نسرين إدريس قازان
الشهيد القائد أحمد محمود وهبي (الحاجّ أبو حسين سمير)
اسم الأم: خديجة السلمان
تاريخ الولادة ومحلها: عدلون ١٩٦٤/١١/١م
الوضع الاجتماعي: متأهل ولديه خمسة أبناء
تاريخ الشهادة ومحلها: اغتيال في الضاحية الجنوبية مع قادة الرضوان ٠٢/٩/٤٢٠٢م
«البعيد القريب»، «حنون العائلة»، عبارات يقطر منها الحنين، وتختصر الكثير من الصفات والحكايات في حياة الحاجّ «أبو حسين»، حدّثتنا عنها زوجته وابنه الوحيد، في مقابلة انسابت فيها ذكريات الزمن الجميل رقراقةً تُشبهُ من اجتمعنا لأجله.
* أداء التكليف أولويّة
«كان عمل الحاجّ في المقاومة أولويّةً في كلّ مكانٍ وزمانٍ، وظلّ كذلك حتّى آخر لحظةٍ في حياته»، تقول زوجته، ثمّ تبتسم حينما تذكر أنّه تركها بعد ثلاثة أيّام من زفافهما نحو شهرين؛ لالتحاقه بدورة عسكريّة، وتضيف: «منذ تلك الأيّام، أصبحت حياتنا عبارة عن جهادٍ في كلّ تفاصيلها. ولطالما كان يردّد أنّ المظاهر والمسؤوليّة هما من قشور الدنيا، وأنّ ما يعنيه هو أداء التكليف، وهذا ما علينا أن نلتزم به أيضاً كعائلة».
ويكمل ابنه الحديث عن هذا الموضوع قائلاً: «أثناء حرب إسناد غزة، وبُعيد اغتيال الحاجّ وسام الطويل، تقرّر تسليم الحاجّ «أبو حسين» مسؤوليّة التدريب التي عمل فيها لسنوات طويلة قبل أن يستلم وحدة الرضوان التي بناها كما يُقال في العاميّة (كلّ شبر بندر)، فلم يقبل سماحة السيّد (رضوان الله عليه) بنقله إلّا بعد سؤال الوالد عن موقفه، فكان جوابه أنّه تحت التكليف، ولا فرق عنده أين ستكون البندقيّة طالما أنّها لن تنزل عن الكتف. يومها، ضرب سماحة السيّد المثل به، وربَت على كتفه، وقدّم له خاتمه العقيق هديّةً».
* بدايات صعبة
تعود الحاجّة بالذكريات إلى البدايات، إلى حارة صيدا حيث تعارفا وتزوّجا، وتخبرنا عن محلّ بيع الألبسة الشرعيّة واللوازم الإسلاميّة الذي كانا يعتاشان منه، فتقول: «كان هذا في النهار، أمّا في الليل، فيجتمع المجاهدون في غرفة سفليّة هي نقطة انطلاق للعمليّات العسكريّة، حيث يكون الحاجّ قد جهّز لهم كلّ عتادهم».
يضيف ابنه: «ولهذا كان أبي ملاحقاً منذ بدايات عمله، فقد اعتقله العدوّ الإسرائيليّ لنحو سنتين تنقّل خلالهما بين معتقل الخيام وسجن عتليت في الأراضي المحتلّة، ثمّ خرج بصفقة تبادل حاملاً ذكرى من أثر التعذيب بصعق كهربائيّ في قدمه».
* القائد المتواضع
ابن بلدة عدلون، كان منزله الصغير هناك مركز انطلاق العمليّة البحريّة الأولى التي نُفّذت عام 1987م، وسرعان ما تولّى مسؤوليّة ملفّ التدريب في منطقة صيدا، حيث برع في تنظيمه وتطويره. وانتقل بعدها إلى منطقة البقاع ليتولّى إدارة المعسكرات وباحات المناورات، وقد استقرّ وعائلته هناك مدّة تزيد على الثلاثين عاماً، حتّى أنّهم اكتسبوا شيئاً من لكنة أهل بعلبك.
تقول زوجته: «كان همّه الأكبر بعد عمله هو تَديّن أولاده، وقد ربّاهم على أنّ الحلال والحرام هما مقياس العمل. وعلى الصعيد العمليّ، كان رجلاً محبوباً جدّاً، إذ إنّه كان يدير عمله انطلاقاً من الروح الإنسانيّة للقيادة، ومن تعاليم القرآن وأهل البيت عليهم السلام. وهذه التقوى في التعامل مع الأفراد، ساهمت في تعزيز الروحيّة الجهاديّة عند المجاهدين العاملين معه».
ثمّ يكمل ابنه الحديث عن تعامل والده مع المجاهدين، وكيف أنّه لم يكن يختلف عنهم بشيء، سوى بأنّ تكليفه أكثر صعوبة ويستغرق معظم وقته، ويقول: «عندما كان يصل إلى مكان، يُسلّم على الإخوة الحرس قبل أيّ أحد آخر، ويسأل عن أحوالهم. أمّا في عمله، فيولي اهتماماً بالغاً لحاجات الأفراد، ويتابع شؤونهم الحياتيّة، ويسعى في قضاء حوائجهم، حتّى لو تطلّب الأمر الإنفاق من جيبه الخاصّ رغم ضيق ذات اليد وقلّة الموارد». ويكمل: «سألته يوماً: لمَ لا تفكّر في إقامة مشروع خاصّ يسهم في دعمنا ماديّاً؟، فابتسم ابتسامة رقيقة، ونظر إليّ قائلاً: هكذا نصل إلى الله ونحن خفاف».
* ميزات خاصّة
للحاجّ الكثير من المزايا الخاصّة، منها دقّته في القياس، وعن ذلك يقول ابنه: «كانت عيناه حادّتين كعينَي الصقر؛ يستطيع أن يكتشف انحراف عمود ولو بمقدار مليمتر، ويحدّد المسافة أو ارتفاع مبنى شاهق بدقّة، حتّى كنّا في بعض الأحيان نتحدّاه، فيقبل بابتسامة عريضة لمعرفته المسبقة بالربح. فمثلاً، اشتريتُ قطعة أرضٍ صغيرة في بعلبك، واستشرت عدداً من المهندسين لتصميم خريطة لبناء بيت صغير، فكانت النتيجة غرفتين ومنافعهما. ولمّا رجع الحاجّ من عمله، عاين المكان ودرس الخريطة، فصمّم لي منزلاً من ثلاث غرفٍ مع منافعها. لا أعرف كيف استطاع فعل ذلك، وها أنا أسكن في هذا البيت الذي صمّمه!».
تتحدّث زوجته عن ميزة أخرى، انطلاقاً من قول أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة... إنّه دليل على كلّ خير»(1)، إذ كانت هذه القاعدة الذهبيّة نبراساً في حياة الحاجّ «أبو حسين»، وتضيف: «كان ذكر (يا أمير المؤمنين) يرافق كلّ حركاته، كما كان كثير الصيام، عن الطعام، وأحياناً عن الكلام».
* تأسيس فرقة الرضوان
شارك الحاجّ «أبو حسين» في كلّ الأعمال الجهاديّة التي تتطلّبها مسؤوليّات موقعه، وكان يؤمّن ساحات المناورات قبل تنفيذ أيّ عمليّة. وبعد حرب تمّوز 2006م، انتقل من المعسكرات إلى العمل العسكريّ، وبدأ والشهيدين القائدين الحاجّ رضوان وناصر العيتاوي “أبو الفضل” بتأسيس فرقة التدخّل تحت مسمّياتٍ عدّة، بحيث شرع في وضع الخطط والمهام. كانت هذه الفرقة في طور تأسيسها عندما استُشهد الحاجّ عماد، ولحقه في العام ذاته الحاجّ أبو الفضل، فأكمل الحاجّ «أبو حسين» المهمّة بنفسه، حتّى أُعلن عن تأسيس فرقة الرضوان.
كانت المواجهة مع التكفيريّين بداية هذه الانطلاقة التي عمل على تطويرها، وكانت مناورة «كسارة العروش» أولى المناورات المصوّرة والمتاحة للعموم، وقد أشرف على أدقّ تفاصيلها بنفسه.
* انشغال دائم
كان الحاجّ “أبو حسين” شخصاً منظّماً جدّاً ودقيقاً في كلّ شيء، وقد فرض العمل عليه التنقّل كثيراً، من أقصى الجنوب إلى أقصى البقاع، فيُصلّي الصبح في مكان، والظهر في مكانٍ آخر، والمغرب كذلك. يخبرنا ابنه أنّ الأخ الذي يرافق الحاجّ قال له ذات يوم: «إنّ والدك يمتلك قدرة استثنائيّة في إنجاز الأعمال بسرعة، حتّى كأنّ الأرض تُطوى له ليتمكّن من التنقّل من الجنوب مروراً ببيروت ثمّ إلى البقاع في وقت قياسيّ لا يبدو معقولاً إذا ما قورن بحجم المهامّ الكبيرة التي يُنجزها».
وعلى الرغم من كثرة انشغالاته، إلّا أنّه كان لا يستريح عندما يعود إلى البيت، تقول زوجته: «كان يُسرع لمساعدتي في أعمال البيت. وعندما أستنكر أنا وبناتي عليه ذلك، يبتسم بحنانٍ ويُعرب لنا عن مدى سعادته بمساعدتنا».
* زيارة فشهادة
انطلق الحاجّ «أبو حسين» وثلّة من رفاقه في درب المشّاية عام 2023م في أربعين الإمام الحسين عليه السلام، ولم يصدّق أنّه نال الموافقة على السفر بعدما كان ذلك محظوراً لفترة طويلة. ومع بدء عمليّة إسناد غزّة، استُشهد من كان معه في ذلك الدرب صالحاً تلو الآخر، فتغيّب عن منزله أشهراً طويلة ليتابع سير العمل في الجبهة. وبعد عودته لتولّي مسؤوليّة المعسكرات، استُدعي لحضور اجتماع يضمّ قادة فرقة الرضوان، فارتفع وثلّةٌ منهم إلى بارئهم مخضّبين بدمائهم، ليكون إلى جانب القائد إبراهيم عقيل «الحاجّ عبد القادر»، الذي كان على مرّ السنوات، وحيثما يكون، في مهمّة أو مناسبة عامّة، يقول: «الحاج أبو حسين سمير بضلّ معي».
(1) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 12، ص 182.