نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كشف الغُمَّة في مدح سيد الأمة صلى الله عليه وآله

فيصل الأشمر

 



يعد الشاعر المصري محمود سامي البارودي من أشهر شعراء مصر والعالم العربي في القرن التاسع عشر الميلادي. ولد سنة 1839 في القاهرة وتوفي عام 1904. دخل المدرسة الحربية عام 1852م وتخرج فيها بعد أربع سنوات. بعدها رحل إلى الآستانة لدراسة آداب اللغة التركية والفارسية، وسَعْياً وراء منصب يحقق مطامحه، فتولى منصباً في وزارة الخارجية، كما تمكن من إتقان اللغتين التركية والفارسية ومعرفة آدابهما.

وقد بقي في تركيا ثماني سنوات حتى عاد إلى مصر وهو في الرابعة والعشرين. ثم تقلد عدة مناصب سياسية وعسكرية كما شارك في عدة حروب منها الحرب التركية الروسية عام 1878. وعندما حدثت الثورة العرابية عام 1881 كان في صفوف الثائرين ، ومن زعمائهم، ولما دخل الإنجليز القاهرة قُبض عليه وسُجن، ثم حكم عليه بالإعدام، وأُبدل الحكم بالنفي إلى جزيرة "سيلان" عام 1882 حيث بقي فيها سبعة عشر عاماً تعلم خلالها اللغة الإنجليزية، وترجم عنها بعض الكتب إلى العربية. وقد عُفي عنه بعد فقدان بصره وأُعيد إلى مصر عام 1899. وقد عُرف الشاعر بتدينه ومبادئه وأخلاقه، وقد تجلت هذه الصفات في شعره، هذا الشعر الذي يُعدّ فاتحةً للأسلوب العصري الراقي بعد إسفاف النّظم زمناً طويلاً. وشعره جزل الأسلوب، ضخم المعاني، متنوع الفنون، فكأنه امتداد لشعر الفحول من شعراء العربية السابقين. أما قصيدته موضوع مقالتنا هذه فهي تروي حياة وسيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وقد أسماها "كشف الغُمَّة في مدح سيد الأمة". وقدّم البارودي لقصيدته بكلمات قال فيها: "هذه قصيدة ضمنتها سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مولده الكريم إلى يوم انتقاله إلى جوار ربه... ورغبتي إلى الله أن تكون لي ذريعة أمتّ بها (أي أتوسل بها) يوم المعاد، وسلماً إلى النجاة من هول المحشر، اللهم حقق رغبتي إليك واكسها بفضلك رونق القبول، آمين". يبدأ البارودي قصيدته بقوله:
 

يا رَائِدَ البَرقِ يَمّمِ دارَةَ العَلَمِ‏

وَاحدُ الغَمامَ إِلى حَيٍّ بِذِي سَلَمِ‏

وَإِن مَرَرتَ عَلى الرَّوحاءِ فَامرِ لَها

أَخلافَ سارِيَةٍ هَتّانَةِ الدِّيَمِ‏


إلى أن يصل إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وآله فيقول:
 

مُحَمَّدٌ خاتَمُ الرُسلِ الَّذي خَضَعَت‏

لَهُ البَرِيَّةُ مِن عُربٍ وَمِن عَجَمِ‏

سَميرُ وَحيٍ، وَمَجنى(1) حِكمَةٍ، وَنَدى سَماحَةٍ(2)، وَقِرى عافٍ(3)، وَرِيُّ ظَمِ(4).

مَسامِعَ الرُسلِ قَولاً غَيرَ مُنكَتِمِ‏

فَذاكَ دَعوَةُ إِبراهيمَ خالِقَهُ‏

وَسِرُّ ما قالَهُ عِيسى مِنَ القِدَمِ‏

أَكرِم بِهِ وَبِآباءٍ مُحَجَّلَةٍ(5)

جاءَت بِهِ غُرَّةً(6) في الأَعصُرِ الدُّهُمِ‏

قَد كانَ في مَلَكوتِ اللَهِ مُدَّخراً

لِدَعوَةٍ كانَ فيها صاحِبَ العَلَمِ‏

نُورٌ تَنَقَّلَ في الأَكوانِ ساطِعُهُ‏

تَنَقُّلَ البَدرِ مِن صُلبٍ إِلى رَحِمِ‏

حَتّى اِستَقَرَّ بِعَبدِ اللَهِ فَاِنبَلَجَت‏

أَنوارُ غُرَّتِهِ كَالبَدرِ في البُهُمِ(7)


ثم يصف ولادته المباركة وما كان من دلالات نبوته وهو صغير ليصل إلى قصة زواجه من السيدة خديجة ونزول الوحي عليه، وما تلا ذلك من أحداث، ليصل بعدها إلى قصة الإسراء والمعراج، فيقول:
 

وَحَبَّذا لَيلَةُ الإِسراءِ حِينَ سَرى‏

لَيلاً إِلى المَسجِدِ الأَقصى بِلا أَتَمِ(8)

رَأَى بِهِ مِن كِرامِ الرُّسلِ طائِفَةً

فَأَمَّهُم ثُمَّ صَلَّى خاشِعاً بِهِمِ‏

بَل حَبَّذا نَهضَةُ المِعراجِ حينَ سَما

بِهِ إِلى مَشهَدٍ في العزِّ لَم يُرَمِ‏

سَما إِلى الفَلَك الأَعلى فَنالَ بِهِ‏

قَدراً يَجِلُّ عَن التَّشبيهِ في العِظَمِ‏

وَسارَ في سُبُحاتِ(9) النُّورِ مُرتَقِياً

إِلى مَدارِجَ أَعيَت كُلَّ مُعتَزِمِ‏

وَفازَ بِالجَوهَرِ المَكنونِ مِن كَلِمٍ‏

لَيسَت إِذا قُرِنَت بِالوَصفِ كَالكَلِمِ(10)

سِرٌّ تَحارُ بِهِ الأَلبابُ قاصِرَةً

وَنِعمَةٌ لَم تَكُن في الدَّهرِ كَالنِّعَمِ‏


ثم يتحدث الشاعر عن قصة هجرة الرسول صلى الله عليه وآله إلى المدينة، وما كان من بناء المسجد، والمؤاخاة بين المسلمين، وفي هذه المؤاخاة يقول:
 

وَحِينَ آخى رَسُولُ اللَّهِ بَينَهُمُ‏

آخى عَلِيّاً وَنِعمَ العَونُ في القُحَمِ(11)

هُوَ الَّذي هَزَمَ اللَّهُ الطُغاةَ بِهِ‏

في كُلِّ مُعتَرَكٍ بِالبِيضِ(12) مُحتَدِمِ‏

فَاِستَحكَم الدِّينُ وَاِشتَدَّت دَعائِمُهُ‏

حَتّى غَدا واضِحَ العِرنينِ(13) ذا شَمَمِ‏

وَأَصبَحَ الناسُ إِخواناً وَعَمَّهُمُ‏

فَضلٌ مِنَ اللَّهِ أَحياهُم مِنَ العَدَمِ


بعد ذلك يذكر الشاعر معارك الرسول صلى الله عليه وآله وانتصاراته فيها، وفتحه مكة والسرايا والغزوات التي وقعت، ثم يعمد إلى التوسل بالرسول صلى الله عليه وآله قائلاً:
 

هُوَ النَّبِيُّ الَّذي لَولاهُ ما قُبِلَت‏

رَجاةُ آدمَ لَمّا زَلَّ في القِدَمِ‏

هُوَ الَّذي يَنعَشُ المَكرُوبَ إِذ عَلِقَت‏

بِهِ الرَّزايا وَيُغني كُلَّ ذي عَدَمِ‏

هَيهاتَ يَخذُلُ مَولاهُ وَشاعِرَهُ‏

في الحَشرِ وَهوَ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ‏

فَمَدحُهُ رَأسُ مالي يَومَ مُفتَقَرِي‏

وَحُبُّهُ عِزُّ نَفسي عِندَ مُهتَضَمِي(14)

وَهَبتُ نَفسِي لَهُ حُبّاً وَتَكرِمَةً

فَهَل تَراني بَلَغتُ السُّؤلَ مِن سَلَمي‏

إِنِّي وَإِن مالَ بي دَهري وَبَرَّحَ بي‏

ضَيمٌ أَشاطَ(15) عَلى جَمرِ النَّوى أَدَمي(16)

لثابِتُ العَهدِ لَم يَحلُل قُوى أَمَلِي‏

يَأسٌ وَلَم تَخطُ بِي في سَلوَةٍ(17) قَدَمي‏

يا سَيِّدَ الكَونِ عَفواً إِن أَثِمتُ فَلي‏

بِحُبِّكُم صِلَةٌ تُغنِي عَنِ الرَّحِمِ


(1) المجنى: الموضع الذي يُجنى فيه الثمر.
(2) السماحة: الجود والكرم.
(3) القرى: ما يقدَّم للضيف، والعافي: طالب الفضل أو الرزق.
(4) الظمي: الظمآن.
(5) المحجَّل: المشهور.
(6) الغرة: أول ومعظم وطلعة الشي‏ء، وهنا المقصود غرة الصبح.
(7) ليل بهيم: لا ضوء فيه.
(8) الأتم: الإبطاء في السير.
(9) سبحات النور: مظاهر النور.
(10) الكلِم: الكلام.
(11) القحم: جمع القحمة أي الأمر الشاق.
(12) البِيض: السيوف.
(13) العَرنين: الأنف، وواضح العرنين هنا: ثابت الأساس.
(14) هضم فلاناً: ظلمه، وعند مهتضمي: أي في حال كوني مظلوماً.
(15) الضيم: الظلم. وأشاط: أحرقَ.
(16) الأدَم: ظاهر الجِلد.
(17) السَلْوَة: النسيان، وهنا: السهو عن أوامر اللَّه تعالى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع