مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

وصايا العلماء: والتامّين في محبّة الله(1/3)

آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي

 



الإنسان موجود يطلب الكمال؛ فإذا وجده في شيء تعلّق قلبه به فأحبّه وسعى للتقرّب منه وعمل على أن يصبح شبيهاً له... ومن هنا كانت المحبّة معلولة للمعرفة. كما أن المحبّة أيضاً هي علّة الانقياد أمام الكامل. وعلى هذا الأساس فكلما كان الإدراك والمعرفة أكبر، كانت المحبة أكثر وبالتالي كانت الطاعة أيضاً، بتبع ذلك، أكبر.

* جذور المحبة
تتعلق المحبة بأمرين: الأول: وجود الكمال في المحبوب، والثاني: معرفة المحب بوجود هذا الكمال. نُقِل عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إذا تجلّى ضياء المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة"(1). الله تعالى عالم بكمالاته قبل أي موجود، لذا هو عاشق لذاته أكثر من أي موجود.
ومن نافل القول إنه لا يمكن أن تصل الموجودات الممكنة الوجود على مستوى معرفة الله تعالى أكثر مما وصل إليه الأئمة عليهم السلام. وبما أنّ الوصول إلى ذلك غير مقدور فهو خارج عن التكليف. ومن هنا يمكن القول إنّ الأئمة الأطهار عليهم السلام قد وصلوا في باب المعرفة إلى المرحلة التامة. لذلك كانت محبتهم لله، محبة تامة وهذا يعني أن كافة أعمالهم كانت انطلاقاً من عشق ومحبّة الله تعالى.

* إشارات
1ـ مراحل المحبة
إنّ الذي يواجهه الإنسان ويتعلق به، إمّا أن يكون ملائماً له موافقاً لطبعه بحيث يلتذّ به، أو أن يكون غير ملائم له باعثاً على التنفّر بحيث يتألّم منه؛ والأول يكون محبوباً وللمحبة مراحل متعددة يطلق على نهايتها عنوان "العشق"(2): "أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها"(3)، والثاني يكون مبغوضاً وللبغض مراتب أيضاً آخرها "المقت": ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصف: 3).
وعلى هذا الأساس فإذا كان الشيء خالياً من اللّذة والألم فهو ليس بمحبوب ولا مبغوض.

2ـ المحبة العاطفية والعقلية
قد تكون المحبة في حدود الوهم والخيال ويطلق عليها المحبة العاطفية، وقد تكون في حدود العقل النظري ويطلق عليها المحبة العقلية، وهي من شؤون العقل العملي. طبعاً قد يمتلك الشخص معرفة بالكمال المعقول فَيُزْرع حبه في قلبه ولكنه لا يتمكن من الاستدلال والبرهنة عليه. وهذا النوع من المحبة، مطلوب ومرغوب في حد ذاته! نعم، إذا واجه الإنسان الحكيم هكذا محبة، أمكنه البرهنة والاستدلال عليها.

3ـ المحبة المضادة
المحبة في الواقع عبارة عن تعلق القلب بشيء أو شخص مرغوب؛ ويقال حينها الشيء الفلاني محبوب. ومن هنا فالقلب هو محل المحبة. والله تعالى قال: ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (الأحزاب: 4). فالحب الإلهي كالشمس المضيئة وحب الدنيا كالليل المظلم، لذلك لا يجتمعان في مكان واحد: "كما أن الشمس والليل لا يجتمعان كذلك حب الله وحب الدنيا لا يجتمعان"(4)، "كيف يدعي حبّ الله من سكن قلبه حب الدنيا"(5). من هنا نجد حتى أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام يطلبون من الله تعالى أن يجعل قلوبهم متفرغة لحبّه: "إلهي فاجعلنا ممن... فرّغت فؤاده لحبك"(6)، فكانوا يناجون الله طالبين: "إلهي فاجعلنا من الذين ترسّخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم وأخذَتْ لوعة محبّتك بمجامع قلوبهم"(7). وكانوا بالإضافة إلى ذلك يوصون الآخرين: "أحبّوا الله من كل قلوبكم"(8).
نعم، إنّ محبة المحبوبين عند الله والعمل بتعاليمهم هو حب الله ولا ينافي حب الله تعالى: "أسألك حبّك وحبّ من يحبك وحبّ كل عمل يوصلني إلى قربك وأن تجعلك أحبّ إليّ مما سواك"(9) وجاء في هذه الزيارة خطاب لتلك الذوات المقدسة: "ومن أحبكم فقد أحبّ الله".

4ـ تشخيص المصداق
إنَّ محبَّة الله عزّ وجلّ هي قمة الدرجات الروحانية؛ حتى أنّ المقامات المعنويّة كالشوق والأنس والرضا و... هي ثمرة من ثمرات المحبة؛ كما أن بعض المقامات الأخرى كالتوبة والصبر والزهد و... من مقدماتها(10). نُقل عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إن أطيب شيء في الجنة وألذَّه حبُّ الله والحبُّ في الله والحمدُ لله"(11).
إن معرفة المصاديق وتشخصيها (تطبيق المعايير على الأشخاص في الخارج) هما مشكلتان أساسيتان أمام مسيرة تكامل الإنسان؛ ومن الممكن أن يحصل الانحراف أثناء إعداد الأدوات والمقدمات أو أثناء قطع المسير. لذلك كان الأنبياء عليهم السلام وخلفاؤهم يتولون مهمة هداية البشر في كافة هذه الحالات.
وقيل في توضيح مقام المحبوب: "والمرء مع من أحبَّه"(12). والسرّ في ذلك أن الإنسان يعيش مع صديقه في الخلوة والجلوة(13) أراد ذلك أم لم يرد. وفي الواقع فإن الصّديق هو الذي يصنع شخصية الإنسان حيث تحصل حالة اتحاد بين هذين الشخصين. لذلك يمكن القول إن قيمة الشخص هي بمقدار قيمة صديقه وتكون سعته الوجودية بمقدار ما يملك صديقه من سعة... وفي النتيجة فإن حشر أحدهما هو حشر للآخر.
يوصي الإمام الرضا عليه السلام ابن شبيب، ويقول له: "يا ابن شبيب!... وعليك بولايتنا فلو أن رجلاً تولّى حجراً لحشره الله معه يوم القيامة"(14).
إلا أن بعض الأشخاص الذين ينشدون الكمال قد يخطئون في تحديد المصداق فيتوجهون نحو محبوب غير حقيقي؛ مع العلم أن هذا العشق الموجود في قلوبهم لو كان إلهياً لما كان كاذباً: "أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك ولم يلجؤوا إلى غيرك"(15).

* المحبوب الحقيقي
من هنا فإن المصداق الحقيقي والمحبوب الواقعي هم الهداة الذين يهدون البشر إلى الله تعالى وهم الذين يوضحون أن الأمور الزائلة لا يمكن أن تكون محبوبة: ﴿لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (الأنعام: 76). وعلى هذا الأساس فالله تعالى هو المحبوب الواقعي وأما محبة المحبوبين الآخرين كحب الأنبياء والأولياء والوالد والوالدة والولد والإنسان الصالح فهي محبة مجازية باعتبار أنها تقع في إطار المحبة الإلهية. لذلك عندما يقع التعارض بين محبة الله ومحبة الآخرين، يجب اختيار محبة الله تعالى وترجيحه على كل الآخرين: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين (التوبة: 24).
بعد توضيح المعيار ومعرفة المصداق نصل إلى المرحلة الثالثة وهي طريق الوصول إلى المحبوب. وهنا يتم توضيح قانون عام وهو أن اتباع حبيب الله هو الذي يبين طريق الوصول إلى محبوبية الله: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (آل عمران: 31).

يُعَبّر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن هذا الأمر بالتأسي حيث يقول: "فتأسَّ بنبيك الأطيب الأطهر صلى الله عليه وآله فإنّ فيه أسوةً لمن تأسّى وعزاءً لمن تعزّى. وأحبُّ العباد إلى الله المتأسّي بنبيّه والمقتصّ لأثره"(16). طبعاً يجب الإشارة إلى أن اتّباع أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام هو اتّباع لرسول الله صلى الله عليه وآله؛ لأن تلك الذوات المقدسة كالإمام علي عليه السلام، هي بمنزلة نفس رسول الله صلى الله عليه وآله: ﴿وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ (آل عمران: 61). ومجموع أهل البيت عليهم السلام هم نور واحد يتجلى في أربع عشرة حالة. يقول الرسول صلى الله عليه وآله: "خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد فمحبي محبُّ عليّ ومبغضي مبغضُ عليّ"(17).


(1) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 2، ص 168.
(2) المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني، ج 8، ص 64.
(3) أصول الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 83.
(4) عيون الحكم والمواعظ، الليثي الواسطي، ص 397.
(5) م. س، ص 383.
(6) مفاتيح الجنان، المناجات الخمس عشر، مناجاة المحبين، ص 237.
(7) م. ن، مناجاة العارفين، ص 241.
(8) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 16، ص 124.
(9) مفاتيح الجنان، مناجاة المحبين، ص 238.
(10) المحجة البيضاء، م. س، ج 8، ص 3.
(11) مصباح الشريعة، م. س، ص 443.
(12) أصول الكافي، م. س، ج 2، ص 126.
(13) الجلوة: الظهور والبروز.
(14) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 44، ص 286.
(15) مفاتيح الجنان، دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة، ص 479.
(16) نهج البلاغة، (خطب الإمام علي عليه السلام) الخطبة 160، الشريف الرضي، ج 2، ص 58.
(17) بحار الأنوار، م. س، ج 39، ص 266.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع