في قبال ما فرضه الله تعالى على الزوجة من الإطاعة والأمانة الكاملة لزوجها، نرى الشارع المقدّس يقود على الزوج عدة واجبات تجاه زوجته، وفي هذا الإطار يمكن تقسيم حقوق الزوجة مبدئياً إلى قسمين أساسيين: مادية وغير مادية.
ينتظم في إطار الحقوق المادية المهر والنفقة.
ويتفرّع عن الحقوق غير المادية المبيت وحسن المعاشرة.
في هذه الحلقة سنسلط الضوء على كل واحدٍ من هذه الحقوق الأربعة تباعاً، إرفاقاً بالأخ القارئ، وتسهيلاً لفهم المطالب.
* المهر:
جرت العادة منذ القِدَمْ على أن الرجل هو الذي يبحث عن المرأة ويطلبها لتكون شريكة حياته، ومديرة بيته وعائلته، ومتاعه الروحي الذي يحتاجه، وسبب ذلك أنه يشعر بحكم فطرته التي فطره الله عليها أن المرأة هي الجزء المتمِّم له، فبدونها لا يمكنه العيش بهناءٍ وسعادةٍ واستقرار، لذلك تجده على استعداد لتقديم أغلى ثمن في سبيل الحصول عليها.
من هنا كانت فكرة المهر للمرأة، حيث يقدِّم لها الرجل ما يتفقان عليه، تكريماً لها، وتعبيراً عن اعتزازه بها، وتقديراً لموافقتها في إلقاء قيادها إليه.
سئل الإمام الرضا عليه الصلاة والسلام عن السبب في تقديم المهر من جانب الرجل مع أن كليهما يستمتع بالآخر وكل منهما يحتاج إلى النصف المتمِّم له.
أجاب عليه الصلاة والسلام: "لأن المرأة بائعة نفسها والرجل مشتر، ولا يكون البيع إلا بثمن".
إن هذا التعبير من الإمام عليه الصلاة والسلام لا يقصد منه البيع والشراء السوقي كما هو واضح، إنما يراد منه أنها صفقة روحية نزل بها الشارع المقدس إلى المستوى الذي يألفه العرف، ويدل على ذلك أنه لم يحدِّد المهر، بل تركه لاختيار الزوجة حتى لو لم يكن مالاً كما سيظهر في ما بعد.
قيمة مالية عرفية وإن لم تكن معلومة بالتفصيل فقد ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوّج أحد أصحابه بامرأة وجعل مهرها تعليمها ما يحسن من القرآن الكريم دون أن تعلم الشيء الذي يحسنه بالتفصيل.
يبقى أن نشير في هذا الصدد إلى مسألتين:
الأولى: لو طلّق الرجل زوجته، أو مات أحدهما قبل الدخول استحقت الزوجة نصف المهر، وكلّه بعده.
الثانية: لو عقد الرجل على امرأة ولم يذكر لها مهراً أصلاً صح العقد، لأن المهر كما أشرنا سابقاً ليس ركناً ولا شرطاً في صحة العقد الدائم، وفي هذه الصورة لا تستحق المرأة شيئاً قبل الدخول ما لم يطلّقها، فإن فعل أعطاها شيئاً بحسب حاله، نعم لو دخل بها استحقت مهر أمثالها.
* النفقة:
تجب نفقة الزوجة على زوجها حتى ولو كانت غنية، إجماعاً ونصاً، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾والمولود له هو الزوج، وضميرهنّ عائد إلى الزوجات.
وقوله سبحانه وتعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ .
وقال الإمام الصادق عليه الصلاة والسلام: "حق المرأة على زوجها أن يشبع بطنها ويكسو جلدها، وإن جهلت غفر لها".
إنما تجب نفقة الزوجة على الزوج بشرط أن تكون دائمة وبالغ ومطيعة فيما يجب إطاعتها له، فلا نفقة للمنقطعة ولا للناشزة ولا للصغيرة غير القابلة للاستمتاع، ولا فرق في ذلك بين المسلمة والذمية.
وفي هذا المجال أيضاً نجد أن الشارع المقدس لم يقدِّر للنفقة تقديراً معيّناً، بل أوكل تحديدها إلى العرف، فكل ما يعدّه الناس لازماً للنفقة فهو منها، والذي عليه أهل العرف اليوم أن نفقة الزوجة تشمل المأكل والملبس والمسكن، وما يتبع ذلك من فراش وغطاء ودواء وأدوات منزلية للطبخ والتنظيف وغير ذلك تبعاً لعادة أمثالها، مع الأخذ بعين الاعتبار حال الزوجة وملاحظة شؤونها وما يناسبها في ذلك.
وللزوجة أيضاً تمام الحق في الاستقلال بالسكن مع زوجها، دون أن يكون معها أحد من أقارب الزوج فضلاً عن الضرّة لقوله تعالى: {أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وُجدِكُم ولا تُضارُّوهنَّ لتُضيّقوا عليهنّ}.
أضف إلى ذلك أن الزوجة تملك النفقة، بمعنى لو فات زمانها ولم ينفق عليها زوجها فلها أن تطالبه بما فات، وإذا كان الزوج معسراً تبقى نفقتها ديناً في ذمته، ولا تسقط إلا مع القضاء أو الإبراء.
يبقى أن نشير إلى أن الإسلام العزيز لم ينس الزوج هنا، حيث أخذ بعين الاعتبار وضعه المادي أيضاً كما صرّحت بذلك الآية الكريمة ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾
* المبيت:
كما أمّن الشارع المقدّس للمرأة ما يسكت لها حاجاتها اليومية، من إشباعها وإكسائها وإسكانها من قبل الزوج بما يتناسب وحالتها الاجتماعية، كذلك أمَّن لها ما يضمن حقوقها الجنسية والنفسية ليحافظ عليها من الانحراف في تيار الرذيلة والسقوط إلى ميدان الدعارة والفساد.
وعلى الزوج أن يستجيب لهذا الحق الشرعي ما دامت الزوجة مرتبطة معه برباط الزوجية المبارك الذي يمنع المرأة من الاتصال بغيره، وما تستحقه في هذا الحقل أمران: المضاجعة والمواقعة.
1- المضاجعة: ويعرِّفها الفقهاء بأنها نوم الرجل مع زوجته ليلاً في فراش واحد.
المشهور عند الفقهاء رضوان الله عليهم أن للمرأة حق المضاجعة ليلة كل أربع ليال، لكن ما عليه الإمام الخميني المقدس عدم اعتبار ذلك، بل القدر اللازم أن لا يهجرها ولا يذرها كالمعلّقة.
هذا إذا كانت الزوجة واحدة، أما لو كان للرجل زوجتان أو ثلاث جاز له تفضيل إحداهن بأكثر من ليلة في الأربع، بمعنى له أن يبيت عند إحدى زوجتيه ثلاث ليال وعند الأخرى ليلة، أو عند إحدى زوجاته الثلاثة ليلتين وعند الباقيتين كل منهما ليلة، لكن لو كان للرجل أربع زوجات فإن بات عند إحداهن وجبت المداورة بالسوية على الثلاث الباقيات.
مسألتان أخيرتان في هذا الموضوع:
- تختص البكر في أول عرسها بسبع ليالٍ والثيب بثلاث.
- يختص وجوب المبيت والمضاجعة فيما تقدم بالدائمة، فليس للمتمتع بها هذا الحق واحدة كانت أو متعددة.
2- المواقعة: حدَّد فقهاء الشيعة عليهم رضوان الله حق المرأة على زوجها في المواقعة في كل أربعة أشهر مرة واحدة كحد أدنى، فيحرم عليه ترك ذلك إلا مع إذنها، لأن المرأة كالرجل مجهّزة بغريزة جنسية لها انفعالاتها الطبيعية.
على أن هناك جهات أخرى جعلت إحساس المرأة بحاجتها إلى الرجل أشد مما هي عند الرجل ذاته، وهذا الإحساس لا بد منه كي لا تحملها آلام الحمل والوضع والرضاعة على الإفلات.
عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه قال "خلق الله الشهوة عشرة أجزاء" فجعل تسعة أجزاء في النساء وجزءاً واحداً في الرجال، ولولا ما جعل الله فيهن من الحياء على قدر أجزاء الشهوة لكان لكل رجل تسع نسوة متعلقات به".
* حسن المعاشرة:
لا شك في أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو مجمع الصفات الحسنة ومنبع الكمالات الإنسانية الروحية، لم يصل إلى مركز النبوة إلا بعد أن اصطفاه الله مفضّلاً على من في الوجود، وإلا فما معنى لنهوضه بأعباء الرسالة السماوية وفي البشر من هو أفضل منه، ولذلك وصفه الله تبارك وتعالى بقوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم﴾. لما في هذه الخصلة من المزايا التربوية الجليلة والأثر الكبير في بناء النفوس وإعداد الأجيال.
بناءً على هذا المرتكز الأخلاقي الرفيع والقاعدة الإسلامية المتينة يبني الإسلام أهم صرح تنعم بظله الحياة الزوجية حيث يجعل القاعدة عند اختيار الزوج الصالح الأخلاق الفاضلة والمعاشرة الحسنة فقد جاء في الحديث الشريف "إذا جاءكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه".
إن هذا التشريك في العطف بين الدين وطيب الخلق يبين لنا مدى اهتمام الشارع المقدّس بالأخلاق، وأن الزوج لا بد له أن يكون مثال الخلق الرفيع ليتمكن بخُلُقه من إدارة البيت ومن ورائه الأسرة بكل مفاهيمها.
إن الكلمة الطيبة والبسمة الرقيقة والتسامح مع الزوجة من أهم أمثلة الخلق الرفيع التي ينبغي أن تتوافر عند الزوج.
عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال عليه الصلاة والسلام: "يشبعها ويكسوها وإذا جهلت غفر لها".
وفي رواية ثانية "يسدّ جوعتها ويستر عورتها ولا يقبح لها وجهاً".
ذلك أن المرأة - ككل إنسان - معرّضة للخطأ والجهل والنسيان وما إلى ذلك، وعلى الزوج أن يدرك ذلك تماماً، فلا يسارع إلى الإيذاء والتعدّي بمجرد حصول الخطأ، بل عليه أن يتحلى بأحلى مراتب الفضيلة وهو الصبر ومن ثم العفو والصفح والمغفرة، والمرأة أيضاً - ككل إنسان - ليست كاملة، فلربما تجد من هي أجمل منها أو أقوم، فلا ينبغي والحال هذه أن تقبَّح لها وجهاً أو تظهر لها عيباً.
عن أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام في وصيته لولده محمد بن الحنفية "المرأة ريحانة وليست بقهرمانه، فدارها على كل حال، وأحسن الصحبة لها ليصفو عيشك".
ألا ترى - أخي الطالب - أن الزوجة قد انقطعت عن أهلها وأقربائها وخاصة أبويها الحنونين فتعلّقت بزوجها روحاً وجسماً ووكلت أمرها إليه حتى لم تعد ترى سنداً لنفسها غيره؟
هل يعقل أن يكون جزءاً هذا الإحسان تحمّل المعاناة والمشاكسات من زوجها وبدون مبرِّر؟
وهل هذا إلا تجسيد للظلم والتعدي على هذه النعمة القيّمة التي أنعمها الله عليه وقد قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
وفي حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "عيال الرجل إسراؤه، وأحب العباد إلى الله أحسنهم صنعاً إلى إسرائه".
وعن الإمام زين العابدين عليه الصلاة والسلام في وصيته لولده "أي بني إياك وظلم من لم يجد علي ناصراً إلا الله عزّ وجلّ".
إلى الرفق بالعائلة أيها الزوج المؤمن، وإلى المودة والتعاطف مع الزوجة أيها الأخ الطيب، لتنعم الأسرة الصغيرة بجوٍ من الهدوء والاستقرار.