مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الافتتاحية: أبناء الدين أم التقاليد؟


رئيس التحرير


استكمالاً لما تقدم في افتتاحية العدد ما قبل الأخير والذي عنون بـ«تقدس الموروثات كمين قاتل"، نحب هنا أن نتعرض للعادات والتقاليد التي يصرّ الكثير من الناس على التزامها دون النظر إلى مدى مطابقتها وموافقتها لأمر الدين. وكأن الله خلقنا لإمضاء ما نراه من تقاليد بالية تقتل إنساننا وتدمّره ولا يملك حيالها إلا الإذعان والتسليم لأمرها. ذلك أن قيمة الإنسان المرتبط بتعاليم السماء تكمن في مدى ارتباطه والتزامه بالدستور الإلهي والنهج الذي رسمه الله له، أما الارتباط بالتقاليد والعادات فكل ذلك يضرب الهدف السامي الذي لأجله خلق.

فمثلاً لو واجهتك مشكلة ـ قارئي العزيز ـ وكانت مورد تناقض وخلاف بين شرع الله وتقاليد الإنسان فهل تعمل لمرضاة الله دون المبالاة بالتقاليد؟ ولو رأيت الناس يتحدثون بسوء عن شخص خالف أعراف وتقاليد المجتمع ولم يخالف حكم الله والقرآن فهل ستنسجم في أحاديثك مع سيل أحاديث الناس ورميه بطعنات الغيبة والسوء، أم أنك تحكِّم الله في هذه القضايا وتعوِّد لسانك على حدود الحلال والحرام؟ ألا تلاحظ أن أشخاصاً كثيرين كانوا ضحايا عادات لا نعرف من أين أتت ومارسوها ظنّاً منهم أنهم يُحسنون صنعاً؟

كما قال الله تعالى  ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا وكم من أناسٍ يخوضون في غمار غيبة شخص ولما تسألهم عن المسوِّغ الشرعي يأتيك الجواب: إنه فعل كذا، كأن يتزوج زوجة ثانية، أو يتزوج بعد رحيل زوجته بمدة معينة لا تصلح لأن تكون في عرف الناس عدة عرفية كما يعتقدون، أو أن تتزوج المرأة بعد وفاة زوجها بمدة زمنية، لأن الأعراف البالية لها رأيها في المسألة وهو باختصار: أن على هذه المرأة أن تتحول إلى باكية نائحة على زوجها طول عمرها، ولا يحق لها أن تعيش حياتها ولو بعد المدة المحددة من قبل شارعنا المقدّس. أتذكر أني ذات يوم ذهبت إلى قرية من قرانا ووجدت أن حديث الناس كلها تنصب على فلانة الأرملة بسبب زواجها، ولما رحت أستوضح من أهلها سبب الهجمة الشرسة وأين يكمن الخطر، لم أجد إلا أنها خرقت دستور القرية وكأنها تحوّلت بذلك إلى مرتدة عن قانون تلك البلدة والأمثلة كثيرة في مجتمعاتنا، وكلها تؤكد أن أكثر أفراد هذا المجتمع ينفعلون بالتقاليد أكثر مما ينفعلون بقول الله وأحكامه، والله تعالى قال لنا ولنبي الرحمة ﴿وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ليعطينا بذلك قاعدة تحدد مسارنا لتؤكد أن على الإنسان أن يقدِّم رضا الله والمصلحة الإلهية على أي مصلحة أخرى، وأنَّ عليه أن يخشى الله لا أن يخشى الناس. ولسنا هنا بصدد تبيان موضوع المداراة واجتناب مواضع التهمة مع أهميتهما وضرورتهما، لأن حديثنا ينصبّ على فعل الإنسان حينما تتعارض المصلحتان والخشيتان.

ولتأكيد ما ذهبت إليه، تعالوا نستعرض نموذجاً واحداً عن إنساننا المسلم الذي يصعب في الغالب على أي ناظر أن يميزه عن غير المسلمين من خلال تصرفاته وأفعاله وعاداته وتقاليده، حين تراه يتأثر بالأجواء المحيطة أكثر مما يتأثر بتعاليم إسلامه. ويتأثر بتقاليد بيئته أكثر مما يتأثر بالآيات القرآنية وأحاديث النبي والأئمة المعصومين عليهم السلام.

فهل باستطاعتنا إعطاء هذا المسلم طابعاً إسلامياً وصبغة قرآنية طالما أنه يغط في نوم عميق عن مشاعر الرسالة بينما لا يغفل عن الجوانب المحيطة به؟ وهل باستطاعتنا أن نطلق على أمثاله مصطلح المتدين والملتزم مع أننا نجزم أن تدينه والتزامه هو تدين بما يُدين به مجتمعه والتزامه هو التزام بما يلتزم به محيطه، وهل التوقف أمام عادات اجتماعية ظالمة هو أكثر استجابة أم التوقف أمام أحكام الدين؟

فلماذا لا نتوقف ملياً أمام أنفسنا لنتعرّف إليها فلعلنا من هؤلاء الذين ذكرنا دون أن نشعر؟ ولعلنا ممن يلتزمون بطقوس التقاليد على حساب الدين دون أن نخطط؟
وتعالوا ننطلق مع قول الله تعالى وكلماته لتكون هي عنوان مرحلتنا  ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا. والسلام.



 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع