السيد سامي خضرا
يجب الاجتناب عن أصناف الذنوب، كل الذنوب، صغيرها وكبيرها، فالمعصية معصيةٌ وإن نُعتت في بعض الأحيان بنعوت تخفف من ظاهر وطأتها، لا من واقعها وحقيقة أمرها. وهناك نظرية مشهورة عند علماء الأخلاق، تفيد أنّه ما من كبيرة أو صغيرة في المعصية، إنما الأمر نسبي يضاف إلى بعضه البعض.
1 وورد النهي عمّا يظن أنه محقّرات من الذنوب... ومثال ذلك أن يقول المرء: ذنبي صغير لا قيمة له، ولا يستأهل العذاب والعقاب (!!!) حيث روي عن مولانا الصادق عليه السلام قوله: "اتّقوا المحقَّرات من الذنوب فإنها لا تُغفر، قلت: وما المحقَّرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب، فيقول: طوبى لي، إن لم يكن غير ذلك"!(1). وعن مولانا أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه سُمع يقول: "اتقوا المحقَّرات من الذنوب، فإنَّ لها طالباً، يقول أحدكم: أُذنب وأستغفر، إنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ وقال عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾(2). وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال: "لا يصغُرُ ما ينفع يوم القيامة، ولا يصغُرُ ما يضرُّ يوم القيامة، فكونوا فيما أخبركم الله عزَّ وجلَّ، كَمَنْ عاين (أي رأى ملك الموت)"(3). وعنه عليه السلام: "أشد الذنوب ما استخفّ به صاحبه"(4). وأيضاً على المرء أن يفكر في ما يصير إليه الذنب، وكيف سيلاقيه غداً يوم القيامة، فهذه شِيَم مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، حيث ورد في وصية مولانا محمد بن علي عليه السلام لمحمد بن مسلم: "لا تستصغرنّ حسنة أن تعملها، فإنك تراها حيث يسرّك، ولا تستصغرنَّ سيئة تعملها، فانك تراها حيث تسوؤك"(5).
2 ومن آداب السلوك في الإسلام، شكر المنعم تعالى على نعمه الجمَّة الكثيرة، وبذلك توجه إلى المعطي تبارك اسمه، ومحاولةٌ للتمثُّل بمَنْ يؤدي حقاً، وإن كان حق الله تعالى لا يُؤدَّى.
3 ومن سُنن الله علينا أن النِّعم والخيرات والبركات، لا تستمر ولا تدوم إلا بشكر معطيها، وحمد باريها: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ (إبراهيم: 7). وورد في التوراة الصحيحة عن مولانا الصادق عليه السلام: "أُشْكر مَن أنعم عليك، وأَنْعِم على مَنْ شكرك، فإنه لا زوال للنعماء إذا شُكرت، ولا بقاء لها إذا كُفرت، الشكر زيادةٌ في النعم، وأمان من الغِيَر"(6). وفي جواب مولانا الصادق عليه السلام، عمَّن سأله عن قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾، فقال عليه السلام: هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة، ينظر بعضها إلى بعض، وأنهار جارية، وأحوال ظاهرة، فكفروا نِعَم الله، وغيَّروا بأنفسهم من عافية الله، فغيَّر الله ما بهم من نعمة، وإنَّ الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم. فأرسل الله عليهم سيل العرم، فغرَّق قراهم، وخرَّب ديارهم، وذهب بأموالهم، وأبدلهم مكان جنّاتهم جنتين ذواتي أُكُل خَمْط، وأثل وشيء من سدر قليل، ثم قال: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾(7).
(1) وسائل الشيعة، ج11، ص245، ح1.
(2) وسائل الشيعة، ج11، ص246، ح4، والآيتان من سورة يس الآية 12 وسورة لقمان الآية 16.
(3) المصدر نفسه، ح5.
(4) المصدر نفسه، ح7.
(5) وسائل الشيعة، ج11، ص247، ح9.
(6) وسائل الشيعة، ج11، ص248، ح2.
(7) وسائل الشيعة، ج11، ص248، ح1، والآية هي الآية 17 من سورة سبأ.