إنّ يوم المعلّم في اعتقادي يتميّز بأهمية خاصة من بين الأيام النموذجية التي تحتل موقعاً متميّزاً من بين أيام العام، وتنبع هذه الأهمية من أهمية منزلة المعلم.
* حقيقة معنى المعلم
عندما نتحدّث عن كلمة المعلم بمعناها العام، نجد أنها تمتاز بعظمة وأهمية خاصة. إنها تعني ذلك الشخص الذي يشعل مصباحاً في قلب الإنسان ويخرجه من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة، فهذا هو المعلم، وهو أعظم شيء يمكن أن نتخيّله في حياة الإنسان. ومن أمثلة ذلك، معلّمنا العزيز الشهيد مطهري، الذي استطاع بعلمه الغزير وفكره العميق أن يبحث أبعاداً من القضايا الإسلامية في اتجاهاتها المختلفة، فكشف عن خفاياها وقدّمها لنا في العشرات من كتبه القيّمة. إنّ كل باب طرقه الشهيد مطهري من هذه العلوم، ودرسه بعمق وعناية، ثم وضعه في متناول يدنا، يعتبر بمثابة مصباح أضاءه هذا الرجل العظيم في عقولنا وقلوبنا. فما الذي يمكن مقارنته بذلك؟
* التعليم دور الأنبياء:
إنّ الذي قاله إمامنا العظيم ورددناه وسمعناه مراراً وتكراراً هو: أنّ التعليم دور الأنبياء. ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ (البقرة: 19)، بل إنه دور الذات الإلهية المقدسة ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ (العلق: 5)، ثم إنه بدرجة أدنى دور البشرية التي يقوم أفرادها بتعليم أحدهم الآخر: فهناك المعلم، وهناك المتعلّم. من ينتمي إلى التربية والتعليم أو الجامعات أو الحوزات أو المحافل التعليمية المختلفة فيعمل على أن يعلّم الناس شيئاً، أو أن يكشف الغطاء عن حقيقة علمية قيّمة، أو أن يضيف لهم علماً إلى علمهم، يعتبر شأنه من شأن المعلم، وهذا أمر مهم وعظيم ويستحق التقدير. إنكم أيها المعلمون تريدون بناء بلد أو مجتمع يكون أفراده ذوي قابليات ممتازة، وأخلاق رفيعة، وشجاعة بطولية، وأفكار مستنيرة، وعلى قدر كبير من الاستقلالية والتوقّد الذهني الخلاّق والتقوى، وحسن السيرة والإيمان بالنظام والقانون، ومن ذوي الإقدام والطموحات العظيمة. وهذا يتطلّب توظيف الطاقات والتحلّي بالشجاعة والإقدام، والسعي لتحقيق الآمال الرفيعة، وعدم الرضوخ للتعب، وأن تكون هناك إرادة ونشاط ودقّة وانضباط، دون تراخٍ وتسيّب وخمول. إننا نريد بناء بلادنا على هذه الصورة، فمتى وأين يتربّى الإنسان؟ وما هي المرحلة والبيئة المناسبة لتنشئته من المهد إلى اللحد؟ وهل هناك ما هو أفضل زماناً ومكاناً من التربية والتعليم؟! إنّ المعلم يتميّز بمكانة سامقة ورفيعة، ويحظى بموقع حساس في المجتمع.
* إنّكم تصنعون الإنسان:
لقد تحدثّنا عن أهمية التربية والتعليم. وتشتمل المؤسسة التربوية على الموظفين الإداريين وعلى ذوي الطروحات والأفكار والمؤلفين والكتّاب، ولهم جميعاً نصيب في هذه الأهمية، سوى أنّ المعلم يبقى فارس الميدان. إنكم تربّون الإنسان وتصنعونه، بتلك المميزات الفريدة. وإذا ما سار المعلّمون خلاف هذا الاتجاه في بلدٍ ما وقرروا عمل النقيض، أي تخريج الإنسان الجبان بدلاً من الشجاع، والإنسان الضعيف الإمّعة بدلاً من المستقل، والإنسان العميل للأجانب بدلاً من المحبّ لوطنه والمُفاخِر بأمجاد بلده، والإنسان اللامبالي المنحرف وغير المؤمن بدلاً من التقي المتديّن، والإنسان التائه الضال المنبهر بثقافة الآخرين بدلاً من الكفوء المتعلّم الواثق من نفسه، فيا لها من كارثة ستحل بذلك البلد! إنّ الشباب تحت تصرّفكم في مرحلة البلوغ، وهي مرحلة التحوّل والتشكّل والتكوين، والشباب في تلك المرحلة تحت تصرّف المعلم. إنّ المعلم يؤثر في شخصية تلاميذه بسلوكه وشخصيته، وليس فقط بإلقاء الدروس. إنّ المعلم العاقل العالم الحليم المتنفّذ المتفائل والذي ينبض قلبه بالأمل في المستقبل، ويتفاعل مع العمل الجماعي، يخرّج تلاميذه على نفس هذه الصورة. وأما المعلم الذي تتسم شخصيته بالعنف والضجر، فإنه يخرّج تلاميذه على صورة أخرى مهما كانت الدروس التي يلقيها عليهم. ولهذا، فإن إيلاء الاهتمام للتربية والتعليم وتقدير المعلمين يعدّ من المبادى المهمة والأساسية في النظام الإسلامي.
* رسالة ومسؤولية عظيمة:
إنّ ما قدّمناه من حديث حول مكانة المعلم نتوجّه به في الواقع إلى كافة المواطنين، فعلى التلاميذ والعوائل والمؤسسات الحكومية والمسؤولين أن يتفهّموا جميعاً منزلة المعلم، وأن يقدّروه حق قدره. فالمخاطب الأول إذاً هو عموم المواطنين، أي أنّ على الجميع أن يعلموا بأن المعلم يتّسم بهذا القدر من الشرف والأهمية. إنّ تكريم المعلم يقع بالدرجة الأولى على كاهل الجميع من مواطنين وعوائل وأولياء أمورٍ ومسؤولين، لكن المخاطب الأول بهذا الحديث هم المعلّمون أنفسهم. إنّ على المعلمين أن يدركوا حساسية الموقع الذي يحتلّونه. إنكم لستم كباقي الفئات من المواطنين، ولا ينبغي أن تنظروا لعملكم على أنه مجرد عمل لكسب المال والحصول على لقمة العيش. نعم، إنه عمل لتوفير لقمة العيش وتدبير أمور المعاش، ولكن يجب على المعلم أن يكون على علم بثقل رسالته وعظيم مسؤوليته على النحو الذي أسلفنا. إنّ على المعلم أن يدرك أهمية مسؤوليته وحساسية موقعه. وإذا ما أردنا تشبيه المعقول بالمحسوس، فإن دور عامل قضبان السكك الحديدية قد يبدو دوراً هامشياً، غير أنّ حياة جميع ركاب القطار تتوقف على مدى دقّة ويقظة هذا العامل الذي إذا غفل لحظة فإن حياة العديد من الأبرياء ستذهب ضحية غفلته.
إنّ دور المعلم يحظى بمثل هذه الأهمية، وعلى المعلّمين أن يدركوا ذلك. إنّ على المخططين الأذكياء الماهرين أن يحققوا قفزة واسعة على نطاق تنظيم وترتيب الأجواء الدراسية ومحتوى المناهج التعليمية وتنشئة كوادر المعلمين ورسم الخطوط المهمة والبارزة في هيئة التربية والتعليم، وهذا يتطلب التعاون من داخل نفس هذه المؤسسة لا من خارجها. إنّ مشاعر الجماهير الشعبية تجاههم هي مشاعر حارة وجيّاشة! فما هو السبب؟ إنّ مسؤولي وعناصر التربية والتعليم يعملون الآن بجدٍّ واهتمام، ونحن راضون عنهم، ولكننا نعتقد أنّ عليهم إحراز المزيد من التقدم في حركتهم الهادفة.
* مقتطف من خطاب ألقاه الإمام الخامنئي في حشد غفير من المعلمين ومسؤولي التعليم في 2/5/2007.