المسجد هو قاعدة كبرى للتعبئة والحركة الثقافيّة، لذلك يجب أن نتعلّم أساليب العمل فيه لتحقيق هذه الغاية. إنّ الكلام الذي يقوله أئمّة المساجد للمأمومين ولأهل المسجد، أكثر تأثيراً وفاعليّة بدرجات من الكلام عبر التلفاز وما شابه؛ ذلك أنّ اللقاء وجهاً لوجه، والجلوس عن قرب بحيث تسري أنفاس المتكلّم إلى المستمع، لها تأثير مختلف جدّاً. كما أنّ المسجد هو مركز المقاومة ونواتها بأنواعها المختلفة؛ المقاومة الثقافيّة، والسياسيّة، والأمنيّة، والعسكريّة، فكيف يتجلّى ذلك؟
•خرّيجو المسجد
ثمّة نسبة عالية جدّاً من شهدائنا كانوا من أهل المساجد، وهم من الفئات كلّها: طالب جامعيّ، عامل، تلميذ ثانويّة... وكلّهم مسجديّون، تحرّكوا جميعاً، وانطلقوا من هذا المكان، وتوجّهوا نحو ميادين الحرب، واضعين أرواحهم على أكفّهم. فالتضحية بالنفس أمر سهل بالكلام ﴿وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ (آل عمران: 143)، ولكن عندما يواجه الإنسان الموت بشكل عمليّ، يختلف الأمر، فيراه صعباً جدّاً. لقد انطلق هؤلاء من المسجد، وقدّموا أنفسهم في سبيل الله، فبات المسجد قاعدة المقاومة.
•السياسة في قلب الثقافة
والمسجد هو أيضاً قاعدة نموّ الأنشطة، والهداية، والبصيرة الثقافيّة؛ ففي قلب الثقافة ثمّة سياسة أيضاً. والسياسة لا تعني فقط أن يؤيّد الإنسان زيداً ويخالف عمراً أو العكس؛ إنّما هي النظر إلى الحركة العامّة للمجتمع: أن نفهم من هو هذا الشخص وإلى أين يأخذنا، ويدعونا، وهل نسير يوماً بعد يوم نحو التديّن المتزايد للمجتمع، أو أنّنا نتحرّك، وكما يرغب العدوّ ويهدف، نحو المزيد من اللامبالاة والانجذاب أكثر فأكثر إلى الأقطاب المعادية للدين؟ هذه هي البصيرة السياسيّة. عندما نفهم هذا، عندها يتّضح مع من يجب أن نكون، مع زيد أو عمرو.
•بابٌ مفتوح لصلاة الجماعة
يجب أن يكون المسجد في وقت الصلاة مفتوحاً لإقامة صلاة الجماعة. فعلى سبيل المثال، إذا كان أحد أئمّة المساجد لا يستطيع الذهاب ثلاث مرّات في اليوم إلى المسجد، يجب أن يُطلب شخص آخر؛ لكي تُقام الصلاة جماعةً في الأوقات الثلاثة فيه، كما ينبغي أن يبقى المسجد مفتوحاً إلى ما بعد صلاتَي المغرب والعشاء، فلا يُقفل بابه.
•لا علمانيّة في الإسلام
يُراد إبعاد المساجد عن القضايا السياسيّة، حيث يقال: "أيّها السيّد، لا تتدخّل في السياسة، فقط قم بعملك". ماذا تعني "قم بعملك"؟، تعني أن تأتي وتصلّي وتذهب، وتقوم فقط بإمامة الجماعة. هذه هي العلمانيّة، أن لا يكون للدين أيّ ظهور وحضور إلّا في المسائل الشخصيّة، فلا شأن للنظام الاجتماعيّ بالدين، وهو ما يريده الأعداء، وهذا هدفهم. فذلك الدين الذي يحاربونه، والإيمان الذي يواجهونه، هما اللذان يحقّقان النظام الإسلاميّ، ويجعلان الإسلام قويّاً مقتدراً. إنّهم يخافون من الإسلام الذي يتمتّع بقدرة وقوّة ويمتلك أنظمة وقوانين، ولديه سياسة، وحكومة، وجيش، وقوّات مسلّحة، الإسلام الذي لديه قدرات علميّة وإمكانات عالميّة. في وضع كهذا، هل نبعد المسجد عن قضايا المجتمع، ونصرفه عن المسائل السياسيّة، وعن مصير المجتمع ومسيره بشكل كامل؟ إنّ هذا جفاء كبير في حقّ المسجد.
•جذب القلوب
علينا إيجاد مكانة خاصّـــة وموقعيّـــة مميّــــزة للشـبـاب في المسـاجد؛ أيْ التخطيط والبرمجة بشكل جدّي لجذبهم، حتّى يعتبروا المسجد بيتهم ومركزهم، فيشعروا بالأنس فيه، ويتردّدوا بشكل دائم، فإنّ لهذا الأمر بركات وفيرة. إنّ الشباب هم الذين يقومون بإنجاز الأعمال في المجتمع، وهم روّاد الحركات الاجتماعيّة، ويعملون ويجدّون ويجتهدون. كما أنّ جذبهم، وعلى خلاف ما يتصوّر بعضهم، ليس بوضع طاولة كرة مضرب (بينغ بونغ) هناك! إنّ طريق استقطاب الشباب هو جذب قلوبهم. وإنّ توجّههم وانجذابهم للمعنويّات هما من الأسرار الإلهيّة الكبرى، بحيث إذا ذُكر كلام روحيّ معنويّ أمام أحدهم، سينقلب ويتحوّل من حال إلى حال.
•ذكرى المسجد الأقصى
ينبغي أن لا ننسى أنّ "يوم المسجد" بالأصل هو يوم ثوريّ؛ والذي تمّ بطلب ومتابعة الجمهوريّة الإسلاميّة، وتمّ إقراره في منظّمة المؤتمر الإسلاميّ بهذا الاسم، وقد جُعل في ذكرى إحراق المسجد الأقصى، من أجل مواجهة العدوّ الصهيونيّ. فلننظر إلى المسجد بهذه النظرة والرؤية، ولنجعل الحركة في هذا المسار.
•تاريخ وذكريات
لقد حضر في مساجدنا علماء وأئمّة جماعات، كان لهم حضورهم وذكرياتهم وقصصهم. هناك شباب كثر تربّوا فيها، وقاموا بأعمال التعبئة، وهذه المساجد قدّمت شهداء، وجثامينهم عادت لتشيّع فيها؛ فهذه الحكاية الجذّابة للمسجد، يجب أن تُحفظ وتخرج في أشكال وقوالب متعدّدة: كتاب، مقالات في مجلّات، صور، فيديو كليب وغيرها؛ لتكون دروساً للذين يتردّدون الآن إلى المسجد، ولمن سيأتي غداً وفي المستقبل إليه.
(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه أئمّة مساجد محافظة طهران 21/8/2016م.