدب الأطفال الإسلاميّ، التي تغرس في نفوسهم مجموعةً من قيم الإسلام الدينيّة والعقديّة والثقافيّة، وتُسهم في تنمية مداركهم، وإطلاق مواهبهم الفطريّة: "بادروا أولادكم بالحديث، قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة"(9).
كما يمكن استغلال الوقت في ممارسة عمليّة الكتابة؛ كتابة قصّة، قصيدة، شعر، خواطر... أو تعلّم لغات أجنبيّة من خلال استعمال وسائل التواصل التي تبثّ برامج تعليميّة للغات، أو قراءة كتب باللغة الثانية، واستخدام قواميس اللغة لترجمة مفرداتها: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق: 1)، فهذه الأمور كلّها تزيد حبّ المعرفة عندهم، وتغذّي مخيّلتهم، وتروّض عقولهم على الإبداع.
5- الأنشطة الترفيهيّة: عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان عنده صبيّ، فليتصاب له"(10). لا بدَّ من تخصيص أوقات لممارسة الألعاب المختلفة مع أفراد الأسرة، باستخدام أشياء بسيطة ومتوفّرة في المنزل، مثل مشاركتهم بعض الألعاب القديمة أو الحديثة، ويمكن إقامة مسرح صغير يمارس من خلاله الأطفال أو الشباب عمليّة التمثيل، فيستطيع الوالدان من خلاله، معرفة ما يختلج في صدور أبنائهما، وما يفكّرون فيه، ويشجّعهم على التعبير عن مشاكلهم، وإيجاد الحلول لها بالتعاون مع الأهل. كما يمكن تعلّم الرسم، والتطريز، والأشغال اليدويّة بحسب رغبة كلّ منهم وميله. هذه الأنشطة تمتّن أواصر المحبّة، وتعزّز التربية العاطفيّة عند أفراد الأسرة، وتجعلهم أكثر قدرة على التخلّي عن العنف والغضب والتوتّر.
6- الرياضة المنزليّة: يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "اقضوا أوقاتكم في الأعمال الجدّيّة، وجميعها جدّي، الرياضة والألعاب هي أيضاً جدّيّة"(11). دأبت الروايات الشريفة على بيان أهميّة المحافظة على سلامة الجسم، وتوفير النشاط الجسديّ له وتقويته؛ لذلك يمكن لأفراد الأسرة صغاراً وكباراً التوجّه إلى الرياضة البدنيّة في البيت، وبشكلٍ يوميّ، من خلال اعتماد رياضة شدّ الحبل، القفز أو المشي داخل المنزل، فقد ورد عن الإمام السجاد عليه السلام قوله: "اللّهم أعطني الصحّة في الجسم، والقوّة في البدن"(12)؛ فـــــالرياضة تشحن الجسم بالطاقة الإيجابيّة، وتخلّص الجسم من البدانة، بالتالي، تكسبه اللياقة الجسميّة، وتغيّر نمط الحياة عند من يمارسها بشكلٍ كبير، فتجعلها أكثر انتظاماً. يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "الخاصيّة الطبيعيّة للرياضة هي أنّها تخرجكم من حالة الخمول والركود"(13). حتّى كبار السنّ ينبغي لهم ممارسة الرياضة في المنزل، فقد كان الإمام الخمينيّ قدس سره يمارس الرياضة كلّ يوم إلى أواخر عمره.
7- أنشطة متنوّعة: الأنشطة التي يمكن ممارستها في البيت مع أفراد الأسرة لا تعدّ ولا تحصى؛ فيمكن متابعة البرامج التوعويّة، ومشاهدة الأفلام التثقيفيّة أو الوثائقيّة التي تتناول قضايا عالميّة أو بيئيّة، أو البرامج الثقافيّة، أو تعلّم مهارات الحاسب الآليّ، والاستفادة من التكنولوجيا الرقميّة لتعلّم مهاراتٍ جديدة. هذه الأنشطة تقوّي العلاقات الأسريّة، وتجدّد النشاط والحيويّة، وتقضي على الكسل والملل والضجر والرتابة التي يعيشها أفراد الأسرة، وممّا جاء في الدعاء: "أمنن علينا بالنشاط، وأعذنا من الفشل والكسل والعجز والملل والضرر والضجر"(14)؛ وهي إحدى النوافذ الثقافيّة المهمّة التي يدخل من خلالها الهواء الصحيّ إلى عقولنا.
(*) باحثة إسلاميّة وأستاذة في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم - فرع لبنان.
1.وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج5، ص430.
2.الكافي، الكليني، ج5، ص26.
3.ميزان الحكمة، الريشهري، ج1، ص1385.
4.(م.ن)، ج1، ص88.
5.مستدرك الوسائل، النوري، ج4، ص232.
6.كنز العمّال، المتّقي الهندي، ج1، ص526.
7.أنا والكتاب (سلسلة في رحاب الوليّ الخامنئيّ دام ظله)، ص27.
8.(م.ن)، ص25.
9.بحار الأنوار، (م.س)، ج6، ص47.
10.وسائل الشيعة ، (م.س)، ج21، ص486.
11.خطابات قائد الثورة الإسلاميّة. ج34، ص399.
12.بحار الأنوار، (م.س)، ج95، ص91.
13.خطابات قائد الثورة الإسلاميّة، 9/7/1377.
14.بحار الأنوار، (م.س)، ج91، ص124.