نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تربية: المعلِّم: مواصفات تحت الطلب‏

د. حسن سلهب(*)

 



في مسار المهن والوظائف ذات الطابع الإنساني خصوصاً، يلاحظ المراقب تطوُّرات عديدة ومتنوعة سواء في المضمون والشكل، أو في الأهداف والطرق، ومن الطبيعي أن يكون لذلك ارتباط جوهري بالإنسان، هذا الكائن الدائم الصيرورة. خضعت قضية "مواصفات" المعلمين لهذا المنطق، ما جعلها تمر بمراحل عديدة بالإمكان تحديدها مع بعض التبسيط على الشكل التالي:
أولاً: المعرفة.
ثانياً: التجربة.
ثالثاً: الشخصية.


وقد اعتمدنا في هذا التحديد قاعدة "الصفة" الأولى، أو "الشرط" الأول الذي كان يوضع في رأس القائمة لدى دراسة أي طلب لمعلم جديد، بغية الاختيار، ولا يعني ذلك إلغاء أي "صفة" أو "شرط" آخر، بل هي ترتيب متغير لهذه المواصفات فحسب. كذلك، إن هذا التحديد يعبِّر عن اتجاه عام في تقدير حاجات التلامذة، وبالتالي مواصفات المعلم، أكثر مما يعبِّر عن اكتشاف عناصر القوة في المعلم بصورة مستقلة.

* أولاً: المعرفة
شهدت بدايات عمليات التعليم اهتماماً مركزاً على المضمون، حيث حرص القيِّمون بدايةً على إثراء الوعي الإنساني بمجموعة من المعلومات والأفكار وبعض العمليات الذهنية المحدودة، ما جعل قضية المواصفات للمعلم، تتجه بصورة رئيسة إلى ما يحمل من مضمون (معلومات، أفكار، عمليات ذهنية)، حيث تم اعتبار ذلك بمثابة زاد المعلم في رحلته البعيدة. إن هذه الخلفية انسحبت على أشياء عديدة لدى المعلم، فهو الذاكرة التي لا تغيب عنها أي معلومة ترد في أذهان التلامذة، وهو القاموس الذي يترجم مفرداتهم، بل هو المرجع الشامل لكل اهتمامات تلامذته والناس من حوله. والفضيحة كل الفضيحة عندما تخونه الذاكرة، أو تعجزه الطلاقة، ولن يبقى معلماً محترماً إذا ارتكب غلطة صغيرة أو كبيرة، لذلك كان جوابه الصحيح أو هروبه من الاختبار، خيارين لا بد منهما على الدوام. إن التركيز على معرفة المعلم، تمَّ التعبير عنه بضرورة حصوله على أعلى الشهادات، وبالتالي أعلى المعدَّلات العامة، خصوصاً في المواد المنوي إسنادها إليه. إن دور المواصفات الأخرى في هذه المرحلة، كان محدوداً جداً. فالمعرفة المميزة عملة نادرة، والتجربة محجوبة بندرة المعرفة. أما الشخصية، فتقتصر على قوة الحضور، وبالتالي إثارة التوتر في الحجرة الصفية.

* ثانياً: التجربة
مع تزايد عدد المعلمين، وارتفاع مستوى المعرفة في صفوفهم، ثم بروز الاضطرابات الصفية وضعف المعلمين الجدد على ضبط صفوفهم، وبالتالي فشلهم في تحقيق نتائج معقولة وجيدة، في وقت اتجهت فيه الإدارات المدرسية نحو المنافسة لاستقطاب الأعداد، خصوصاً في الأوساط الميسورة مادياً، عثر القيِّمون على الصفة الأولى الجديدة للمعلم (التجربة السابقة) وبالتالي وضعوها في المرتبة المتقدِّمة عند اتخاذ القرار. لم يتخلَّ هؤلاء عن الشهادات العلمية، وكل ما يرتبط بمرحلة المعرفة من مستلزمات مختلفة، لكن التركيز هذه المرَّة انتقل إلى التجربة والخبرة الميدانية، تحاشياً لكل الاضطرابات الصفية المتوقعة على الأقل أو توخياً لنتائج جيدة، على طريق المنافسة والاستقطاب على الأكثر. وفي كل الأحوال، وجد القيِّمون خيارات جيدة وغير محصورة في المعرفة. من هنا، تم تسليط الضوء على إفادات الخبرة الموثقة، وبالتالي مستوى المدارس التي رعت هذه التجربة، وحجم السنوات ونوعية الصفوف. وإذا كانت مرحلة المعرفة قد شهدت أنواعاً عامة من الشهادات، فقد اهتمت هذه المرحلة بالشهادات التعليمية التي تمنحها كليات التربية ومعاهد التعليم، حيث من المفترض خضوع المتدربين لفترات ملحوظة من التجارب العملية. لقد ساد شعور غالب بأن قضية التطبيق تستلزم تطبيقاً سابقاً، وأن الدخول في تجربة للمرة الأولى مع أي معلم بمثابة مغامرة مفتوحة على كل الاحتمالات. في ما يتعلق بالشخصية، فقد حافظت على مرتبتها السابقة مع بعض التحسُّن في الطابع العام، حيث برزت الإيجابية كضرورة أكثر من السلبية، من دون أن تكون ثمة معايير محدَّدة، في هذا المجال.

* ثالثاً: الشخصية
مع توافر أعداد ملحوظة من المعلمين ذوي التجربة السابقة، بالإضافة إلى ازدياد حملة الشهادات العملية والتعليمية، ثم بروز التراجع في الأداء الفني للمعلمين الذين نالوا تمايزاً في المعرفة والتجربة، خصوصاً مع تقادم العمر والتجربة، أعقب ذلك اشتداد ضغط النتائج التعليمية على مستقبل المدرسة ومصيرها. كل ذلك دفع بالقيمين على الشأن التعليمي والتربوي، إلى استئناف البحث حول الصفة أو المواصفات الأكثر تأثيراً في الوضع الجديد. جرى ذلك في ظل الأبحاث والدراسات التي قدَّمت نتائج باهرة، على مستوى الذات وآليات تطوير القابليات وتعزيز القدرات الشخصية. وبدأ التركيز على المعلم كشخص يحمل استعدادات مختلفة، يفوق بأهميته أي تركيز آخر، سواء في تجربته العلمية (المعرفة) أو التعليمية (التجربة). من هنا، انطلقت فكرة جديدة رأت في كل سيرة المعلم تعبيراً، متفاوت الصدقية، عن مواصفاته الشخصية التي لا تنضب أو تترهل في ذاتها. ومن الأنسب الوقوف على حقائق هذه الشخصية الذاتية، قبل الوقوف على تعبيراتها الظاهرية العامة. من هنا، تم التوقف عند المزايا، من قبيل الحيوية والدينامية وسرعة البديهة والطموح، وما إلى ذلك من مفردات ترتبط بالذكاء العاطفي، كونها تشكل زوايا مباشرة لمضمون الشخصية التي يتحلى بها المعلم، واستقر الرأي على ذلك، بعد العثور على علاقة ارتباط قوية بين هذه المزايا والسمات، وبين المستويات المتقدمة في نتائج التلامذة التعلمية. إن هذا النوع من المواصفات، يضمن عنصر الاستمرارية إذا ما تم التعاطي المناسب معه، وبمنحى تصاعدي، في الوقت الذي نشاهد فيه تراجعاً في مسار كل من المعرفة والتجربة مع مرور الزمن.

لا داعي للتذكير بأن ما نقصده بالمواصفات الشخصية، لا يلغي إطلاقاً المواصفات العلمية والعملية، وأن قصارى ما نبتغيه هو ترتيبٌ في المعايير ليس أكثر. أخيراً، نسلط الضوء على هذه المواصفات الشخصية، في وقت تتجه فيه الأنظار نحو مواصفات شخصية أيضاً للتلامذة المنوي تخريجهم في المستقبل. إن المصطلحات الجديدة (من قبيل مهارات، قدرات، مواقف وغيرها)، تبدو أكثر تماساً مع جوهر الشخصية من المصطلحات القديمة التي كانت ترتكز على المعارف المتنوعة والعمليات الذهنية المحدودة والمرتبطة بالذكاء المنطقي فحسب. إن هذا الجديد على صعيد تربية التلامذة، يستلزم ذاك الجديد الذي نراه على صعيد اختيار وتأهيل المعلم، والأمر كما نرى مهمة في طريقٍ وعرٍ وطويل.


(*) مدير الإعداد والإشراف في مدارس الإمداد.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع