علي إرسلان
ليس أفضل من الحوار سبيلاً للوصول إلى الحقيقة وبناء المجتمع الإنساني وتطويره. لا بل إنَّ الحوار قد يغدو عملاً صالحاً أو آية رجاء حين تكون الغاية منه "وجه الله عز وجل" أيّ السعي لنيل الرضوان الإلهي من خلال خدمة الناس والعباد(1).
* تعريف الحوار:
الحوار لغة بمعنى المجاوبة والمجادلة والمراجعة (2)، واصطلاحا يعني تبادل الأفكار والآراء والمشاعر بين شخصين أو أكثر، ممّا يؤدّي إلى فهم مواقف الأشخاص المعنيين وتعزيز الاتصال فيما بينهم (3)، وفكرة الحوار تضرب جذورها منذ بدء الخلق، وشروطها دائماً: أن تكون أداة إقتناع وإقناع(4).
* أهمية الحوار في التفاعل مع الأطفال
للحوار قيمة حضاريةٌ وإنسانية ودلالةّ على رقي المجتمعات والأفراد، فهو يخلق التفاعل الدائم، ويفسح المجال أمام الآراء والنظريات والابتكارات، ويُمهد السبل للإبداع والتغيير... أمّا على مستوى الطفل، فالحوار عنصر تفاعل دائم بين الطفل من ناحية، وبين المنهج والمربّي المعلم، الأهل من ناحية أخرى، فبالحوار يصل الطفل إلى مبتغاه ويكتشف الحقائق المغيبّة، وبه يحقق توازنَه المعرفي، ويحقق رغبته في الاستطلاع والاكتشاف، وبه أيضاً تتطوّر شخصيّته كفردٍ وكشخصيّة اجتماعية، فالحوار وسيلةً لخلق روح المنافسة بين الأطفال، وحملهم على الدخول في ميادين المناقشة العلميّة... كذلك ويثبِّت فيهم روح الجماعة والتعاون، ويبعد عنهم الأنانيّة وحبّ الذات المفرط، ويبث فيهم روح الألفة والمحبّة، ويعوّدهم على النظام والتعاون، ويساعد على الابتكار واحترام الطفل لذاته وللآخرين...
* شروط الحوار بين المربين والأطفال
* الحوار ينظّم الفكر ويجدده:
يقول أحد المربّين: "إن قضاء ساعة واحدة في المناقشة والمناظرة أجدى على المتعلّم من قضاء شهر بأكمله في الحفظ والتكرار"(5)، لأن أسلوب الحفظ عن ظهر قلب لا يجدي ويخلق أطفالاً ضيقي الأفق وعقيمي التحليل والتفكير... لذا يجب الموازنة بين التدريس القائم على الحفظ والاستذكار، والتدريس لتوسيع المدارك وتنشيط عمليات التفكير.
* الحوار يكسب الثقة بالنفس ويحقق الذات:
المبدأ الحديث في التربية، يجعل المتعلّم يعتمد على نفسه وطاقاته وجهده الذاّتي لتحصيل المعرفة والوصول إلى الأهداف ويكون المربّي مرشداً وموجهاً. فلا بدّ أن يشعر المتعلم (الطفل) بشخصه، ما يؤدّي إلى تحرير الطفل وعواطفه من القلق والمخاوف والصراعات النفسية من كبت وعقدة، وحاجات الطفل كثيرة، الحاجة إلى توكيد الذات، إلى الأمان، إلى المحبة... إلخ. علينا أن نفسح بالمجال للطفل في تصحيح خطئه بنفسه، فإذا عجز قمنا بتعليمه وتصحيح الأخطاء بالمحاورة والإقناع. وبهذا يحقّق ذاته ويشعر بالثقة وبالمسؤولية عن عمله.
* الحوار ضد القمع:
أثبتت التجارب أن التعليم لا يتم عن طريق القمع. ولا تُعالج مشكلات الأطفال السلوكية عن طريق التعسّف والعنف وإذا كان المرّبي لا يراعي حرمة الطفل وكرامته، يصرخ في وجهه كُلما أخطأ، ويعبس عند كلّ هفوة، سيئ الخلق، يتلفظ بعبارات قاسية، فهذا المرّبي لا يبني شخصية بل يهدم شخصيات. إن بناء النفس البشرية وتنمية الشخصية أهم من بناء الجسور والقصور، فالشخصيات تبنى بالمحاورة، بالكلمة الطيبة، بمعرفة دواخل النفس ومتاعبها وحل مشاكلها... إذا شعر الطفل بالراحة، أفاض بما عنده عبر المحاورة، ووصل الطرفين إلى لبّ المشكلة فصار الحلّ سهلاً والنجاحُ ميسوراً. قيل أنّه أجتمع متكلّمان، فقال أحدهما: "هل لك في المناظرة؟"، قال لهُ: "على شرائط" ألاّ تغضب ولا تعجب ولا تحكم ولا تشغب، ولا تقبل على غيري وأنا أكلّمك، وعلى ألاّ تجوّز على نفسك تأويل آية على مذهبك، إلاّ إذا جوزتني تأويل مثلها على مذهبي، وعلى كلٍّ منّا أن يبني مناظرته على أن الحقَ ضالته والرشد غايته"(6) إن قيام حوار فعّال بين المربين والصغار يتطلب أن:
1- يختار المربّي الوقت المناسب لطرح الأسئلة، المناسبة لتفكير التلاميذ (الصغار).
2- يحرص المربّي على استمرارية التفاعل، وأن يستغلّ كل ما يصدر عن الأطفال من ردود فعلٍ مهما كانت وكيفما تكون.
3- يتصرف بحكمة حيالها، حتّى يستمر حماس الأطفال.
4- يأخذ بعين الاعتبار أوضاع أطفاله الاجتماعية والاقتصادية والنفسيّة.
5- يستطيع المرّبي بالملاحظة والمراقبة التعرّف على ما يدور في عقول الأطفال ويحاورهم فيه.
6- يعدّ الموضوع المناسب للمحاورة والمناقشة على أن يكون شيقاً.
7- يخبرهم بالموضوع حتى يكوِّنوا خلفية عنه ويستعدوا له حديد الموضوع.
8- يضع الضوابط التي تتضمن جو النقاش، دون سيطرة البعض على الآخرين.
9- يصحّح الخطأ فوراً، إذا ما صدر عن أحدهم.
10- يلخص بين فترة وأخرى ما توصّل إليه الحوار.
11- التحلي بروح البحث وتحّري الحقيقة.
12- لا يتعنت أحدهم برأيه بقصد الغلبة...
* أهم ايجابيات الحوار مع الأطفال:
1- إشباع حاجات الصغار للعلم فيحترمونه ويقبلون عليه.
2- استشارة قدراتهم العقلية وجعلها في أفضل حالاتها.
3- تنمية سلوك الطفل في التعامل مع الآخرين، واّحترام آرائهم وتقدير مشاعرهم.
4- إبعادهم عن روح التعصب للآراء.
5- تنمية روح العمل الجماعي.
6- شعورهم بالفخر والاعتزاز عندما يجدون أنفسهم ويحققُون ذواتهم.
* أبرز السلبيات:
1- المحاورة والمراجعة للتعالي: ﴿فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ (الكهف: 34).
2- الجدل لمجرد الجدل.
3- الحوار لإبطال الحق وإحقاق الباطل، كحوار النمرود ونبينا إبراهيم ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين﴾ (البقرة: 258).
4- العجز والقصور في فهم مادة الحوار.
5- التعنت والتعصّب له بقصد الغلبة والإقلال من شأن المحاور المقابل.
ختاماً: لكي نكتشف حلولاً صحية علينا أن نكون أطفالاً ومربين في الوقت ذاته، فالتعلّم عملية متبادلةٌ بين الأفراد، ورفع درجة الوعي عبارةٌ عن عملية مفتوحة من خلال الحوار، وتبادل الآراء وقبول الرأي الآخر.
(6-5 -1) خلف الله سلمان. الحوار وبناء شخصية الطفل. الرياض، مكتبة العبيكان، ط1998-1، ص187.
(2) رعد محمد. سلسلة الشأن العام في لبنان، حوار الثقافات والأديان. لبنان: منشورات جامعة سيدة اللويزة، ط2000 1.
(3) شرف الدين، فهمية.. سلسلة الشأن العام في لبنان، حوار الثقافات والأديان. لبنان، منشورات جامعة سيدة اللويزة، ط2000 -1.
(4) ورشة الموارد العربية. أفكار في العمل مع الناس. بيان النشر والتوزيع، 3 أجزاء: ص511 -258 -160.