أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أوصاف المؤمن الثقافية

الشيخ إسماعيل حريري

 



هناك جانب مهم في شخصية المؤمن يلتقي مع الجوانب النفسية والاجتماعية والجهادية وغيرها، بل هو الرافد لها والمبلور لشخصيّة المؤمن وتوجيهه نحو تحصيل تلك الجوانب المتقدمة، وهو الجانب الثقافي لهذه الشخصية. ولتحديد الشخصية الثقافية للمؤمن، لا بد من معرفة وظيفة المؤمن في هذه الدنيا وعلى هذه الأرض، لتكون الثقافة في خدمة هذه الوظيفة، فنقول:

* وظيفة المؤمن:
من المسلَّم به عند المسلمين جميعاً أن اللَّه تعالى لم يخلق الإنسان إلا ليكون عبداً وخليفةً له على الأرض، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون (الذاريات: 56)، وقال: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً... (البقرة: 30). وقد حدَّد اللَّه تعالى وظيفةً لهذا الخليفة وهو أن يحكم بما أنزل اللَّه سبحانه من أحكام وشرائع أي بالحق، قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقّ (ص: 26). ومن الواضح أن ليس كل النَّاس وفّق بهذا الأمر وأَحْسَن العمل له وفيه، بل فئةٌ خاصة منهم وهم المؤمنون الذين يَرَون أنَّ الواجب الإلهي يحتّم عليهم الجري على مقتضى هذه الخلافة بالعمل على الحكم بالحق والعدل، ونشر الخير والصلاح، وإفشاء عبادة الواحد الأحد، وإرساء دعائم التوحيد والعدل والمعروف، واجتثاث جذور الكفر والبغي والمنكر والفساد والباطل. فهذه هي الوظيفة الكبرى للمؤمن الخليفة العامل في سبيل اللَّه.

* ثقافة المؤمن على ضوء وظيفته:
1 - هذه الوظيفة إذا مارسها مع من يوافقه في المعتقدات والأصول، ولكنه لا يلتزم عملاً بالأحكام فالطريق المتبّع فيها هي طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر... (التوبة: 71). وهذه الطّريق تفرض على المؤمن الإلمام بثقافة خاصّة هي ثقافة الفقه الديني العملي، وقوامها أمران أساسيَّان:

الأوَّل: التعرّف على الضوابط الشرعيّة لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بالرجوع إلى ما حوته الرسائل العملية للفقهاء العدول حول هذا الموضوع ودراستها لمعرفتها، إذ من دون هذه المعرفة لا يمكن للمكلّف أن يمارس هذا الدَّور أبداً.

الثاني: إنّ الوظيفة المذكورة أعني الأمر والنهي تحتّم على المكلّف معرفة مصاديق المنكر والمعروف، وهذا يقتضي معرفة الحلال والحرام في الشريعة، ولا تكفي معرفة خصوص ضوابط الأمر والنهي. ولذلك كان عليه أن يحصّل ثقافة فقهية وافية وكافية من خلال دراسة الأبواب الفقهيّة التي هي محل ابتلاء عامَّة الناس غالباً، والتي يمكن أن يقعوا في مخالفتها، ويكون التفقّه فيها حينئذٍ مقدّمة لتحقيق الوظيفة المطلوبة، خصوصاً وقد ورد الحثّ الأكيد على التفقّه في الدين، بل ورد التهديد والوعيد حتى يتفقّهوا(1). وعنه عليه السلام: "تفقّهوا في الدّين، فإنّ من لم يتفقّه منكم في الدّين فهو أعرابي..."(2).

2 - أما إذا مارس المؤمن الوظيفة المقرّرة اتجاه غير أهل ملته الذين يوافقونه في المعتقدات والأصول، وهؤلاء كُثر، وقد يلتقي بهم ويتناقش معهم في حقّانية هذا المعتقد أو ذاك، فلا بُدَّ أن يكون حائزاً على ثقافة أوسع وأشمل من دائرة الثقافة الفقهية الخاصة، تجعله مؤهلاً للقيام بهذا الدور الريادي، وهذا متحقّق في بعض المؤمنين وهم أهل الاختصاص دون بعض.

ولكن، هناك أمور ينبغي للمؤمن في كلا الحالتين المتقدّمتين أن يتترَّس بها وينهج طريقها ويُحسن أداءها لتحقيق الهدف المرجو من كلامه مع الآخرين، منها أو أهمها:
1- المرونة(3) في التعامل مع الآخرين، ويُقصد بها أن يكون المرء لينَ المعاملة، سهلاً متودّداً، متقرباً بلسان مليح وكلام طيّب، حليماً شفيقاً، يعامل الآخرين معاملة الأب لأبنائه والأخ لإخوته، بعيداً عن غلظة الكلام، وخشونة اللفظ، وبذلك خاطب اللَّه تعالى نبيَّه الكريم صلى الله عليه وآله قائلاً: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (آل عمران: 159). فإنّ الإنسان قد يكون عالماً عارفاً لكنه ما لم يكن حليماً في بث علمه ونشره، فإنه لا يثمر كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "لن يثمر العلم حتى يقارنه الحلم"(4). وعن الصادق عليه السلام: "عليك بالحلم، فإنَّه ركن العلم"(5). وهذا يفيد اعتبار المرونة في طرح الأفكار والاستعداد لمناقشتها، ولو كانت من أصول الدين كالتوحيد فضلاً عن غيره، مع اليقين أيضاً بحقانية ما يعتقده الإنسان المؤمن، ولذا كان النبي صلى الله عليه وآله في مقام دعوة الآخرين إلى التأمل في معرفة الحق وفسح المجال أمام الاستماع للآخر على وجه الإنصاف في الحجاج، دون الشك في معتقده يقول لقومه: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (سبأ: 24)، كما في قول القائل لغيره: "أحدنا مشتبه" وإن كان هو عالماً بالكاذب.

2 - العقلانية: في القول الشائع قديماً: "حدّث العاقل بما لا يليق له، فإن لاقَ له فلا عقل له"(6)، فإنّ الإنسان العاقل لا يمكن أن يقبل بما هو خارج عن عقلانيته وعقلائيته، حيث إنّ للعقلاء طرقاً يسلكونها وأصولاً يقفون عندها ويرتّبون الأثر عليها. فالإنسان المؤمن هو أوّلاً إنسان عاقل يطرح أفكاره بالطرق العقلائية بعيداً، عمّا يرفضه السلوك العقلائي العام. فمثلاً، لا يمكن أن يفرض أيُّ إنسان معتقده على الآخر بالقهر والغلبة، من خلال اتّباع طريق العنف والقوة والسطوة، فإنَّ هذا يولّد حالة من الرهبة في نفوس الآخرين، تجعلهم ينفرون تلقائياً من أفكار الداعية. ولذلك قال تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ... (البقرة: 256). بل مما لا شك فيه، أنّ الإسلام يأمر بالدَّعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل: 125). ولا شك أنّ الدّعوة بالحكمة تعني السَّير في السّلوك الحكيم العقلاني الذي ينفذ في القلب ويؤثّر في النَّفس. وقد ورد عن صادق آل محمد عليهم السلام في حديث: "... أمَّا الجدال بغير التي هي أحسن، فأن تجادل به مبطلاً فيورد عليك باطلاً فلا تردّه بحجّة قد نصبها اللَّه، ولكن تجحد قوله أو تجحد حقاً...، وأما الجدال بالتي هي أحسن فهو ما أمر اللَّه به نبيَّه أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت وإحيائه له..."(7). ويظهر من هذا الحديث أنه ليس للمؤمن أن يتّبع طرقاً ملتوية وباطلة غير شرعية، فهذا من الجدال بغير التي هي أحسن.

3- المحاورة(8): هي من الوسائل المعتمدة وخصوصاً في زماننا للاطلاع على حقيقة أفكار الآخرين وإيصال الأفكار إليهم. والمحاورة تقتضي وجود طرفين على الأقل يتحادثان في أفكارهما فيتعارفان ويتبادلان تلك الأفكار. وبما أنَّ المؤمن يسعى إلى نشر فكره وثقافته بين النَّاس، فقد يكون أسلوب المحاورة أحياناً أنجح الأساليب فيتّبعه، ولذا عليه أن يُتقن التحاور. وقد نقل إلينا اللَّه تعالى كثيراً من المحاورات التي دارت بين الأنبياء السابقين وأقوامهم وهم يدعونهم إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، وكذلك محاورات بين مؤمن وكافر مثلاً، أو بين رجل وامرأة، أو بين إنسان وحيوان، أو تلك المحاورات التي جرت بين إبليس اللّعين من جهة واللَّه سبحانه وآدم عليه السلام وابن آدم من جهة أخرى. ويمكن لهذه المحاورات أن تنفع المؤمن ليكتسب منها خبرة التّحاور وما ينبغي التّركيز عليه على طاولة التّحاور، خصوصاً عندما يكون المحاور الآخر من أهل الاختصاص في علم ما. وأهم ما في التحاور أن يحافظ المحاور على رباطة الجأش وهدوء الأعصاب، بعيداً عن التشنّجات النّفسية التي تبيّن للخصم نقطة الضعف لديه فتجعله يفوز عليه. ومن الواضح أنّ المحاورة لا يُراد منها خصوص تبادل الأفكار، وإنما هذا التّبادل هو مقدّمة لتعرّف الآخر عليها ليقبلها أو يرفضها، ولذا هي عُرضة للنقد والجرح. ومن هنا كان لزاماً على المؤمن إذا دخل في حلبة التّحاور أن يكون مهيَّأً نفسياً وعقلياً ومزوّداً بكل معدات التحاور، في سبيل إثبات فكرته ونقض فكرة الآخرين إن لم تكن سويّة، وهذا من أهم ما ينبغي على المؤمن أن يتجمَّل به.

ختاماً: إن الشخصية الثقافية للمؤمن هي التي تعطي للآخرين صورة عن الإيمان الذي يمثّله هذا الشّخص، فإن كانت شخصيته ملأى بالثقافة الواعية والواعدة كانت الصورة إيجابية بلا شك.‏


(1) منية المريد، ص‏30.
(2) المصدر السابق.
(3) قال في لسان العرب: مرن يمرن مرانة ومرونة: وهو لين في صلابة... (لسان العرب، ج‏13، ص‏403، مادة مرن).
(4) ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏911، ح‏4358.
(5) المصدر السابق، ح‏4355.
(6) وورد بألفاظ أخرى منها: "حدّث العاقل بما لا يعقل، فإنْ صدّق فلا عقل له"، الانتصار للعاملي، ج‏7، ص‏329.
(7) الاحتجاج، ج‏1، ص‏21.
(8) المحاورة: مراجعة الكلام، كتاب العين، ج‏3، ص‏287.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع