مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الإمام الخامنئي: أوّل أهداف الأنبياء عليهم السلام

 

الحقائق الإنسانية والأفكار الأصيلة للبشرية لا تتغير بمرور الزمن. منذ فجر التاريخ وإلى اليوم، ومن اليوم إلى نهاية العالم، يتوق الناس للعدالة ويحبونها ويحتاجون لها. وليست العدالة مطلب جماعة معينة من الناس أو سكان بلد معين أو أمة بحد ذاتها. العدالة مطلب طبيعي وتاريخي لكل أبناء الإنسانية على امتداد تاريخ البشرية. التشديد على العدالة هو المبدأ الأساسي والمحوري الأول للحركة الإلهية. إنها استمرار مهمة جميع الأنبياء والمصلحين الكبار في التاريخ. إنها الشيء الذي تتعطش له البشرية والذي لم يطبّق بالمعنى الحقيقي للكلمة إلا في حكومة الأنبياء الإلهيين العظام - من تولى منهم زمام الحكم - أو الأولياء المميزين نظير الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. العدالة في الإسلام قضية مهمة جداً. إنها قيمة لا يطالها النقاش من وجهة نظر الإسلام بأي حال من الأحوال ومهما كانت الظروف. العدالة هدف الأنبياء، وهي أيضاً هدف الثورة الإسلامية.


* شروط العدالة:
إلى جانب الإقبال على الله وإصلاح الإنسان، يبرز تأمين العدالة كأول هدف لدى جميع الأنبياء. طبعاً تحقيق العدالة الحقيقية مرتبط ارتباطاً وثيقاً جداً بمفهومي العقلانية والمعنوية. إذا انفصلت العدالة عن العقلانية والمعنوية فلن تكون العدالة التي تنشدونها، بل لن تكون عدالة أصلاً. العقلانية ضرورية لأنه لو لم يُستخدم العقل في تشخيص مصاديق العدالة فسيعتري الإنسان الضلال والخطأ، ويتصور بعض الأمور تمثل العدالة، والحقيقة أنها لا تمثلها، أو قد لا يرى بعض الأمور التي تمثل العدالة. إذاً، العقلانية والحسابات الدقيقة من الشروط الضرورية لبلوغ العدالة.

* حقيقة العدالة:
وإذا فصلنا العدالة عن المعنوية - أي إذا لم تكن العدالة مصحوبة بالمعنوية - فلن تكون بدورها عدالة. العدالة التي لا ترافقها المعنوية والتوجّه للآفاق المعنوية في عالم الوجود والكائنات ستنقلب إلى رياء وكذب وانحراف وتصنّع وتمظهرات مختلقة؛ كما في الأنظمة الشيوعية التي رفعت شعار العدالة. كنا نقول العدالة والحرية، لكن الحرية لم تكن من شعاراتهم إطلاقاً. في كل البلدان التي قامت فيها حركة شيوعية بشكل من الأشكال - ثورة أو انقلاب - كانت العدالة محور شعاراتهم، بيد أن ظروف حياتهم لم تكن تدل على العدالة إطلاقاً، بل كانت على العكس من العدالة تماماً. ليست العدالة بمعنى تساوي كل الإمكانيات والتمتع بها، إنما هي بمعنى تساوي الفرص والحقوق. الجميع يجب أن يتمتع بفرص الحركة والتقدم. ليس معنى العدالة أن لا نستثمر أو لا نسمح للمستثمر بأن يستثمر.

* العدالة لا تعني دائماً المساواة:
هدفنا تكريس العدل في المجتمع.. هذا ما نريده. كل الأعمال والمشاريع إنما تكتسب قيمتها لأجل إقامة العدل. في المجتمع الذي لا ينعم بالمساواة حتى لو كانت الثروة كبيرة فإنها ستنجرف لصالح شريحة أو فئة معينة من الناس. أما في المجتمع الذي تسوده المساواة والعدالة فستكون الثروة لصالح الجميع. طبعاً لا تعني العدالةُ المساواة دائماً. وهنا يجب أن لا نقع في الخطأ. العدالة معناها وضع الشيء في موضعه. هذا هو معنى العدل. ليست العدالة بذلك المعنى الذي يختلج في أذهان بعض البسطاء وغير العميقين. وقد يتصورون الآن أن جميع أبناء المجتمع يجب أن يحصلوا على مقدار واحد من كل شيء. كلا، شخص قد يعمل أكثر، وشخص قد تكون له مواهب أكثر، وشخص قد تكون له قيمة أكبر في تقدم البلاد. العدالة تعني العمل طبقاً للحق، ومنح كل شيء وكل شخص حقه. هذا هو معنى العدالة الضرورية للمجتمع. البعض يقول إن العدالة تعني توزيع الفقر، لا، الذين يثيرون قضية العدالة لا يقصدون أبداً توزيع الفقر، بل التوزيع العادل للإمكانيات المتوفرة. الذين يقولون: العدالة هي توزيع الفقر، لباب كلامهم وجوهر قولهم هو: لا تنشدوا العدالة، بل اطلبوا إنتاج الثروة ليكون ما يوزّع على الناس هو الثروة. طلب إنتاج الثروة من دون أخذ العدالة بنظر الاعتبار نتيجته ما تلاحظونه حالياً في البلدان الرأسمالية. ثمة في أغنى بلدان العالم - أي أمريكا - أشخاص يموتون من الجوع والبرد والحر. هذه ليست شعارات، بل واقع مشهود.

* العمل طبقاً للحق:
في المجتمع الذي لا يتمتع بالمساواة، حتى لو كانت الثروة عظيمة فهي لصالح شريحة أو فئة من الناس. أما في المجتمع التي تسوده المساواة والعدالة فينبغي ملاحظة عناصر من قبيل السعي الدؤوب، والموهبة العالية، والقيمة الأكبر لتقدم البلاد. العدالة معناها العمل طبقاً للحق ومنح كل شيء وكل شخص حقه. العدالة تعني عدم التمييز في الحقوق وحدود الأحكام. العدالة هي مساعدة المحرومين والضعفاء. العدالة معناها تطبيق الحقوق الإنسانية والاجتماعية والحدود الإلهية على الناس بشكل واحد. والواقع هو أن العدالة تعني أن لا يرى البعض لنفسه حقاً خاصاً. حياة الإنسان من دون العدالة هي ما يشاهدَ في أقبح وجوه التاريخ البشري. كل المآسي التي تلاحَظ في مختلف المجتمعات ناجمة عن الظلم وانعدام العدالة. إذا ساد العدل مناخ الحياة البشرية لاستطاع الإنسان في ظله بناء أجواء حياة ممكنة ومستساغة.

نموذج نظام الجمهورية الإسلامية نموذج إسلامي، أي إنه نموذج التقدم والرفاه إلى جانب العدالة والأخوة والمحبة والعطف بين شرائح المجتمع وردم الفوارق بين الفقير والغني في المجتمع. تقدم المجتمع بنحو تصحبه المعنوية هو ما يرمي إليه الإسلام. طبعاً العدالة شيء يجري على اللسان بسهولة لكنه لا يحصل بسهولة، بل يحتاج لبرامج طويلة الأمد.

علينا اجتراح هذه البرامج وجعل أفقنا أفقاً عادلاً. العدالة في النظام الإسلامي أساس كل القرارات التنفيذية، وعلى كافة مسؤولي النظام من نواب مجلس الشورى الإسلامي المحترمين إلى مسؤولي المؤسسات التنفيذية المختلفة، وخصوصاً من هم في مستوى الخبراء وواضعي السياسات والبرامج، وإلى القضاة والعاملين في جهاز القضاء، عليهم العمل بكل جد وجهد وإخلاص من أجل تطبيق العدالة. ينبغي المطالبة بالعدالة من قبل الجماهير، وشرائح الشعب، ولا سيما الشباب بحيث يضطر كل مسؤول إلى أن يتحدث عن العدالة حتى لو كان ذلك بخلاف رغبته. المطالبة بالعدالة معناها أن تكون العدالة الخطاب الغالب في الأجواء الشبابية والجامعية، فيطالبون بالعدالة جميع المسؤولين. بتوفيق من الله وبإذنه تعالى يجب أن يكون العقد الرابع للثورة عقد "العدالة والتقدم معاً".. أي التقدم الملحوظ والعدالة الملموسة على مستوى البلاد. ينبغي تنظيم البرامج ورسمها بهذه الطريقة. وهذا ما يحصّن شعبنا وبلادنا ضد الآفات والمخاطر.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع