مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

البردة في مدح الرسول صلى الله عليه وآله لكعب بن زهير

فيصل الأشمر

 



يُعدُّ الشاعر المخضرم كعب بن زهير من فحول شعراء العرب، تماماً كوالده الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى (من أصحاب المعلقات). ورغم كثرة ما قاله من شعر، فإن قصيدته في مديح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله تعد من أشهر ما قاله من شعر. ولهذه القصيدة قصة رواها مؤرخو الأدب العربي، وملخصها أن بُجَيراً، أخا شاعرنا كعب، سبق كعباً إلى الدخول في الإسلام، مما أغضب كعباً ودفعه إلى هجاء أخيه بعدة قصائد، نال فيها من رسول الله صلى الله عليه وآله. ويقال إن الرسول صلى الله عليه وآله سمع ببعض هذا الشعر فتوعَّد كعباً. وقد ظل كعب على وثنيته حتى فتح مكة. وكتب إليه أخوه بجير كتاباً يطلب منه فيه القدوم على الرسول صلى الله عليه وآله لكي يُسلم، مخوفاً إياه من القتل على أيدي المسلمين بعد هجائه الرسول صلى الله عليه وآله. فقدمَ كعب إلى المدينة، وقابل الرسول صلى الله عليه وآله معلناً توبته طالباً من الرسول صلى الله عليه وآله أن يعفو عنه، فعفا عنه الرسول صلى الله عليه وآله، فأنشده كعب قصيدته التي مطلعها:
 

بانَت سُعادٌ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ(1) مُتَيَّمٌ(2)

إِثرَها لَم يُفدَ(3) مَكبولُ(4)

وَما سُعادُ غَداةَ(5) البَينِ(6)

 إِذ رَحَلوا إِلاّ أَغَنُّ(7) غَضيضُ الطَرفِ(8) مَكحولُ


إلى أن يقول:

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً

عَلى آلَةٍ حَدباءَ(9) مَحمولُ

أُنبِئتُ أَنَّ رَسولَ اللَهِ أَوعَدَني

وَالعَفُوُ عِندَ رَسولِ اللَهِ مَأمولُ

مَهلاً هَداكَ الَّذي أَعطاكَ نافِلَةَ(10)

 ال قُرآنِ فيها مَواعيظٌ وَتَفصيلُ

لا تَأَخُذَنّي بِأَقوالِ الوُشاةِ وَلَم أُذِنب

 وَلَو كَثُرَت عَنّي الأَقاويلُ

لَقَد أَقومُ مَقاماً لَو يَقومُ بِهِ أَرى

وَأَسمَعُ ما لَو يَسمَعُ الفيلُ

لَظَلَّ يُرعَدُ إِلّا أَن يَكونَ لَهُ

 مِنَ الرَسولِ بِإِذنِ اللَهِ تَنويلُ(11)

ما زِلتُ أَقتَطِعُ البَيداءَ مُدَّرِعاً(12)

 جُنحَ الظَلامِ وَثَوبُ اللَيلِ مَسبولُ(13)

حَتّى وَضَعتُ يَميني لا أُنازِعُهُ

في كَفِّ ذي نَقِماتٍ(14) قيلُهُ القيلُ(15)

لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ

وَقيلَ إِنَّكَ مَنسوبٌ ومَسؤولُ

إِنَّ الرَسولَ لَسَيفٌ يُستَضاءُ بِهِ مُهَنَّد(16)

 مِن سُيوفِ اللَهِ مَسلولُ

في عُصبَةٍ مِن قُرَيشٍ قالَ قائِلُهُم

بِبَطنِ مَكَّةَ لَمّا أَسَلَموا زولوا

لا يَفرَحونَ إِذا نالَت رِماحُهُمُ قَوماً

وَلَيسوا مَجازيعاً(17) إِذا نيلوا(18)

لا يَقَعُ الطَعنُ إِلاّ في نُحورِهِمُ ما إِن

لَهُم عَن حِياضِ المَوتِ تَهليلُ(19)


ويذكر المؤرخون أن الرسول صلى الله عليه وآله كسا كعباً بعد الفراغ من قصيدته بُرْدةً بقيت معه حتى وفاته ثم باعها أبناؤه بعشرين ألف درهم، ومن أجلها لُقّبت هذه القصيدة بالبردة.
 


(1) متبول: مغرَم.
(2) متيم: ذليل من الحب.
(3) لم يُفدَ: لم تدفَع فديته ليُطلَق من أسره.
(4) مكبول: محبوس ومقيَّد.
(5) غداة اليوم: أوله.
(6) البين: البعد.
(7) الأغن: الظبي الذي يخرج صوته من خياشيمه وتشبَّه به المرأة ذات الصوت الجميل.
(8) الطرف: العين.
(9) الآلة الحدباء: النعش.
(10) النافلة: الهبة دون مقابل.
(11) التنويل: العطاء.
(12) إدَّرع: لبس الدرع، وشبَّه الشاعر هنا الليل بالدرع.
(13) مسبول: مرخيّ.
(14) النقمات: جمع النقمة أي الإنتقام‏
(15) أي قوله هو القول الأكيد.
(16) المهند: السيف.
(17) المجازيع: القليلو الصبر والتحمل.
(18) نيلوا: أُصيبوا.
(19) التهليل: النكوص والجبن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع