مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قلاع الوعد الصادق: العديسة: ريحانة الصمود والمقاومة

إيفا علوية ناصر الدين

 


العديسة في الجيب. هذا ما أوحت إليه تفاصيل الخريطة التي نصبها قادة العدو أمام أعينهم، وهم يضعون لمساتهم الأخيرة على مخطط العدوان بعد التعديلات الطارئة التي فرضتها الوقائع الميدانية، والتي دفعتهم للبحث عن مخارج يفكّون بها الخناق الذي أُحكم رباطه على أعناقهم. إنها في متناول اليد. هذا ما أشارت إليه توقعاتهم. لكن، مرة أخرى، جاء حساب الحقل مخالفاً لحساب البيدر. العديسة، تلك البلدة الصغيرة التي لم يكلّف العدو نفسه عناء اعتبارها جبهة للقتال تستحق الذكر، جاء فعلها كبيراً وبحجم القضية. وجد العدو نفسه حائراً على أي جبهة يقاتل، إلى من يصوّب، وإلى أي هدف يرمي؟ أيقاتل على جبهة حسين شري؟ أم على جبهة أم أكرم، وأبي فوزي، وخيرية، ومريم، وحسن محمود؟ رمى بنيران حقده على الجبهتين وأخفق في الاثنتين، فكان له درس لا يُنسى.

العديسة
ـ القضاء: مرجعيون.
ـ حدود البلدة:
من الشمال: بلدة كفركلا.
من الشرق: فلسطين المحتلة.
من الجنوب: بلدة مركبا وفلسطين المحتلة.
من الغرب: بلدتا الطيبة ورب ثلاثين.

تتربع حكايا الوعد الصادق على عرش ذاكرة الأهالي في بلدة العديسة، فتراهم يفيضون بما اكتنزوه في جعبتهم من قصص بلهجة تنطق بمشاعر العزة والافتخار، بأن الله تعالى وفقهم لادخار حصتهم من كرامة الحضور والمشاركة على جبهتي الصمود والمقاومة، وأنعم عليهم برؤية إشراقة الانتصار.

ـ مقاومة من نوع آخر
منذ اليوم الأول للعدوان، ولقرب البلدة من الشريط الحدودي، بدأت الحشود الإسرائيلية تتحرك من جهة مستوطنة "مسكاف عام" المقابلة للبلدة، على مرأى نظر الأهالي الذين ظلوا في الفترة الأولى من الحرب ينعمون بمقومات الحياة الطبيعية، بالرغم من أزيز طائرات الاستطلاع وزعيق الغارات التي كانت توزع حممها على أطراف القرية وأحراشها. لم يكن نعيق أصوات الرسائل والنداءات والتهديدات الناشزة والكلمات السافرة التي تتعرض لسيد المقاومة، والتي كان العدو يعمد إلى إطلاقها باتجاه البلدة عبر مكبرات الصوت المركزة في مسكاف عام لتخويف الأهالي ودعوتهم إلى القيام بوجه المقاومة، لم تكن لتحبط روحية الصمود التي تجذّرت في أعماق من أصرَّ على البقاء. الحاج خضر مراد (أسير سابق في معتقل الخيام لمدة 7 سنوات) بقي في البلدة طوال فترة الحرب، ويحكي عن روحية التحدي والمواجهة التي عبَّر عنها الأهالي أيضاً بالإصرار على: "التردد إلى المسجد لأداء الصلاة في أوقاتها، ولقراءة الأدعية والمناجاة. هناك أشخاص لم يكونوا يصلون في المسجد أو كان ترددهم إليه قليلاً، فبدأوا يداومون على الحضور إليه بشكل ملفت. لكن جبن العدو وعجزه عن مواجهة المقاومين جعل يده الغادرة تمتد لتطال المسجد بالقصف".

* أترهبوننا بالموت؟!
زينب محمد عباس (أم أكرم 80 سنة) حفرت اسمها أيضاً على لائحة الصامدين الذين جُبلت نفوسهم الأبية بحب الأرض، فلم يعرفوا أي معنى للحياة إلاّ على ترابها الغالي. لقد أدهشت أم أكرم العدو الغاشم بقوة قلبها وثباتها، واستفزت بشجاعتها النادرة، وقدرتها على التحدي، جنوده الغارقين في مستنقعات الخوف واليأس والجبن. في أثناء إحدى المواجهات، خرجت أم أكرم مشياً على قدميها متوجهة إلى بيت أخيها حيث كان أولاده، وذلك للاطمئنان عليهم. وعندما رآها جنود العدو أطلقوا عليها نيران قناصتهم، فسقطت هامدة على الأرض. لم يستطع أحد الاقتراب منها لسحبها على أساس أنها ميتة. وفي اليوم التالي استطاعت ابنة أخيها الوصول إليها، فوجدتها تتنشق أنفاس الحياة، وتعض على جراح إصابتها بصمت. تم إخراجها من البلدة لمعالجتها، وكتب لها الله الحياة، والعودة إلى الأرض التي تعشق، لتوافيها المنية لاحقاً بعد سنة على انقضاء الحرب. ليست أم أكرم الوحيدة التي تحدَّت بقوة قلبها وصلابتها جبروت العدو وكيده، فهناك محمد مرتضى (أبو فوزي، 78 سنة) الذي بقي طوال فترة الحرب يسرح بقطيع صغير من المواشي، ويشق طريقه بعزم وإرادة منيعة، متخطياً أجواء القصف والاشتباكات، قاصداً السهل الذي يقع تحت مشروع الطيبة. كانت عيناه ترى أرتال الدبابات وتسمع أذناه هدير الطائرات وأصوات القذائف والرشقات، من غير أن يهتز له جفن أو يرتعش له قلب. كان شباب المقاومة يشاهدونه ويطلبون منه العودة، فيطلق صوته عالياً بنبرة مشددة: "اللي حط هالراس هوي اللي بيشيلو". لم تستطع وحشية العدو ولا حقده النيل من عزيمة أبي فوزي وصلابته، فحتى بعد إصابته إثر غارة وقعت على منزله خسر من جرائها قطيعه، وفقد البصر في إحدى عينيه، وأصيب في صدره ورجله، فقد بقي يردد مقولته الشهيرة، مضيفاً بتهكم وازدراء: "الإسرائيلي بدو يهزمني؟!!".

* أرواحنا فداء المقاومة
لا تنتهي القصة في بلدة العديسة عند هذا الحد، بل تزداد وتيرتها صعوداً نحو قمة الصمود والثبات في وجه العدو المحتل، المتقوقع خلف متاريس آلياته وحصون مدرعاته، ناشراً سموم غدره وإرهابه في جنبات الأرض الوادعة. من يسمع قصة حسن محمود وابنته مريم، يخطر بباله سؤال مُلحٌّ: ما الذي يدفع بالمرء إلى ركوب المخاطر وتحمل المصاعب والمحن في ظل تلك الحرب القاسية التي تفتك بالبشر والحجر؟ هل هو فقط عشق الأرض المتأصِّل في نفوس أبنائها الذين نمى لحمهم، واشتد عظمهم من خيرات ترابها، أم أن هناك سبباً آخر؟  حسن محمود (أبو أحمد، 70 سنة) وابنته مريم (35 سنة) بقيا طوال فترة الحرب في بيتهما الكائن في حي العَمرة. كانت البلدة بعد اليوم العشرين من الحرب قد خلت إلاّ من أنفاس المجاهدين وصليل المعارك والمواجهات. ترتسم على ملامح مريم ابتسامة عريضة تختصر إحساسها بأهمية الموقف الذي انطبعت به وهي تحكي قصتها: "أبي رفض الخروج من البلدة مسلّماً أمره إلى الله تعالى، الذي يقدّر للإنسان موته أو بقاءه على قيد الحياة. شعرت بأن لي به أسوة، أموت إن مات وأعيش إن عاش. أمضينا طوال فترة الحرب في بيتنا ننتقل من غرفة إلى أخرى، ومن زاوية إلى زاوية حسب وجهة القصف واشتداده وحدّته. عندما كان يسود الهدوء، كنا نخرج ونتمشى جانب البيت لنشم الهواء ونرتقب الأجواء. كنا ننزل إلى العين لإحضار الماء. أما الطعام، فكنا ندبّر حاجتنا منه مما هو موجود بين أيدينا. وكان المجاهدون في كثير من الأحيان يمدوننا بما معهم. بقينا على هذه الحالة إلى أن عمد العدو إلى قصف بيتنا، ووقع سقف الغرفة التي كنا نجلس فيها، فأصيب والدي واضطررت إلى الخروج والنزول به إلى داخل البلدة، لأتمكن من إسعافه، رغم استمرار شدة القصف على الطريق الذي سلكناه". لم تكن الحرب بالنسبة لمريم حدثاً مضى وانتهى. لقد غيّرت فيها الكثير من الأشياء. لكن أهم تغيير طرأ على حياة مريم، هو أن الله أمدها خلال الحرب بهدايته، فقررت ارتداء الحجاب وهي مقتنعة به. أما أبو أحمد، فيشد على قبضته، مجيباً على السؤال اللغز: "لو كنت أريد المغادرة، لفعلت من اليوم الأول، لكنني لم أستطع أن أترك شباب المقاومة، قررت أن أبقى، وما يجري عليهم، يجري عليّ".

* أم المجاهدين
من لم يعرف الحاجة خيرية حسين المقشَّر (77 سنة)، فقد فاتته معرفة الكثير مما يمكن للإنسان أن يخبئه داخل قلبه من كنوز. فقد كان قلبها يعتصر رقة ومحبة وحناناً على المجاهدين، لكنه يتحول إلى قلب الأسد في مواجهة العدو وغطرسته.  إنها تستحق لقب أم المجاهدين، فقد كانت خلال وجودها في البلدة طوال فترة الحرب تخاف عليهم وتدعو لهم وتتفقدهم، تخبز فترسل لهم حصة، تطبخ لهم البرغل والبندورة، حتى لا تنشف قلوبهم من تناول المعلبات. وكانت تموِّن البطاريات لتبقى على اطلاع دائم على أخبار المقاومين وبطولاتهم. منذ البداية أصرّت على البقاء مع ابنها وكنتها وحفيدها الصغير، يتنقلون بين منزلهم ومنزلها القريب من ساحة البلدة، التي شهدت أقسى المواجهات بين رجال المقاومة وجنود العدو الخائبين. كانت تنتظر مرورهم بالقرب من بيتها لتناديهم، وتسأل عن أحوالهم، وتطمئن على سلامتهم.

لم يكن الخوف ليدخل قلبها طالما كانت تحس بوجودهم وتحركاتهم. تتذكر الحاجة خيرية أيام الحرب لحظة بلحظة، وتروي الحادثة التي فطرت قلبها: "خرجت كنتي في أحد الأيام للبحث عن بعض السجائر في دكان قريب من الساحة، وكان ذلك بعد انتهاء الإنزال والمواجهة. وعندما عادت، أخبرتني بوجود شهيد لم تتمكن من معرفته. قررت أن أذهب وأتعرف إليه. وخوفاً من أن يمنعني ابني، قلت لهم إني ذاهبة لإطعام الدجاجات. وصلت إلى المكان، فوجدت شاباً قد أغمض عينيه شهيداً يفيض وجهه بالبشر والهدوء. دققت في ملامحه فعرفت أنه ليس من أبناء البلدة(*). بحثت عن أكياس غلّفت بها يديّ حتى أستطيع لمسه. ركزته جيداً، غبطته على شهادته، وتركته مسرعة على أمل اللقاء بأحد المجاهدين لإخبارهم عنه، وهذا ما حصل". في يوم وقف إطلاق النار، خرجت الحاجة خيرية باكراً جداً للبحث عن المجاهدين لتهنئتهم بالنصر. وعندما التقت بهم سجدت على الأرض وفاضت دموع الفرح على خديها وهي ترفع يديها عالياً بحمد الله وشكره على نعمة النصر التي أعزنا بها.

* معركة الدفاع والتصدي
تعامل العدو في حرب تموز مع بلدة العديسة باعتبارها بلدة أمامية ساقطة من الناحية العسكرية، يسهل ابتلاعها في قبضتي كماشته. أول تقدم نحو البلدة صدّه رجال المقاومة، ملحقين الخسائر بآليات العدو، مما اضطره للتراجع معاوداً الكرة بعد 36 ساعة بحشود مضاعفة، محاصراً البلدة من جهاتها كافة. وبناء على تصورهم بأن البلدة أصبحت خالية من السكان والمقاومين، قرروا التوغل فيها للسيطرة عليها بالكامل. هنا حلّت ساعة الصفر التي كان المجاهدون ينتظرونها بفارغ الصبر. فقد كانوا على أتم الاستعداد للمواجهة وخوض معركة الدفاع والتصدي.  نسمع الرواية كاملة على لسان أحد المجاهدين الذين شاركوا في المواجهات: "نزل جنود العدو باتجاه البيوت، وبدأوا يحطمون الأبواب للتأكد من عدم وجود أحد فيها، إلى أن وصلوا إلى منزل كنا قد أخليناه قبل ثلاثة أيام. دخلوا إليه تحت أنظارنا. ولما استقرت بهم الأمور، بدأوا بالتوجه إليه حتى صار في داخله ما لا يقل عن 15 جندياً. عندها وبنداء يا الله، ويا زهراء رمى المجاهدون، وكانت المفاجأة حين بدأ الإسرائيلي الذي يُرهب العالم يبكي ويصرخ. رأينا بأم العين حوالى 13 جندياً ممددين أرضاً دون حراك، وسمعنا جيداً نحيب وعويل الجنود مترافقاً مع شتائم يحمّلون فيها بعضهم البعض مسؤولية ما يجري. بعدها، استقدموا إلى محيط المكان حوالي 200 جندي لنقل المصابين".

* بطل خربة سلم في العديسة
حسين رومل شري شاب من بلدة خربة سلم يبلغ الثامنة عشرة من العمر. أنهى تقديم الامتحانات الرسمية في صف البكالوريا، وحلَّ في بلدة العديسة ضيفاً عند رفاق له لتمضية أيام من العطلة الصيفية. وقعت الحرب وغادر رفاقه مع أهلهم. أما هو، فقد رفض المغادرة وقرر الانضمام إلى صفوف المجاهدين، معتبراً أن الفرصة الذهبية قد أتت إليه للمشاركة في العمل المقاوم.  يحكي شباب المقاومة عن حسين الذي تميَّز خلال فترة الحرب بروحية عالية. فقد ختم المصحف مرتين وأوفى بنذر كان قد قطعه في حال نجاحه بقراءة الصلاة على محمد وآل محمد 10 آلاف مرة، مع أن النتيجة لم تكن قد ظهرت بعد. يحكي أحد المجاهدين عن البطولة التي تميّز بها خلال مشاركته في المواجهات: "خلال انسحابنا بعد الانزال الذي حصل في الساحة، بدأ رصاص القنص ينهال علينا بكثرة. ولم يستطع هو مغادرة المكان، فقال إنه سيكمن لهم. عدنا إليه، فلم نتمكن من رؤيته. وبعد فترة، سمعنا أصوات اشتباكات قوية دارت بينه وبين جنود العدو لمدة نصف ساعة، استقدم على إثرها طائراته الحربية". نال حسين رومل شري خلال الحرب وبعدها شهادتين كان يتمناهما: شهادة النجاح التي ظهرت بعد انقضاء الحرب، وقبلها الشهادة الكبرى التي زفته أميراً إلى جنان الله.

* قصص المجاهدين
يحمل مجاهدو المقاومة في جعبهم الكثير من الحكايا والقصص التي حصلت أثناء الحرب. ويروون بعض المواقف التي تتعلق بالعناية الإلهية التي كانوا يتفيأون في ظلالها أينما ذهبوا: "أثناء وجودنا في أحد الأماكن، ما لبثت عيني أن غفت قليلاً، حتى تلّقيت إشارة من أحد المجاهدين بوجود جندي إسرائيلي على شرفة أحد المنازل يصوّب سلاحه نحونا. تحركت فتبين أنه لا يطلق النار لأنه لا يرانا أصلاً. وفجأة دخل خلفه جنود آخرون، فاحترت على من أصوّب. لكنني سرعان ما أطلقت النار على الجندي الذي يصوّب نحونا فأرديته، ثم تفرغنا للباقين الذين علا صراخهم. قمنا بعدها بالانسحاب. ولما وصلنا إلى النقطة المحددة، انتبهت إلى أنني نسيت قطعة سلاح، فعدت وأحضرتها حتى لا أتركها غنيمة للإسرائيليين".

وقصة أخرى من أحد المجاهدين: "بعد حصول إحدى المواجهات، مشينا مسافة حتى وصلنا إلى أحد المنازل. وكان العطش قد أخذ منا كل مأخذ. ولما كان الحصول على الماء مستحيلاً، جلسنا للاستراحة تحت شرفة المنزل، مسلّمين أمرنا إلى الله. بعد قليل، سمعنا صوت ضربة قوية تنزل على سقف المنزل. وما كانت إلا لحظات حتى انكشف غبار القصف عن قذيفة أصابت خزان المياه الموجود على سطح المنزل فثقبته، ونزل شلال المياه إلينا عبر المزراب. شربنا وارتوينا وتوضأنا شاكرين الله تعالى على معين لطفه وكرمه".

وهناك قصة حصلت مع (خ. حاموش)، وهو جريح مقاومة أصيب بالشلل بعد تعرضه لغارة جوية خلال مشاركته في مواجهات مشروع الطيبة. يحكي خضر قصته مؤكداً على معنوياته العالية: "قذفتني الغارة حوالى 30 متراً على زيتونة، وقعت بعدها على الأرض، فتعرضت لكسور شديدة في الظهر والقدمين لم أستطع بسببها الوقوف، فزحفت إلى مكان تظلله شجرة تين ودالية عنب. مددت يدي إلى قنينة الماء فوجدتها فارغة، وكان قلبي قد جف من العطش. بقيت على هذه الحالة منتظراً رحمة الله تعالى، وإذ بالقصف قد بدأ يشتد. ونتيجة ضغط القذائف، بدأت حبات العنب والتين تتساقط بجانبي متناثرة على الأرض، فأكلت منها هنيئاً مريئاً. بعدها وصل إليّ الرفاق وساعدوني على الوصول إلى منزل بقينا فيه، لكننا كنا بحاجة إلى الماء، ولم نجد منه أي قطرة. ذهب أحد الاخوان للبحث في محيط المكان وعاد أدراجه خالي الوفاض. وصدفة، قام بفتح الباب الخلفي للمنزل، فوجد خزان ماء مليئاً كان قد وقع عن السطح واستقر أرضاً، فشربنا كفايتنا وعادت إلينا روح الحياة". لم تسقط بالرغم من أجواء الحرب روح الدعابة والمرح، والتي كانت تلطّف الأجواء وتضفي عليها طابعاً خاصاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإعداد أطباق الطعام تحت عنوان "للضرورة أحكام".. وأطباق. يحكي أحد المجاهدين عن وصفات جديدة قام بتحضيرها لرفاقه من الحواضر. فبعدما أعدَّ لهم طبق الصيادية على طريقته، مقدماً لهم الرز المطبوخ الذي زينه بقطع التون المعلبة، وأطعمهم يخنة البطاطا بالكشك، جاء دور التحلية، فقرر أن يقدم لهم طبق الرز بحليب، ولكن كالعادة مع بعض التعديلات في المقادير والمكونات، فالرز كثير والحليب قليل. ما العمل؟ وجد قنينة عصير المانغا جاهزة، فأضافها للطبق الذي تحوّل إلى رز بمنغا ومع ذلك، وجده الشباب شهياً جداً.

* أمراء الجنة في العديسة
ـ الشهيد حسين رومل شري (من بلدة خربة سلم).
ـ الشهيد إبراهيم رمال (استشهد في عيتا الشعب).
ـ الشهيد محمد نجيب طالب (استشهد في بئر السلاسل).

* الصورة أجمل وأبهى
انتهت حرب تموز وعادت الحياة في العديسة إلى مجاريها. لكن صورة البلدة تغيرت ولم تبق على حالها. لقد صارت أجمل وأبهى. لم تعد العديسة البلدة الصغيرة التي يستهان بها. بل صارت العديسة التي يُحسب لها حساب. ويكفيها فخراً أنها ادخرت رصيداً في ذاكرة الوعد الصادق.


(*) هو الشهيد حسين رومل شري.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع