مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة: إمام ثورة النور

الشيخ علي عارف(*)

 



يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (فصلت:30)  كانت الثورة الإسلامية الإيرانية التي انتصرت عام 1979م، مطلباً تاريخياً للشعب الإيراني المسلم، ولم تكن رغبةً آنية لذاك الشعب العظيم. فالشعب كان يرغب بهكذا دولة إسلامية منذ سنوات طويلة، ويأمل أن تتحقق هذه الرغبة. وإذا تأملنا في الثورة الإسلامية المباركة نجد أنّها وصلت إلى ما وصلت إليه واستمرّت بثلاثة عوامل:
- القيادة.
- كلمة التوحيد لا إله إلا الله.
- توحيد الكلمة ووحدة الشعب.
- وقد كان لها تجليان:
- التجلي الخارجي: الجمهورية الإسلامية بجميع مؤسساتها وأركانها ومراكزها...
- التجلي الداخلي: ظهور الاستعدادات والإمكانيّات والأبعاد المعنويّة والعلميّة...

* في عصر الغيبة مثال وقدوة
وعند الحديث عن التجلي المعنوي الداخلي للثورة الإسلامية، لا بدّ أن نتكلم أولاً عن الإمام الراحل قدس سره، لأن روحيته ومعنويته قد سرت في جسم الثورة فغدا مثالاً وقدوة في عصر الغيبة من غير أن يكون معصوماً. من هنا يمكن الحديث عن قائد عبّر عن أجواء نفيه إلى خارج البلاد بالقول: "الأشخاص الذين يريدون إبعادي كانوا خائفين وكنت أواسيهم بأن لا تخافوا". الحديث عن قائد للثورة الإسلامية حديثٌ عن شخصية عبّر عنها آية الله العظمى بهاء الديني بقوله: "لو كان من المقرر أن يتبدل عدد شهداء كربلاء من 72 شخصاً إلى 73، لكان الإمام الخميني قدس سره هو الشخص الثالث والسبعين".

* الأبعاد المعنوية للثورة
أما أهمّ أبعاد الثورة المعنوية:

غيّرت الثورة علاقة النّاس بالعلماء، ففي حين كانت هذه العلاقة علاقة "المحدّث والناس"، تحوّلت إلى "الإمام والأمة"، بحيث أصبح الناس يعتبرون الوليّ الفقيه حامل اللواء الذي يسير في الأمام حاملاً مشعل النور ليضيء لهم الطريق ويهدي الأمة ويوجهها إلى الأهداف السامية تحت ظل الأحكام الإسلامية.  لقد بيّنت الثورة للعالم ثقافة المقاومة وأظهرتها طيلة سنوات الدفاع المقدس. هذه الثقافة التي نشأت من ثورة الإمام الحسين عليه السلام ونهضته في عاشوراء تجلّت في كلمات الشجاعة والفداء والإيثار والتضحية وليس أكثر تعبيراً عن ذلك من وصية أحد الشهداء حيث يقول: "لا تقولوا لولدي أبوك سوف يعود من السفر، بل قولوا له إنّه هو أيضاً يجب أن يرحل".

وعندما سئل الإمام الخميني الراحل قدس سره في إحدى المقابلات: من أعطاك الإجازة لكي ترسل هؤلاء الشباب إلى حتفهم؟ أجابهم: الإمام الصادق عليه السلام. لقد كان إمام الأمة السيد روح الله الموسوي الخميني قدس سره أول مجاهد في سبيل الله في هذه الثورة الإسلامية، وكان يشكل عامل الاطمئنان والمواساة للمجاهدين. علّمت الثورة جميع الشعوب أنها يجب أن تحارب العلل وليس المعلولات، وذلك تأسياً بإمام هذه الثورة الذي كان يردد دائماً: "إن الشاه يجب أن يرحل". وكان يعني بالشاه كل "أم للفساد"، والفحشاء والفوضى. 

أظهرت الثورة للناس حقيقة "الدنيا" "الدنيا ليّن مسّها وقاتل سمّها"، وعلّمتهم أن لا ينخدعوا ببهرجها وزخرفها، فلا تمنعهم مظاهرها من إنجاز مهامهم الملقاة على عاتقهم.  كذلك مزجت الثورة الدين بالسياسة كما كان يقول الإمام الخميني قدس سره: "سياستنا عين ديانتنا وديانتنا عين سياستنا" فأخرجت الحج من كونه محض مناسك، ودعت إلى "البراءة من المشركين" وهو باطن الحج الذي كان مغفولاً عنه لسنوات طوال، كذلك الأمر بالنسبة إلى مسألة القدس، التي حوّلتها الثورة إلى قضية مقرونة بليالي القدر، ودعت الصائمين في شهر رمضان المبارك إلى التظاهر والوحدة من أجل إنقاذ القدس وفلسطين.

من جهة أخرى، سدّت الثورة الطريق أمام الخلافات بين المذاهب، ودعت الجميع إلى الوحدة والتوجه إلى العدو الحقيقي للأمة، الاستكبار العالمي وإسرائيل، بالإضافة إلى إعلان أسبوع الوحدة بمناسبة ولادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وإعلان المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب المختلفة. أعطت الثورة، أيضاً، إجابات شافية حول بعض المفاهيم الخاطئة والمغالطات: كالفصل بين الدين والسياسة؛ عدم الاكتفاء بالدعاء؛ عدم القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عدم تشكيل الدولة الإسلامية والعمل على نشر الفساد والظلم لكي يظهر الإمام الحجة |؛ التحريف في الدين (الإفراط والتفريط)... والكثير من الفهم الخاطئ. بالإضافة إلى استدعاء اهتمام الجميع وتوجيههم نحو مفهوم الانتظار في الفكر الشيعي.

* ثورة الإمام الخميني قدس سره
في مسألة الارتباط المعنوي للثورة يكفي أن هذه الثورة انتصرت على يد أحد أبناء السيدة الزهراء عليها السلام. وتلازم ذكرها مع اسمه كما عبّر الإمام الخامنئي حيث قال: "إنّ هذه الثورة ليست معروفة في أي مكان في العالم من دون اسم الإمام الخميني قدس سره". أما بالنسبة إلى محبوبية الإمام قدس سره فيكفي أن نذكر أنه كان في استقباله سنة (1357 هـ.ش) 1979م أكثر من ستة ملايين، وشيّعه عند رحيله ودفن جسده الطاهر أكثر من أحدَ عشر مليوناً من الجماهير المسلمة المحبة له. كان الإمام قدس سره يعمل بالمسائل الأخلاقية التي يحدّث بها قبل الآخرين، فعندما طبع كتابه (تحرير الوسيلة) في النجف الأشرف، كُتب على مجلد الكتاب عبارة: "زعيم الحوزات العلمية"، فقال الإمام قدس سره: إذا لم تحذفوا هذه الجملة فإني سوف آمر برمي جميع النسخ في نهر دجلة، بعد ذلك أُجبروا على تغطية العبارة.

والحقيقة أن هذه الثورة المباركة وقيمها مثل العطر الذي يخبر فوح ريحه الطّيّب عنه، وقد غدت مشعلاً لجميع أحرار العالم في كل مكان، لكن يجب الاحتياط واليقظة، فالقيام بالثورة أمر سهل لكن الحفاظ عليها أمر صعب، فليكن لكل واحد منا نصيب في الاستقامة وحفظ الثورة، إن شاء الله تعالى. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


(*) مدير عام جمعية القرآن الكريم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع