مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

زيارة القبور يوم العيد

الشيخ حاتم إسماعيل


إن من الأمور المعلومة والواضحة لدى كلّ من له اطّلاع على الأحكام الشرعية في الإسلام، أنّ للأعراف نحوَ تدخُّلٍ في تنقيحها وحركتها الّتي قد تختلف بين مجتمع وآخر. كما أن من المعلوم أيضاً، أن ليس كل عرف يؤثر في ترتب الأحكام، وإنّما شرط العرف أن لا يكون متصادماً مع الأوّليات القانونية للتشريعات الإسلاميّة، ولهذا يمكن أن يتَّصف العرف بالأحكام التكليفية الخمسة، الّتي لا يخلو أي فعل من أفعال المكلفين منها.

* زيارة القبور
لا شبهة في أن زيارة القبور أمرٌ حسنٌ في نفسه، ومَرْضيٌّ من قبل الشريعة المقدّسة، لما فيه من تذكُّرٍ لمصير الإنسان، واعتبارٍ في هذه الحياة، وصلةٍ للآباء والأرحام، الأمر الذي يهدِّئ المشاعر والاحساس. وقد ورد الكثير من الأحاديث الشريفة عن النبي الأعظم وأئمّة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين، الدالة على مطلوبية ذلك ومحبوبيته في نفسه، وأنهم عليهم السلام كانوا يقومون بذلك ويحثّون عليه. فقد ورد أن النبيّ صلى الله عليه وآله زار قبر أمّه في عمرة الحديبيّة وأصلح قبرها وبكى عندها (1). ورواه جمع من محدثي أهل السنة، كمسلم في صحيحه، وابن ماجة وأبي داود، والنسائي في سننهم، عن أبي هريرة قال: "زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله" (2). 

وعن صفوان الجمَّال قال: "سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيين، فيقول: السلام عليكم يا أهل الديار ثلاثاً ـ، رحمكم الله ثلاثاً"(3). وعن داود الرقي قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يقوم الرجل على قبر أبيه وقريبه وغير قريبه هل ينفعه ذلك؟ قال: نعم، إن ذلك يدخل عليه كما يدخل على أحدكم الهدية يفرح بها" (4).  وكانت السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام تأتي قبور الشهداء كل غداة سبت، فتأتي قبر حمزة فتترحم عليه وتستغفر له (5).  وعلى كل حال فالروايات الدالة على مطلوبية زيارة القبور ومحبوبيتها في نفسها الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كثيرة من طرق الشيعة والسُنَّة.

* الزيارة يوم العيد
ولمّا كان العيد عبارة عن الاحتفال وإعلان الفرح والسُّرور، فقد جرت عادة الناس أن يتذكروا موتاهم في مثل هذا اليوم، الذي قد يشير إلى افتقادهم وعدم نسيانهم فيه، فإن الإنسان مهما عاش الفرح وسيطرت عليه مشاعر السرور، فإنه يبقى يشعر بفقدان الأحبة والشوق إليهم. من ناحية أخرى، تشكّل زيارة القبور هديَّة يقدِّمها الزَّائر إلى ميِّته؛ ليدخل السُّرور على قلبه من خلالها. ولما كانت هدايا الأموات لا تمتُّ إلى عالم المادة بصلة، بل تتَّسم بالبعد المعنويّ وإرسال الرّحمة إليه، الأمر الذي يعني مشاركة الميّت السُّرور والفرح في يوم العيد، فإنه وإن لم يرد نصٌّ خاصٌّ بزيارة القبور في يوم العيد، إلا أنَّ هذا المعنى يمكن أن يستفاد من الحديث الوارد عن داود الرقي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام المتقدِّم. وقد ورد عنه عليه السلام أيضاً أنه قال: "إذا زرتم موتاكم قبل طلوع الشمس سمعوا وأجابوكم، وإذا زرتموهم بعد طلوع الشمس سمعوا ولم يجيبوكم" (6). 

وعن محمد بن مسلم قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: نزور الموتى؟ قال: نعم، قلت: فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ قال: إي والله، ليعلمون بكم، ويفرحون بكم، ويستأنسون إليكم إلخ.. الحديث" (7).  وأي يوم أحق بالزيارة وإدخال السرور على قلب الميّت من يوم العيد، الذي شأن الناس أن ينشغلوا به عن كلّ ما عداهم، فإذا تذكَّر المرء موتاه في ذلك اليوم واعتبر، وتذكر الآخرة، وما حلّ بمن سبقوه إليها، وما سيحل به من بعدهم، ووصلهم بشيء من كتاب الله تعالى وأهداه إليهم، وترحَّم عليهم، ودعا لهم، فقد يكونون بأمسِّ الحاجة لذلك. وهذه الزّيارة كما تنعكس على الميِّت فائدةً ورحمة، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "ما من أحد يقول عند قبر ميت ثلاث مرات: اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد أن لا تعذِّب هذا الميت إلا رفع الله عنه العذاب يوم القيامة" (8)، فإنها تنعكس على الحي فائدةً ومنفعةً في الدنيا، لما فيها من اعتبارٍ وبرٍّ وصلةٍ وموعظة، كما تنعكس عليه منفعة في الآخرة كذلك، فقد ورد عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: "من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ إنّا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أَمِن يوم الفزع الأكبر..." (9).

* خلاصة واستنتاج
إن موقف الشريعة الإسلامية المقدسة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية ليس واحداً، بل يختلف باختلافها، حيث إن منها ما يكون مبايناً للتشريعات الإسلامية ومنافراً لها، كالتقاليد الجارية في بعض البلاد والقاضية بضرورة وجود الخمر على الموائد، فإن مثل هذه العادات محرمة وممنوعة في الإسلام. ومنها ما ظل الإسلام حيادياً تجاهه، فلم يتخذ منه موقفاً إيجابياً أو سلبياً، وهي العادات الواقعة في دائرة المباحات الشرعية، ومنها ما يقع في دائرة المحبوبية والمطلوبية في نفسه لما فيه من انعكاس إيجابي على حياة الفرد والجماعة سواء في بعدها الدنيوي والأخروي. ومن هذه المسائل مسألة زيارة القبور في يوم العيد، فإنها وإن لم تقع ضمن دائرة المطلوبية بهذا العنوان في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، إلا أنّ ذلك لا يعني عدم مطلوبيتها وحسنها، نظراً للحث على زيارة القبور من ناحية، وعلى إدخال السرور على قلوب المؤمنين من ناحية أخرى، ومن أبرز مصاديق إدخال السرور من انقطع عملهم ولم يبق لهم إلا انتظار الهدايا والحسنات من القادرين عليها وهم الأموات كما لا يخفى.


(1) مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج 8، ص 370، مادّة قبر.
(2) صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، ج 3، ص 65. وسنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، ج 1، ص 501.
(3) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العاملي، ج 3، ص 244، ح 3.
(4) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 99، ص 296، ح 6.
(5) مستدرك سفينة البحار، م. س، ج 8، ص 371، مادة قبر.
(6) م. ن، ص 37.
(7) جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 3، ص 530، ح 13.
(8) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 2، ص 373، ح 6.
(9) الكافي، الشيخ الكليني، ج 3، ص 229، ح 9.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع