مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قضايا معاصرة: صُنع في دوائر الاستكبار

موسى حسين صفوان

 



قد يظن البعض أن الأنماط السلوكية التي تتمحور حولها ثقافة السينما والتلفزيون الغربيين، إنما هي انعكاس للثقافة الغربية السائدة هناك، وهي بطبيعة الحال تتعارض مع المضامين الثقافية التي يعيشها المجتمع الشرقي بشكل عام والمجتمع الإسلامي على وجه الخصوص. وربما ساد الاعتقاد، أن هذا هو حجم القضية، وما على المهتمين بمواجهة الغزو الثقافي إلا أن يوجهوا الناشئة إلى خطورة هذه الممارسات وتجنبها... وإذا كان التوجيه في هذا المجال هو المطلوب، إلا أن القضية تحتاج لنظرة أكثر عمقاً. والتحذير وحده، من برامج تستهوي الناشئة بكثير من التفاصيل التي قد لا تبدو على قدر كبير من الخطورة، يبدو أنه لا يكفي. وقبل أن نحاول توجيه الأنظار إلى ما هو المطلوب في هذا المجال، لا بأس بالإشارة إلى أهم عناصر هذا الموضوع بهدف وضعه في خانة ما يستحقه من الاهتمام.

صناعة الذوق العام:
بينت الدراسات السلوكية أن التلقين سواء منه الذاتي أو الخارجي، يساهم في تشكيل عناصر العقل البشري، ما يعني أن التكوين النفسي والسلوك الفردي والاجتماعي للإنسان، والذي يندفع بوحي من البنية المعرفية والعاطفية، التي يطلق عليها اسم: (الخارطة الذهنية)، هذا التكوين يتأثر بما يتلقاه الإنسان سواء من بيئته الداخلية أو الخارجية. وقد بينت الثقافات الدينية أهمية التلقين ودوره في تقويم البنية النفسية للإنسان من خلال تأكيدها على الطقوس والعبادات ذات الأهداف السلوكية. وحديثاً اعتمدت مراكز صنع القرار العديد من السياسات التي تصب في هذا الاتجاه بهدف تنميط الذوق العام وصناعته بطريقة ملائمة لأهدافها السياسية والاقتصادية.

دور الإعلام:
لا يمكن الادعاء بشكل جازم أن كل ما يشهده الإعلام المرئي والمسموع خاضع لفلسفة المؤامرة، والأصح القول إن دوائر صنع القرار الاستكبارية تسلَّلت إلى الذوق الإعلامي من خلال سياسة خبيثة، بحيث جعلت توجُّه المزاج الإعلامي يتحرك وفق مصالحها، وقد مرّ ذلك بعدة مراحل يمكن تلخيصها بما يلي:

المرحلة الأولى: وقد بدأت منذ بداية عصر السينما وتتمحور حول شخصية (البطل)، الذي يمثل دائماً جانب الحضارة والخير والقانون، وفي المقابل محور الشر الذي يمثل دائماً الخارجين على القانون والمتخلفين. وقد كان الهنود الحمر والفيتناميون، والشيوعيون هم أصحاب الحظ السيئ الذين التصقت بهم تلك الصور السلبية.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة الحرب على الإرهاب. ولم تخرج البرامج السينمائية والتلفزيونية في هذه المرحلة عن شخصية البطل، غير أنه في هذه المرّة تخلى عن فرسه ومسدسه القديم وأصبح أكثر التصاقاً بالتكنولوجيا في محاولة لإظهار الوجه الحضاري لمحور (الخير) الذي يراد الترويج له. وفي المقابل يتميز محور الشر الذي يمثله الإرهاب بالتخلف، والوسائل البدائية والتفكير الساذج. وفي هذه المرحلة لم يعر المروجون لهذا النمط من البرامج أهمية تذكر إلى مسألة الكذب والصدق. فما تظهره هذه البرامج سوف يكون هو النمط السلوكي مهما كان متناقضاً مع الحقائق على الأرض، والتي لا تحظى بالمقدار نفسه من الاهتمام والمتابعة لدى جيل الشباب على الأقل. وفي هذه المرحلة التصقت صورة الشر بكافة العاملين من أجل التحرر والعدالة من مجاهدين إسلاميين أو علمانيين. وفي كلا المرحلتين تظهر قدرة ومناقبية وكفاءة البطل الغربي بهدف تحويله إلى نموذج يحتذى. وقد ساهم ذلك في خلق ما يعرف بحالة الاستلاب والشعور بالدونية.
المرحلة الثالثة: وهي في الحقيقة أكثر من مرحلة، تتداخل فيها الموضوعات وتتعدَّد فيها الأهداف، ويظهر فيها أن وسائل التنميط السلوكي باتت أكثر خبثاً، بحيث تسخِّر أحدث ما توصلت إليه المدارس السلوكية ونظريات اللُّغة العصبية. ومن أهم الموضوعات التي تتناولها هذه المرحلة:

البرامج الإباحية:
وهي في الحقيقة قديمة غير أنها تتخذ مجدداً أشكالاً أكثر خبثاً، وتحول الموضوعات الإباحية المحرمّة إلى حلول للمشاكل التي تصنعها السلوكيات الإجتماعية المنضبطة بالضوابط الأخلاقية. فلم تعد المشاهد الإباحية مطلوبة لذاتها، بل أصبح السلوك الإباحي المتفلت من كل القيم هو المدرسة المطلوب نشرها وتعميمها. أما ضحايا هذه المرحلة فمتعددة وتأتي بالدرجة الأولى الأسرة، ثم القيم الأخلاقية والدينية، وبالمقابل يتم الترويج للشذوذ والإعتداء وعدم احترام الحقوق إلى أبعد الحدود.

البرامج الخيالية:
وهي متعدِّدة المذاهب. وهي وإن كانت تربط المشاهد بعوالم لا حقيقة لها، إلا أنها تثير في أعماق النفوس غرائز شريرة وعدوانية، فضلاً عن الموضوعات المبتذلة التي تشغل عقول الناشئة وتصرفها عن الاهتمام بقضاياها المصيرية. والحقيقة أن هذه البرامج بحاجة إلى دراسة تفصيلية.

برامج القتل والإجرام:
وهذا النمط من البرامج بدأ ينتشر بكثرة. وإذا كان القتل في المرحلة السابقة مرتبطاً بقضية يحاول واضعوها إيصال إيحاءات سياسية واجتماعية من خلالها، تتلخص بغلبة الحضارة الغربية وتقدمها، إلا أن البرامج الحديثة بدأت تروج للقتل من أجل القتل، دون هدف محدد، سوى إشباع غريزة العدوان، وسفك الدماء والتشفي. وفي هذه البرامج يكثر عرض الصور التي تبين الكثير من الوحشية، وتحاول أن تستخرج من أعماق النفوس غرائز تدميرية عمياء لا تسعى إلى أي هدف. وهذه البرامج كغيرها، وإن كان المشاهد لا يقتنع عقله بها، إلا أنها تترك انطباعات نفسية سلبية كبيرة، منها تعوده مناظر سفك الدماء وعدم تأثره لآلام بني جنسه، وكىِّ مداركه ووعيه لتغفل عن حقيقتها الإنسانية. ولا ينفع مع هذه الحالة معارضة موضوعات هذه البرامج، لأن ما ترمي إليه هو ليس موافقتها بل إبطال فعالية معارضتها. والمثير للريبة في هذا المجال، أن مثل هذه البرامج تترافق مع ما يقوم به الاستكبار الغربي وبالأخص الأمريكي من جرائم بشعة في العراق وأفغانستان وشرق أوروبا وغيرها من أنحاء العالم، وما تقوم به إسرائيل في لبنان وفلسطين.

أساليب المواجهة:
قد يصعب على واضعي الخطط الاجتماعية وضع سياسات فعّالة لمواجهة هذه الموجة من الغزو الثقافي والإعلامي، وذلك لعظم حجم التراكمات التي خلَّفتها في وعي الأجيال الناشئة. ويمكن القول إن هذه الثقافة تركت آثارها في ثلاثة أجيال في مجتمعنا، وإن كان بنسب متفاوتة. والحقيقة أن هذا الموضوع بحاجة لدراسة متأنية من قبل أصحاب الشأن، وأهم ما يمكن عمله:
- تأسيس مراكز مراقبة لا تعتمد منع الصور الإباحية فقط، بل تتعدى ذلك إلى دراسة المضامين الثقافية لمثل تلك البرامج.
- نشر الثقافة الأخلاقية والتنبيه لمحاذير تلك البرامج، فإن معرفة الخطر تشكل بداية الطريق لمواجهته.
- تكثيف صناعة البرامج المسموعة والمرئية بمواصفات فنية عالمية لنشر الثقافة الأصيلة، بهدف خلق نماذج صالحة تحل محل النماذج الفاسدة.
 - إعلاء شأن القضايا المصيرية التي تهم الشباب وعرض البرامج الفنية التي تلتقي مع هذه القضايا، بما يشكل إشباعاً نفسياً لدى أجيال الشباب.

وتبقى المسؤولية الأولى والأخيرة ملقاة على عاتق المدرسة الأولى، وهي الأسرة الصالحة التي تخلق الموانع النفسية والروادع الخلقية لدى الأبناء، مما يساعد على مواجهة التحديات الثقافية التي تعتبر بحق موضوع ابتلاء جيل الشباب، دون أن يعني ذلك إهمال دور المؤسسات الأخرى وخاصة المدارس ووسائل الإعلام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع