غادة عيسى
لا شك في أن الحج هو أحد أكبر الفرائض الإسلامية ومن أعظم شعائر الدين، ومن أفضل الأعمال التي يراد بها التقرب إلى الله تعالى، وهو ركن من أركان الدين وتركه ارتكاب لكبيرة من الكبائر... ومن نعم الله تعالى علينا أن يسّر جلَّ وعلا حملات الحج التي خففت على الناس الكثير من مشاق الحج. ومن هنا، يسرنا أن نتطرق لقضية (الدور التربوي لحملات الحج) للوقوف على أهم البرامج التربوية المنفذة، أو التي يجب أن تنفذ خلال رحلة الحج.
* البرامج التربوية لحملات الحج
مسؤولية التعرف على فلسفة وأسرار الحج والأهداف المرجوة منه، توزع بين الفرد والمجتمع. ويقع على عاتق حملات الحج جزء من هذه المسؤولية عبر وضع برامج تربوية هادفة، تسعى إلى الالتزام بها طيلة فترة الحج، فتشكل هذه البرامج بضاعة دعوية مباركة يهديها المشرفون وأصحاب الحملات للحجاج... ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- برنامج الدروس والعبر المستفادة من فريضة الحج.
2- برنامج تزكية النفس.
3- برنامج الكلمات بعد الصلوات، والتي تتناول موضوعات ثقافية إسلامية متنوعة.
4 - برنامج مشاكل وحلول، تستضاف خلاله شخصية متميزة تطرح أهم المشاكل المستجدة التي تواجه الأمة وتبين سبل التصدي لها.
5 - البرامج الحوارية، التي تساهم في تنمية الجوانب الاجتماعية في الفرد وتدريبه على خوض النقاشات القيمة والمفيدة.
6 - ندوات لحل المشاكل الأسرية وطرق تربية الأبناء والتواصل معهم.
7 - برنامج الصدقة، يوضع خلاله صندوق لجمع التبرعات لتربية الحجاج على البذل في الشهر الكريم.
8 - برنامج خدمة الحجاج، لترغيب المتطوعين بخدمة الحجاج خدمة شخصية.
9 برنامج تحسين تلاوة القرآن الكريم وحفظه، فتكون الانطلاقة في حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام المباركة وهو دور تربوي كبير.
10- عقد الجلسات الودية والأحاديث المتبادلة والدخول الاجتماعي مع صفوف الحجاج ودعوتهم من خلال ذلك.
11- برنامج التعرف على أهل البيت عليهم السلام.
12- إقامة ندوة حول النظافة وأخرى حول تنظيم الوقت للتأكيد على أنهما من السلوكيات الإسلامية.
13- برنامج المسابقات اليومية، التي تساهم في إضفاء روح المشاركة والتنافس الإيجابي لدى الحجاج.
14 - برنامج اللوحات الإرشادية، والتي توجه الحجاج إلى التعامل مع الآخرين بالتي هي أحسن.
15 - برنامج "المسلمون في العالم"، سواء عن طريق حوار أو كلمة عن الأقليات المسلمة، وبيان حالهم وما يعانون من أذى واضطهاد، وواجب بقية المسلمين نحوهم.
16 برنامج المعايدة، مشاهد يوم العيد، يتخلله الهدايا وتبيان أهمية الهدية في تقريب المسافات والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لما لها من وقع في نفس الإنسان...
* أسباب عدم قيام بعض الحملات ببرامج تربوية منظمة ومفيدة
1 - إنشغال الحملات في إرضاء الحاج في مركبه ومشربه ومأكله وفي البرامج الترفيهية.
2- البداية المتأخرة لإعداد البرامج التربوية.
3 - ضعف الترتيب والتنظيم للقضية التربوية خلال فترة الحج.
4 - عدم وجود جمعيات أو هيئات توجِّه أصحاب الحملات لإدراج هذه البرامج في حملاتهم.
5 - قلة الكوادر المؤهلة تربوياً في حملات الحج.
6- إنصراف كثير من الناشطين عن تنفيذ البرامج الثقافية والتربوية، بسبب عدم تقديرهم وتكريمهم ومكافأتهم من قبل إدارة الحملة.
7- الاكتفاء في بعض الحملات بالجانب الشرعي الذي يقتصر على المسائل الفقهية فقط.
8 - الازدحام الشديد وكثرة الحجيج، مما يجعل الهم الأول والأخير للمسؤولين عن الحملة هو إنهاء المناسك.
9 - الحج جهاد وتعب، وقد لا يستطيع الحاج أداء واجباته إلا بمشقة، فلا يجد وقتاً وقوة لأداء الدور التربوي، خصوصاً إذا تعرض خلال فترة الحج لمرض أو نحوه.
10- عدم تعاون بعض الحجاج مع الحملة، وتضييع الأوقات والانشغال بمشاهدة التلفزيون أو بالتسوق أو غيرهما من الأمور الثانوية.
11- أخيراً، يجب أن لا ننسى ظروف الحج المتفرقة والمفاجآت غير المتوقعة كواحد من أهم أسباب عدم قيام الحملة ببرنامجها التربوي...
* توصيات لحملات الحج
من الضروري حتى تنجح حملات الحج في الجانب التربوي:
- أن يعلم القائمون على الحملة أن النجاح في الجانب التربوي يؤدي إلى النجاح المادي، أما العكس فليس بصحيح.
- جعلُ الجانب التربوي ركناً مهماً من أركان تأسيس الحملة، كما أن الطعام والمكان والأدوات أساسيات في تأسيس الحملات.
- التخطيط المسبق ورسم آليات واضحة وعدم تحميل إدارة الحملة ما لا تطيقه، بل يجب أن تكون الخدمة المقدمة متناسقة مع العدد وطاقة المخيم.
- عقد دورات إدارية وتدريبية للقائمين بالحملات تتناول أحكام الحج، وأخلاق المشرف إلى جانب البرامج الثقافية والتربوية.
- عقد دورات مسبقة للحجاج في أحكام الحج، بهدف تسهيل أداء المناسك، وعدم هدر وقت إضافي خلال الرحلة في الإشراف الفردي على صحة هذه الأعمال، وبالتالي الاستفادة من هذا الوقت للقيام ببرامج تربوية وروحية تساهم في تعبئة الحاج روحياً وأخلاقياً، فيحصّل من الحج بعدَيه الشرعي والتربوي.
- تفعيل دور الفرد في الحملة من خلال:
* تكليفه بعمل أو مشاركة، سواء قبل الحج أو أثناءه، عن طريق كلمة أو إدارة حوار أو إقامة مسابقة.
* إشراك أكبر قدر ممكن من الأفراد في المسابقات، سواء عن طريق المجموعات أو الإبداعات الموجودة لدى الأفراد.
* فرز المشاركين ومحاولة معرفة أصحاب التخصصات والمهارات، والاستفادة من خبراتهم من خلال إشراكهم في العملية التربوية والدعوية.
أخيراً، لعل أهم خطوة يقوم بها أصحاب الحملات والتي بها يستطيعون تأدية أهم رسالة تربوية هي أن يعوا دورهم ومشاركتهم في خدمة المجتمع والأمة، من خلال الحفاظ على عناصر الحج وروحه وقدسيته، لكي يبقى حجاً خلاّقاً وبنّاء، فلا يتحول إلى حج آخر الزمان الذي تحدث عنه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: "يحج أغنياء أمتي للنزهة، ويحج أوساطها للتجارة ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة"(*).
(*) تفسير الميزان، ج5، ص434، يقول ابن عباس رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وقد أمسك بباب الكعبة فالتفت نحو الناس وذكر حوادث تقع في المستقبل لأناس آخر الزمان، وذكر ضمن حديثه شيئاً عن حج آخر الزمان قائلاً: "يحج أغنياء أمتي للنزهة، ويحج أوساطها للتجارة، ويحج فقراؤهم للرياء والسمعة".