أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أسمى الغايات في حياة المؤمن

الشيخ محمد يونس

 



لما كان الإنسان هو الكائن الذي استحق أن يكون خليفة الله في أرضه بما أودعه الله تبارك وتعالى من قدرات وطاقات كبرى تؤهله إلى الرقي في سلم الكمال، كان من الطبيعي أن تهتم الشرائع السماوية ببناء شخصية هذا الإنسان وتحديد أولوياتها الإيمانية والتربوية، وسبل استقامتها ودوام ثباتها. لذلك، فإننا نرى أن معظم الأحكام والأحاديث إنما تدور حول هذا الإنسان الذي ما زالت العلوم الأخرى تفتش عن سبل سعادته وراحته، بينما رسمت الشريعة السماوية الخطوط العريضة لبناء شخصية الإنسان منذ مئات السنين.

ولا تخفى أهمية العلاقة والتلازم الأكيد بين مفردات بناء الشخصية، والغايات الفردية التي يحيا الإنسان من أجلها في هذه الحياة. ولذلك، عمدت الشريعة الإسلامية إلى الربط من الناحية التربوية بين هذه المفردات والغايات، لتبقى الغايات السامية هي القوة الروحية والمعنوية التي تجذب الإنسان للمزيد من التمسك والثبات على هذه المفردات، كما أن أي إنحراف عن هذه الغايات الفردية أو تبديلها أو التخلي عنها سيؤدي إلى التحلل من مفردات الشخصية الإيمانية الجهادية، وبالتالي، فإنه سيجر صاحبه إلى الضياع والتيه والابتعاد عن جادة الهدى وطريق الصواب وإن أدنى نظر إلى الرسالة الإسلامية المقدسة - بل إلى مطلق الوحي الإلهي - يجعلنا ندرك ما لمفردات الجهاد والتضحية والشهادة من موقع هام وحساس في بناء الشخصية الإيمانية، هذا الموقع الذي اتصف به الأنبياء والرسل وخواص الأولياء الصالحين والعباد المخلصين، وبالتالي مدى مساهمة هذه المفردات في تحقيق الغايات الخاصة المطلوبة والأهداف المرجوة التي ينشدها الإنسان المؤمن أثناء مسيرته الحياتية، أو مدى ضعف الشخصية الإيمانية التي لا تولي هذه المفردات الأهمية المطلوبة. لعل أهم هذه الغايات الفردية السامية التي ترسمها الشريعة لمفردات الجهاد والتضحية والشهادة، لتشكل طموحاً للإنسان المؤمن، يمكن تلخيصه بما يلي:

•تزكية النفس
هذه القيمة السامية التي اعتبرها القرآن الكريم هدف الرسالات السماوية وحركة الأنبياء عبر التاريخ، من الطبيعي أن يوليها المجاهد أهمية خاصة ويدرجها في أولويات غاياته الفردية، لا سيما وأن الروايات أكدت ما لهذه الفريضة من انعكاسات مهمة على النفس والدين والحياة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله "من ترك الجهاد، ألبسه الله ذلاً في نفسه، وفقراً في معيشته، ومحقا في دينه"(1). فالمجاهد يؤمن أن الجهاد أقرب الطرق إلى تزكية النفس وتهذيبها، وأسرع السبل إلى صلاحها واستقامتها، لأن المجاهد على تماسٍ مباشر مع الموت يحدث نفسه به كل ساعة ويخطو نحوه كل لحظة. فمن الطبيعي أن يكون ورعاً، تقياً، حريصاً على عدم ارتكاب المحارم، كثير العبادة والذكر، دائم الخشوع والتوجه. ولذلك، فإن علاقة تزكية النفس بروحية الجهاد والشهادة علاقة خاصة سرعان ما يرتقي المجاهد معها معارج الكمال، ويفتح الله تبارك وتعالى آفاقاً خاصة له، ومن هنا خصتهم الآية المباركة بأن الله يمن عليهم بهدايتهم سبله وتعريفهم حقائق الوجود ومعارف الحياة إذ قال ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: 79).

•القوة:
إن من أسمى الغايات التي يعيشها المجاهد هي ضرورة أن يكون قوياً وأبياً، قادراً على التحدي والمواجهة، منيعاً لا يسمح بسلب حقه ولا يرضى أن يُظلَم كما لا يرضى أن يظلِم. إن القوة التي ينشدها المجاهد هي القوة التي يستدر بها عطف الله ومحبته، إيماناً منه بأن المؤمن القوي خير لأمته من المؤمن الضعيف، وأقدر على خدمتها وإعلاء شأنها وكلمتها، فيسعى للإعداد والتهيؤ والتعرف إلى كافة المهارات والخبرات والكفاءات التي تجعل منه إنساناً قوياً قادراً على الدفاع عن أمته وحقوقها وسداً منيعاً يحول دون المساس بها أو التعرض إليها، كما أنه يدرك تماماً أن الحكام الظالمين والطغاة لم يستجيبوا يوماً لنداء المنطق والعقل، ولو استجابوا لما كانوا على كراسيهم أصلاً، بل لا يجدي معهم إلا منطق القوة كما عبر أمير المؤمنين عليه السلام: ردّوا الحجر من حيث جاء، فإن الشر لا يدفعه إلاّ الشر(2).

•تحمّل المسؤولية:
إن المجاهد في سبيل الله لا يعيش حياته دون قضية مقدسة وهدف سام، فالحياة عنده ليست مجرد أهداف بسيطة تقتصر على مفردات الحياة اليومية مثل الكثير من الناس الذين تنحصر طموحاتهم فيما يأكلون ويشربون، وجل تفكيرهم في المسكن والأثاث وما شاكل، بل يحمل المجاهد هموم الناس ويعيش مآسيهم ويحاول الدفاع عنهم واسترداد ما سلب منهم. فالمجاهد لا يرى حياته إلا تكريساً لراحة الآخرين وإسعادهم واهتماماً بعظائم الأمور وعواليها دون صغارها وسفاسفها، وفي ذلك تجسيد لأعلى مراتب الإيثار والتضحية والتفاني. إن هذه الغاية لدى المجاهد الذي يحمل روحية الشهادة تجعله يفرح بالشقاء والتعب والجهد الذي يبذله في راحة الآخرين ويستأنس به، بل يشعر أن هذه الغاية هي التي تضفي على حياته معنى وتُكسبها قيمة، ولولاها لاعتبر نفسه هامشياً في الحياة لا مضمون لوجوده ولا معنىً لحياته.

وإذا كانت هذه المفردات هي محور قيمة الوجود والحياة، فإننا لا نعجب حينئذٍ عندما نرى المجاهد يعطي لهذه المفردات كل ما عنده من وقتٍ وجهدٍ وتعبٍ وصولاً إلى أعلى البر ومنتهى العطاء، حيث يقدم نفسه وروحه التي هي أجمل ما في الوجود، لأنها باب التقرب إلى الله وإدراك الرحمة الإلهية والفوز بالرضوان الأبدي قرباناً في سبيل الله. إن أهم ما يأمل المجاهد المضحي بنفسه هو أن يكون مهتماً بأمور المسلمين وفقاً لحديث الرسول (من أصبح وأمسى ولم يهتم بأمور المسلمين، فليس بمسلم)(3). فالإهتمام بشؤون الناس غاية في نفس المجاهد وجزء من وجوده وكيانه الذي لا يمكن أن يعيش دونه أو يحيا بعيداً عنه. إن فضل المجاهدين والشهداء على الناس لا يمكن أن يحصى أو يدرك، كما أنه لا ينحصر بفئةٍ أو طبقةٍ أو شريحةٍ خاصة، فمثلهم كنور الشمس الذي يلف الجميع ويعيش الجميع بدفئه وحرارته دون أن يُلتفت إليه كثيراً.

•الأجر والثواب :
وهو أحد أهم الغايات الفردية التي يتطلع إليها المجاهد العاشق للشهادة، انطلاقاً من قوله تعالى ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (النساء: 95)، فالمجاهد عازف عن الدنيا وملذاتها يتوق للآخرة وخلودها، متوجه إلى رضا الله ورضوانه، شغله حب الآخرة عن كل عبث الدنيا ولهوها، فسارع إلى مغفرة الله ورضوانه ليدخله من أوسع أبوابه وأعظمها أجراً وثواباً، كما ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام "للجنة باب يقال له باب المجاهدين، يمضون إليه، فإذا هو مفتوح وهم متقلدون سيوفهم والجميع في الموقف والملائكة ترحب بهم"(4).

وقد أسهبت الروايات والنصوص في ذكر فضل المجاهدين وعلو درجتهم في الآخرة وعظيم الأجر والثواب الذي أعده الله لهم. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما أعمال العباد كلهم عند المجاهدين في سبيل الله إلا كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر"(5). ومما ورد عنه أيضاً: "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان في جنهم"(6). وقوله: "لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل"(7). وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من قتل في سبيل الله لم يعرفه الله شيئاً من سيئاته"(8). وعن علي عليه السلام: "من جرح في سبيل الله، جاء يوم القيامة ريحه كريح المسك، ولونه كلون الزعفران، عليه طابع الشهداء.

ومن سأل الله الشهادة مخلصاً، أعطاه الله أجر الشهيد وإن مات على فراشه"(9). وسوى ذلك الآلاف من النصوص الشريفة، التي جعلت أرواح المجاهدين المضحين العاشقين للشهادة تتعالى عن اللذة الزائفة والمتعة الفانية، وتسمو نحو "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".


 (1) أمالي الصدوق، الصدوق، ص 462.
(2) شرح أصول الكافي، المازندراني، ج1، ص 231.
(3) أصول الكافي، ج2، ص 131.
(4) غرر الحكم.
(5) كنز العمال، حديث 10681.
(6) مستدرك الوسائل، ج2، ص243.
(7) صحيح مسلم، ج3، ص1496.
(8) الكافي، ج5، ص54.
(9) كنز العمال، حديث 11144.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع