نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شهداء أحد.. فرادة التضحية

الشيخ حسن الهادي‏

 



تكمن عظمة شهداء معركة أُحد في أنهم استشهدوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في معركة مصيرية تهدف إلى استعادة كرامة المشركين وسيادتهم بعد هزيمتهم القاسية في بدر، ومقتل أسيادهم وأشرافهم على يد المسلمين. فقد استشهد من المسلمين في واقعة أحد مجموعة من الشهداء والقادة، بلغ عددهم سبعين شهيداً من المهاجرين والأنصار على أشهر الروايات، ومن أبرز من استشهد من المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير، ومن الأنصار سعد بن الربيع وعبد الله بن جبير.

* حمزة سيد الشهداء
نسبه: حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي..؛ الهاشمي، المكي، ثم المدني البدري، الشهيد، عم رسول الله صلى الله عليه وآله وأخوه من الرضاعة. كان يقال له: أسد الله، وأسد رسوله، وكان يقاتل في أُحد بسيفين ويقول: أنا أسد الله. ويكنّى: أبا عُمارة وأبا يَعْلى أيضاً (نسبة إلى ولديه عُمارة ويَعلى). مكانته في الإسلام وعند رسول الله صلى الله عليه وآله: لحمزة بن عبد المطلب منزلة رفيعة في الإسلام، ومكانة خاصة عند رسول الله صلى الله عليه وآله، تتجلى هذه المنزلة في مجموعة الأوصاف والألقاب التي اختص بها حمزة عليه السلام في حياته وبعد استشهاده، فكان يقال له في حياته أسد الله، وأسد رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله بأحسن الصفات بقوله: "رحمك الله، أي عم، فلقد كنت وصولاً للرحم، فعولاً للخيرات"(1). وأما بعد شهادته فسمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله سيّد الشهداء، حيث روي عنه صلى الله عليه وآله: "حمزة سيد الشهداء" وفي رواية "خير الشهداء"، وكذا وصفه أمير المؤمنين عليه السلام.. والثابت أن النبي صلى الله عليه وآله قد حزن على حمزة، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وقف على حمزة وقد قتل ومثّل به، فلم يرَ منظراً أوجع لقلبه منه؛ وترحم عليه، وبكى عليه وأحب أن يكون ثمة بواكيَ له، ولهذا فقد واساه الأنصار في البكاء على حمزة؛ وما أرقها من مواساة. وفي الواقع إن حزن النبي صلى الله عليه وآله على حمزة وبكائه عليه كان لسببين رئيسين:
الأول: الخدمات الجليلة التي قدّمها حمزة لهذا الدين وإعلاء كلمة الله تعالى في مكة والمدينة وما رافقهما من أحدات.
والثاني: ما أصاب الإسلام بفقده باعتباره أحد أركان الجيش وحماة الدين. وإلا فلا يبكي عليه لمجرد دوافع عاطفية شخصية، أو لعلاقة رحمية ونسبية، فالنبي يحب في الله وفي الله فقط.

الشهادة: استشهد حمزة عليه السلام يوم أحد على يد وَحْشِيّ بن حرب الحبشي، مولى جبير بن مطعِم بن عَديّ، وصلّى رسول الله صلى الله عليه وآله على حمزة والشهداء في أحد من غير غسل. والمروي عن علي عليه السلام أنه صلى الله عليه وآله قد خصّ حمزة بسبعين تكبيرة، وقد مثّل المشركون من قريش أبشع المثل بشهداء أحد؛ سيما حمزة عليه السلام حيث جاءت هند زوجة أبي سفيان وبقية نساء المشركين مصرع الشهداء، فمثّلت هند بحمزة.. حتى أنها بقرت بطنه واستخرجت كبده فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها(2). فيقال إن النبي صلى الله عليه وآله بلغه إخراجها كبد الحمزة فقال: "هل أكلت منه شيئاً؟" قالوا: لا، قال: "ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة إلى النار"(3). بعد كل ما تقدم يمكن القول إن حمزة إلى جانب أمير المؤمنين علي عليه السلام كانا يمثلان عضدَي رسول الله في الحرب والسلم، وخسارة أحدهما خسارة عظمى على الإسلام والمسلمين.

* مصعب بن عمير
نسبه: هو أبو عبد الله ، مصعب الخير بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي... وكانت أمه كثيرة المال حسنة الحال والجاه، فعاش معها حياة الرغد والغنى ، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، ومن السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم ورسول الله صلى الله عليه وآله في دار الأرقم، بعد أن تخلّى عن المال والجاه وحياة الأغنياء؛ ليلتحق بالمسلمين الفقراء المظلومين، ويعيش حياتهم ومعاناتهم. مكانته عند رسول الله صلى الله عليه وآله:

ورد عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله مُصعب بن عمير فبكى للذي كان فيه من النعمة، ولما صار إليه. وكان مصعب من المجموعة التي هاجرت إلى المدينة، بتكليف من النبي صلى الله عليه وآله، بعد العقبة الأولى ليُعلّم الناس القرآن، ويفقّه أهلها وكان يُسمى في المدينة المقرئ، وروي عن رسول الله أنه قال بعد شهادة مصعب بن عمير: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (الأحزاب: 23). "وأن رسول الله يشهد عليكم: إنكم شهداء عند الله يوم القيامة" ثم أقبل على الناس، فقال: "أيها الناس، ائتوهم فزوروهم وسلّموا عليهم، فوالذي نفسي بيده لا يُسلم عليهم أحد إلى يوم القيامة، إلا ردوا عليه السلام". تفانيه حتى الشهادة: شهد مصعب بن عمير معركة بدر، وحمل اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى، فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ... (آل عمران: 144)؛ ولما قطعت يده اليسرى، جثا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره حتى قتله ابن قمئة الليثي، وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وآله. ومع أن مصعب كما ذكرنا من عائلة غنية إلا أنه لم يترك إلا ثوباً واحداً، كانوا إذا غطّوا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطّوا به رجليه خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "غطّوا رأسه واجعلوا على رجليه الإذْخر".

* سعد بن الربيع‏
نسبه: سعد بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك...
شهد سعد بن الربيع العقبة الأولى والثانية، وهو أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدراً وأحداً.

وفاء سعد وشموخه:
تعدّدت الروايات التي ذكرت تفقّد رسول الله لسعد في يوم أحد، فقد قاتل سعد حتى أثخنته الجراح فسقط إلى الأرض وبه رمق، ولما انتهت المعركة قال النبي صلى الله عليه وآله: "مَن يأتيني بخبر سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟" فذهب أحد الأنصار يبحث عنه بين الشهداء فوجده وبه رمق، فقال له سعد: ما شأنك؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله لآتيه بخبرك، قال: فاذهب إليه فأقرئه مني السلام وأخبر قومك أنه لا عُذر لهم عن الله إن قتل رسول الله وواحد منهم حي؛ وفي رواية: فوالله ما لكم عند الله عذر إن خلص إلى نبيّكم وفيكم عين تطرف، قال أبيّ: فلم أبرح حتى مات فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته، فقال: "رحمه الله، نصح لله ولرسوله حياً وميتاً".

* عبد الله بن جُبير
نسبه: عبد الله بن جُبير بن النعمان.. الأنصاري، شهد معركتي بدر وأحد؛ والعقبة مع السبعين من الأنصار، واستعمله رسول الله يوم أحد على الرماة. فلما وصل النبي صلى الله عليه وآله إلى منطقة القتال، اختار أن ينزل إلى جانب جبل أحد، بحيث يكون ظهرهم إلى الجبل، وكان على يسار المسلمين جبل اسمه "عينين"، وهو جبل على شفير قناة، وكانت فيه ثغرة، فأقام عليها خمسين رجلاً من الرماة عليهم عبد الله بن جبير.. وقال لهم صلى الله عليه وآله: "قوموا على مصافّكم هذا فاحموا ظهورنا، فإن رأيتمونا قد غنمنا، فلا تشركونا، وإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا" وفي حديث آخر: "لا تبرحوا مكانكم وإن رأيتم الطير تخطفنا". والموقف الأهم الذي يعبّر عنه إخلاصه لرسوله الله صلى الله عليه وآله هو عندما انتصر المسلمون بداية الأمر وقال بعض الرماة لبعض: ما تقيمون ها هنا في غير شي‏ء؟ فقد هزم الله العدوّ فاغنموا مع إخوانكم.. وبالفعل همّ بعضهم بترك أماكنهم لاكتساب الغنائم، فأمرهم عبيد الله بن جبير بطاعة الله وطاعة رسوله، وأن لا يُخالف لرسول الله أمر، فعصوا وانطلقوا؛ واستغلّ العدو هذه الثغرة، وحصلت مواجهة قاسية بين فرقة من جيش المشركين ومن تبقى مع عبد الله بن جبير، ورمى عبد الله بن جبير حتى فنيت نبله، ثم طاعن بالرمح حتى انكسر، ثم كسر جفن سيفه فقاتلهم حتى قتل، فلما وقع جرّدوه ومثّلوا به أقبح المثل، وهكذا سقط شهيداً دفاعاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وجيش المسلمين. وفي ختام الكلام ينبغي الالتفات إلى أن شهداء أحد وبقيّة شهداء الرسالة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، قد أرّخوا تاريخ الإسلام بدمائهم الطاهرة، وأناروا، وعلموا البشرية جمعاء أن الدفاع عن الحق والكرامة، والخير والعزة، ودفع الظلم، وقتال الظالمين، تبذل دونه الأرواح والمهج، وأن الموت في هذه الطريق هو الحياة، لأن الحياة بلا عزة وكرامة هي موت مستمر.


(1) الصحيح من سيرة النبي الأعظم، ج‏6، ص‏271، بتصرف.
(2) السيرة النبوية لابن هشام، ج‏3، ص‏97.
(3) بحار الأنوار، ج‏20، ص‏55.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع