صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

مقابلة: الغزو الثقافي وسبل المواجهة

- مقابلة مع السيد سامي خضرا

حوار: هبة عباس‏


حوار الحضارات، العولمة، التبادل الثقافي، أفكارٍ لطالما كانت محور نقاشٍ عالمي بعدما تبنتها دول الغرب وأميركا خاصةً، واستعملتها كواجهة لإعلان التقارب والائتلاف بين مختلف الحضارات العالمية، محاولة إخفاء مفهوم الغزو الثقافي الذي تحمله في طياتها والذي لشدة خطورته حذر الإمام الخميني قدس سره منه في وصيته، مؤكداً على ضرورة نهوض الأمة الإسلامية لمواجهته. وللغزو الثقافي وسائل وأدوات متعددة، أهمها الإعلام (المرئي، المسموع والمكتوب) إضافةً إلى وسائل أخرى. ولأهمية هذا الموضوع وللتفصيل فيه استضافت "بقية الله" الباحث الإسلامي سماحة السيد سامي خضرا، وكان لنا هذا اللقاء:

* انطلاقاً من الدور الذي يلعبه الإعلام على الساحة العالمية، ما هي الرؤية الإسلامية للّعبة الإعلامية؟
لا شك أن الإعلام وهذا غنيُّ عن التوضيح يلعب الدور الأساسي في حياة البشرية. وهو لا يؤثر فقط في الأمور السياسية أو العسكرية، بل إنه يلعب دوراً حضارياً، ثقافياً واجتماعياً. وهذه الأدوار قد تُستثمر للخير أو للشر. الإعلام سلاحٌ ذو حدين، لذلك فاليهود اليوم يهتمون بالإعلام في الولايات المتحدة اهتماماً كبيراً. والشي‏ء المذهل أن عدد اليهود في أميركا اليوم يشكل 3% من عدد السكان، وأن 25% من هؤلاء يعملون في مجالات الإعلام. هذا التفاوت الكبير، دليل على أن العولمة التي تفرضها أميركا هذه الأيام تخضع بطريقة أو أخرى للسلطة اليهودية الصهيونية المسيطرة، والتي تستهدف إشاعة بعض المفاهيم. فمثلاً، قبل انتصار المقاومة في لبنان، كان الشائع أن اليهود قوم لا يُقهرون، والجيش الإسرائيلي جيش لا يُقهر. وهذا كله من صنع الإعلام، وقد أثبت الواقع عكس هذه المقولة.

* في مقابل اهتمام الآخرين بالإعلام ما هو مدى استفادة العرب والمسلمين منه؟
نحن كأمة لا كجهة إسلامية لا توجد لدينا خطة أو هدف في استعمالنا للإعلام. ففي إحصاءٍ أخير، بلغ عدد الفضائيات العربية حوالي 470 فضائية وأكثر من 70% من هذه الفضائيات تبث على مدى 24 ساعة ما يسمى بالفيديو كليب والغناء والرقص. وهناك إحصاء صدر في العام 2005، يقول إن ما يُنفق على الفيديو كليب في العالم العربي هو 16 مليار دولار سنوياً. إذاً مشكلتنا ليست في الإعلام بل في السياسات التي تديره.

* يجري الحديث دائماً عن الغزو الثقافي والإعلامي لمجتمعاتنا، فما هي دلائل هذا الغزو؟
الغزو الثقافي هو فرض عقيدة أو مبدأ أو عادات أو مفاهيم بعيدة عن الأمة المفروضة عليها. ودلائل هذا الغزو تظهر بوضوح في كل مظاهر حياتنا اليومية لا فقط في الاعلام بما فيها: الأسماء، الطعام، اللباس، العادات والتقاليد. وقد لفت انتباهي منذ أيام مقال في جريدة الشرق الأوسط يتحدث عن اتباعنا الإتيكيت الفرنسي والإنكليزي، مع أن لدينا عادات إسلامية أصيلة، لكن نزهد بها.

* هذا في ما ظهر، هل هناك أوجه خفية لهذا الغزو؟
الغزو الثقافي لا يقتصر فقط على النشاط السياسي والعسكري والإعلامي فقط، بل يدخل في المسرحية والأفلام والمجلات، في تعليم الرقص عبر الفيديو كليبات، في نوعية الأكل مثل (الهمبرغر، الفاهيتا... أي الأكل السريع)، في اللباس وحتى في طريقة الكلام أو تعابير الكلام الغريبة عن اللغة العربية، وفي اختراع بعض الأعياد ومنها (عيد الفالنتين) الذي لم يسمع به أحد قبل 10 سنوات، والآن أصبح رائجاً بشكل غريب في أوساطنا.

* هناك من يعتبر أن الغزو الثقافي هو تبادل ثقافي، ما الفرق بين الاثنين برأيك؟
كَثرَ الحديث في السنوات الأخيرة حول ما يسمى بحوار الحضارات، والبعض تحدث عن صراع الحضارات مثل هنتنغتون. والحقيقة أن حوار الحضارات له أسس وشروط. فالحوار يكون بين طرفين يحترمان بعضهما البعض لا متنافرين ومتعاديين. والحوار لا يكون بين مُستعمِر ومستعمَر، بل بين طرفين يعترف أحدهما بالآخر. وهذا ليس موجوداً في حالتنا. الحوار يكون بين طرفين متساويين في القوة. أما التبادل الثقافي، فلا يكون مثلاً بين طفلٍ في الصف الرابع ابتدائي وشاب يحضِّر الماجستير، هذا يسمى غزواً ثقافياً لا تبادلاً ثقافياً.

* كيف نستطيع تحصين عقولنا ضد هذا الغزو؟
لا سبيل للتحصين إلا بأمر واحد يجب أن يعمَّم على كبارنا وصغارنا وهو الثقة بالنفس. والمقصود هو الثقة بالعقيدة والمبدأ. فنحن أمةٌ لم تولد بالأمس، بل لنا تاريخ وحضارة. فنحن أصحاب العلم قبل أن يعرفه الغرب بقرون، حيث كان يعيش في غياهب الجاهلية في القرون الوسطى، المشكلة إذاً، أن لا ثقة لنا بأنفسنا ونريد أن نقلد الآخر ونستمد شرعيتنا منه، وكما يقول المثل: "كل إفرنجي برنجي" أي أن كل شي‏ء غربي هو أفضل وأكثر رواجاً لدينا. البعض قد يقول إن الحضارة والتكنولوجيا والمكتشفات الحديثة والتطور تأتي من الغرب، بينما نحن قابعون في التخلف. لكن الحقيقة تقول شيئاً آخر. والواقع أن الكثير من الاكتشافات العالمية الحالية يساهم بها المسلمون في العالم، وكمثال: النسبة الأكبر من علماء الكومبيوتر في بريطانيا هم من المسلمين، وفي إحصاءٍ دقيق، فإن عدد المسلمين في أميركا 7 ملايين مسلم، أي 5،2% من عدد السكان، وعدد أساتذة الجامعات يتراوح بين 5 و10% من عدد الأساتذة، وفرنسا تضم 700 ألف مسلم حائز على درجة ماجستير.

* هل لدينا الإمكانيات البشرية من: مفكرين وكتّاب وأصحاب مواهب وخبرات، لنواجه بقيمنا وأفكارنا وديننا الغزو الثقافي؟
نحن نملك الإمكانيات البشرية من مفكرين ومتعلمين لنواجه الغزو الثقافي، لكن المشكلة سياسية، إذ ممنوعٌ علينا التطور والتقدم حتى لا ننافس الدول الغربية. إذاً نحن بحاجة لرجال قادرين على أخذ قرار المواجهة والتطور والتقدم دون الخوف من أحد.

* ما هو دور إعلامنا (المرئي المسموع المكتوب) في صد هذا الغزو؟ وهل وسائلنا تقوم بهذا الدور فعلاً؟
الإعلام الإسلامي في العالم العربي قسمان: قسمٌ تابع للسلطة، وقسمٌ له سلطة القرار نوعاً ما. النوع الأول يشكل الأكثرية الساحقة بين إعلامنا الحالي، إذ ينصرف إلى عرض المسلسلات والأفلام والفيديو كليب، وهؤلاء لا دور لهم في صد الغزو الثقافي، بل قد يساهمون في إرسائه. أما الإعلام الآخر (المنار النور...) فهو لا يشكل أكثر من 3 أو 4% من إعلامنا الإسلامي، وهو واقع تحت ضغط كبير، إذ عليه حمايتنا سياسياً واجتماعياً ودينياً، ويعاني من التضييق بالنسبة للبث الفضائي في بعض الدول. الحل برأيي، هو قيام بعض الجهات كالجمعيات أو الشخصيات الفاعلة في المجتمع (علمائية أو مؤسسات) بالتكاتف فيما بينها لبناء إعلام قوي، مؤثر، جري‏ء وقادر على صد الغزو الثقافي.

* لماذا لا ننتج ونسوِّق أفلاماً أو مسلسلات تحمل قيمنا وعاداتنا وننقلها إلى الآخر؟
منذ فترة قصيرة، كنت في اجتماع مع بعض الإخوان المختصين في العمل الإسلامي والإعلامي، وكنا نناقش مسألة استعانة إنتاجنا بالخارج، والسؤال الذي طُرح هل يمكننا أن ننتج أفلاماً أو مسلسلات؟ وإذا أنتجنا هل يمكننا التسويق لهذا الإنتاج؟ وناقشنا موضوع مسلسل "باب الحارة" الذي عُرض في شهر رمضان وما قدمه من قيم ومفاهيم وعادات نابعة من مجتمعنا العربي والإسلامي. ووجدنا أن المشاهدين انشدُّوا لهذا النوع من البرامج، وأننا نستطيع إنتاج برامج ذات كلفة قليلة أو متوسطة تحمل في مضمونها قيم ومفاهيم ديننا، عبر الاستعانة بالخبرات المحلية الموجودة لدينا. وما علينا سوى البدء بمحاولات لإنتاج هكذا برامج، لأنها تشد الجمهور وتبعده عن برامج اللهو والرقص والغناء الرائجة في هذه الأيام.

* لماذا نحن المعرضون دائماً للغزو ولا تغزو ثقافتنا الآخر؟ وما هي المجتمعات الأكثر عرضة للغزو الثقافي؟
نحن معرضون كأمة إسلامية دائماً للغزو، لأن الآخرين لا يشكلون خطراً على الغرب. الدين الإسلامي هو دين كرامة وعزة وإباء يرفض الذل والهوان ويدعو للجهاد ضد أيّ عدو، لذلك يحاولون طمس معالمه وقيمه من خلال الغزو الثقافي. كما أن الإسلام هو دين فطرة ومقبول عند الناس. والملاحظ أنه حتى بعد قضية 11 أيلول وإطلاق تهمة الإرهاب على المسلمين، لا يزال الناس في مختلف أنحاء العالم يقبلون على الإسلام، وذلك حسب إحصاءات دقيقة. وهذا يشكل لهم أزمة يحاولون التخلص منها عبر غزونا ثقافياً.

* ما هو واجب علماء الدين في تحصين العقول الشابة والمراهقة من الغزو؟ وما هو واجبنا كأفراد؟
الحقيقة أننا كلنا مسؤولون، كعلماء دين أو أفراد، لأن المبدأ الإسلامي يقول: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته". لكن مسؤولية علماء الدين في نظري هي أكبر وأخطر، خاصةً في الكلام مع الأجيال الصاعدة، حيث نتعمد في بعض الكتابات والمحاضرات التوجه إليهم وإرشادهم إلى ما هو صالح وإلى ما هو فاسد، لأنه لا تحصين دينياً لديهم، وهم ما زالوا في بداية حياتهم. والملاحظ أن الغزو الثقافي عبر الإعلام يتوجه في معظمه إلى هذه الأجيال.

* سماحتك قدمت مؤلفات دينية عديدة وتميزت بنمط معين في الكتابة، ما هو الأسلوب الذي استخدمته في كتاباتك وهل كان لها دور في صد الغزو؟
من توفيق الله، أنني اخترت النمط أو الأسلوب المختصر والمباشر، الموجه والمضبوط، لأننا في عصرٍ أصبح القرَّاء فيه قليلين جداً. وعندما أكتب أضع نصب عيني الفئة التي يتراوح عمرها بين ال10 12 سنة وال20 22 سنة وأحاول التوجه إليها في الكلام. هذه الكتب رغم أنها مضغوطة من ناحية عدد الصفحات إلا أنها ذات فائدة كبيرة. وقد وجدت أن الكتب الصغيرة هي أكثر تأثيراً من الكتب الكبيرة، لأنها أكثر تركيزاً على الفكرة. الحقيقة أن كثيراً من الناس نصحوني بأن أوسّع هذه الكتيبات مثل "أختاه، أخي الحبيب، أخلاق النبي" لتصبح كتباً لكنني رفضت. وأفضّل أن أوزع الكتب الصغيرة المقروءة على الكتب الكبيرة غير المقروءة. لا شك أن لهذه الكتب دورها في صد الغزو الثقافي، لأنها تشدد على قيم ديننا وتدعمها وتحاول تصحيح المعلومات الخاطئة التي تُبث في عقول الناس سواء عبر الإعلام المرئي أو المكتوب.

* كتاب "الخائبون" هو آخر ما قدمته، لكنه ليس كتاباً دينياً، لماذا اخترت هذا الموضوع لطرحه في كتاب مع أنه يبتعد عن اختصاصك كعالم دين؟
المسألة الأولى: في الإسلام لا فصل بين الدين والسياسة، ثانياً: فكرة "الخائبون" جاءت في الأيام الأولى للحرب، حيث يشعر الإنسان بمسؤولية تجاه ما يحصل سواء مسؤولية سياسية أو وطنية أو دينية أو مسؤولية تجاه دماء الشهداء الذين سقطوا، أو للظلم الذي وقع على المواطنين الذين تهجروا ودُمرت بيوتهم. شعرت بأنه إذا قُتلنا في هذه المعركة، يجب أن تعرف الأجيال القادمة أن هناك حدثاً تاريخياً حصل ولا يجوز التعتيم عليه. وحتى لا يصير البطل مجرماً والمجرم بطلاً أردت أن أدون التاريخ. ثالثاً: أنا حائز على ليسانس في العلوم السياسية ما يجعل كتابة هكذا كتاب غير بعيدة عن اختصاصي مطلقاً.
الهدف من كتاب "الخائبون" هو تقديم أفضل صورة وكلام عن المقاومة بطريقة مختصرة. وما يميزه أن الصور الموجودة فيه ليست موجودة في أي كتابٍ آخر. طريقة كتابته وأسلوبه مختلفان وكذلك طريقة إخراجه. وبالمناسبة، أريد أن أشكر رئيس الجمهورية السابق "إميل لحود" الذي اتصل بي وهنأني على هذا العمل.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع