مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أسرتي: الزوجان والحوار السلبيّ

فاطمة نصر الله(*)


الحوار مقوّمٌ مهمٌّ من مقوّمات الحياة الزوجيّة، والذي يشكّل محوراً رئيساً في تفعيل التواصل بين الزوجين من جهة، وبقيّة أفراد الأسرة من جهة ثانية، وسبباً مركزيّاً للانسجام والتقارب العاطفيّ بينهما. والحوار ليس مجرّد حديث كلاميّ أو دردشة بين الزوجَين بمعناه الفارغ؛ إذ إنّه يتوقّف عليه نجاح الحياة الزوجيّة أو فشلها: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ (إبراهيم: 24).

•توازن الشخصيّة
يستطيع الحوار أو التواصل الكلاميّ بين الزوجين أن يعبّر عن مستوى توازن الشخصيّة؛ فهو يمثّل النتاج الذي يمكننا من خلاله معرفة ما يختزنه كلٌّ منهما من قناعات وأفكار ووجدان وغيرها. فالمنطق الكلاميّ ينتمي إلى المنظومة الأخلاقيّة للفرد، وقد ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: "تكلّموا تُعرفوا، فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه"(1).

وبناءً عليه، لا يُعدّ كلّ حوار بين الزوجين إيجابيّاً ونافعاً ومحقّقاً للأهداف، بل قد يكون حواراً سلبيّاً له آثاره ونتائجه التي تنعكس فشلاً على الحياة الأسريّة بأبعادها كافّة.

•أسباب الحوار السلبيّ
1- اختلاف التعبير: للوهلة الأولى، قد يتصوّر بعضهم أنّ اختلاف التعبير بين الذكور والإناث يعني اختلاف اللغة المحكيّة، إلّا أنّ الأمر ليس كذلك؛ فهو ينحصر في اختلاف الرجل والمرأة بطريقة استخدام اللغة؛ إذ يُسقط كلّ منهما قواعد فهمه ومنطلقاته في التعبير على الآخر، فكلّ كلمة لها مقصودها ومدلولها. على سبيل المثال: غالباً ما يحكم المنطق كلام الرجل، بينما يحكم المرأة النمط العاطفيّ في التعبير، وهذا الاختلاف يحتّم على كليهما ألّا يوظّفا قواعدهما الخاصّة في الفهم على كلام الآخر، كي يتجاوزا مواقف سوء الفهم أو التفاهم التي من الطبيعيّ أن تتكرّر في مسار حياتهما الزوجيّة.

2- التمحور حول الذات: قد يقع أحد الزوجين تحت تأثير التعاطي بطريقة واحدة وفكرة واحدة، ويتصلّب وراءها دون السماح للطرف الآخر بالنقاش أو إبداء الرأي، مع العلم أنّه من بديهيّات الأمور أن يتفهّم كلّ من الزوج والزوجة طبيعة الاختلاف بينهما من حيث التركيبة النفسيّة كجنسَين مختلفَين، ممّا يسهل عليهما الأمور كلّها.

على سبيل المثال: يمثّل المنزل بالنسبة إلى الرجل المساحة التي تؤمّن له الراحة والاستقرار، والتي يمارسها على شكل فترات من الصمت الذي يعينه على إعادة شحن قدراته الذهنيّة بعد نهار عمل طويل وشاقّ. أمّا المرأة، فإنّ المنزل يمثّل لها المساحة التي تستطيع من خلالها أن تعبّر عن ذاتها وآرائها وبثّ همومها وشكواها فيه ومن خلاله. وعليه، فلو تصلّب كلّ منهما بموقفه دون الاكتراث بما عليه الآخر من اختلاف في تركيبته النفسيّة، فإنّ أثراً سلبيّاً ملحوظاً سوف يتراكم في محصّلة الحوار الزوجيّ.

3- الأهداف المتعارضة: ترشدنا الدراسات إلى أنّ الرجل لا يرغب في الحوار المتشعّب والطويل؛ لأنّه بالنسبة إليه ليس هدفاً في حدّ ذاته بمقدار ما يكمن وراءه، مع العلم أنّه قد يكون هدفاً في حدّ ذاته عند المرأة التي تعبّر من خلاله عن ضغطها النفسيّ وانزعاجها من أمور معيّنة؛ كعبء تربية الأبناء وأعباء مسؤوليّات المنزل وغيرها، بعكس الرجل الذي يلجأ إلى الصمت في حالات الضغط النفسيّ والتعثّرات. 

4- المفاهيم الخاطئة: تلعب البيئة التي نشأ فيها الفرد، والتربية التي تعرّض لها، دوراً أساسيّاً في تشكيل منظومته الشخصيّة، والتي تتضمّن العادات والتقاليد، مضافاً إلى اللغة المحكيّة، التي قد تختلف ببعض مفرداتها بين بيئة وأخرى. هذا، وللّغة المنطوقة بعض المحدّدات الأخلاقيّة والقيميّة التي لا تنفصل عن عادات بيئتها وتقاليدها الخاصّة بها، والتي تتضمّن بعض المفردات والمصطلحات، فضلاً عن إشارات وحركات في لغة الجسد، والتي قد تكون مقبولة في بيئة ما ومرفوضة في بيئة أخرى، ممّا يفرض على كِلا الزوجين أن يُتقنا خصائصها ولوازمها.

5- الرصيد المؤلم: إنّ المواقف المتشنّجة التي قد تحصل بين الزوجين، والتي تتراكم مع مرور الوقت، تكون في الغالب سبباً قويّاً يدفع أحدهما إمّا إلى الإحجام عن الحوار، أو المبادرة إلى استخدام العبارات السلبيّة كخطوة استباقيّة تحقّق له نصراً وهميّاً أو تموضعاً يدافع به عن نفسه قبل الهجوم. ويلعب هذا الرصيد المؤلم دوراً بالغ الخطورة؛ فيبني جداراً من الجفاف مع مرور الزمن، لتتحوّل العلاقة في أحسن حالاتها إلى أمر واقع، ويتحوّل دورهما تجاه بعضهما بعضاً وتجاه بقيّة أفراد الأسرة إلى تصريف أعمال.

•خطوات لحياة سعيدة
هذه الأسباب كلّها وغيرها تشكّل ظروفاً مؤاتيةً لفشل الحوار الزوجيّ الذي لا تنحصر نتائجه في الزوجَين فقط، بل تنسحب على الأبناء، بغضّ النظر عن جنسهم أو مراحلهم العمريّة. وبما أنّ الحياة الزوجيّة خيار جادّ ومسؤوليّة كبيرة في حياة الإنسان، فإنّه يتوجّب على الفرد منّا، ذكراً كان أو أنثى، أن يبذل جهوداً كافية ووافية لإسعادها. وفي هذا الإطار نقدّم النصائح الآتية: 

أ- احترام الرأي الآخر: إنّ الاقتران ما بين الرجل والمرأة لا يعني بطبيعة الحال إلغاء الخصوصيّة التي يتفرّد بها كلّ منهما، كالأفكار والآراء والميول والهوايات، وليس مطلوباً أن تلغى لحساب الشريك، بل قد تلعب دوراً إيجابيّاً في إدخال الحيويّة والمرونة على البيت الزوجيّ، على قاعدة تقبّل أفكار الآخر ككيان مستقلّ يحقّ له أن يبدي رأيه أيّاً كان.

ب- الهدوء في الحوار: وهو الذي يتضمّن اختيار الكلمات الإيجابيّة التي من شأنها تقديم مادّة الحوار بأسلوب مرن. كما أنّ للصوت المعتدل الدافئ الأثر البالغ على نجاح الحوار، فعلى سبيل المثال: الصوت المرتفع أو الصراخ يغضب الرجل بشكل يُخرجه عن توازنه الشخصيّ، ممّا يضطرّه إلى فعل أيّ شيء لإيقافه. كما أنّه في حال صدوره عن الزوج، فإنّه يخيف المرأة، ويجرح شعورها، ويترك لديها أثراً نفسيّاً سيّئاً. 

ج- عدم المقاطعة: للحوار آداب وأصول يتحتّم على الزوجين الالتزام بها، ومنها إفساح المجال للآخر أن يبدي رأيه، فعلى سبيل المثال: إنّ قيمومة الرجل ليست سبباً لحرمان المرأة من حقّها في إبداء الرأي أو النقاش، وكذلك، إنّ تفوّق المرأة العلميّ أو الثقافيّ أيضاً ليس سبباً لصدّ الزوج عن حقّه في الحوار بأمور الحياة كافّة. 

د- تجنّب الاتهامات: من أسباب فشل الحوار الزوجيّ هو توجيه الاتّهامات، سواءٌ بحقٍّ أو بغير حقّ، وهو من العناصر المنفّرة والتي تفرض على (المتّهم)، وهو أحد طرفَي الحوار، أن يأخذه إلى غير موضعه، ويحصره في زاوية واحدة هي الدفاع عن النفس. 

هـ- عدم اللجوء إلى التهديد: مؤسف أن يلجأ أحد الزوجَين أو كلاهما إلى التهديد باللجوء إلى فعل ما في حال لم يُستجب لطلبه، مهما كان هذا الطلب. ففي الكثير من الحالات مثلاً، تطلب الزوجة الطلاق من زوجها، وتكرّر طلبها مع كلّ موقف وخلاف، ممّا يجعل تلفّظها بالكلمة أمراً سهلاً جدّاً غير مكترثة بالآثار البالغة التي من الممكن أن تحدثها لدى الزوج والأبناء، والعكس صحيح، فإنّ تهديد الزوج لزوجته بالطلاق أو غيره من الإجراءات، له وقع بالغ الخطورة على الزوجة والأبناء.

•الوعي أوّلاً وأخيراً
إنّ وعي الزوجين لآداب السلوك في الحوار هو درس تربويّ يقدّمه كلّ منهما للآخر، ويقدّمانه معاً للأبناء كدرس مهمّ من دروس الحياة. 


(*) مختصّة في التربية الاجتماعيّة.
1.نهج البلاغة، الحكمة 392.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع