بقلم الشيخ حسين مرعي
أمّا أصل مشروعية زيارة القبور فهو محل اتفاق بين فقهاء الإمامية بل هو من المستحبات المؤكدّة كما صرح أكثر من واحد(1) ويدل على ذلك بعد إجماع العلماء وتسالمهم أمور نذكر أهم أمرين منهما:
الأول: فعل النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام لذلك، ففي الخبر عن صفوان الجمال قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المدنيين"(2). وقد ورد أن السيدة فاطمة عليها السلام كانت تزور قبر حمزة والشهداء وتدعو لهم(3). وهذا يدل أيضاً على عدم كراهة زيارة القبور على النساء كما صرّح به العلامة رضوان الله عليه وغيره(4) خلافاً لمن ادعى كراهته عليهن(5).
الثاني: الروايات، منها صحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام في زيارة القبور؟ قال: "إنهم يأنسون بكم"(6). منها ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام : "زوروا موتاكم فإنهم يفرحون بزيارتكم"(7) إلى غير ذلك من الروايات. ونشير إلى أن غير الإمامية من الفِرق الأخرى ذهبوا إلى مشروعية زيارة القبور(8) وبعضهم صرح بالاستحباب، بل كثير منهم ادعى الإجماع على ذلك(9) ولذا لم يُلتفت إلى منع البعض عنه كالفرقة الوهابية. وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن بريدة عن أبيه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها"(10). وروى ابن ماجة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة"(11) إلى غير ذلك.
وأمّا زيارة القبور يوم العيدين فلا كلام في أصل مشروعيته كما تقدّم لكن الكلام في رجحانه في هذه الأيام المخصوصة، مع العلم بأنه لا توجد روايات واضحة في هذا المجال فضلاً عن خلو كلمات العلماء وكتبهم عن التعرض لذلك ولذا فسّره البعض بأنه ناشئ عن العادة الحسنة ليس إلا، وكيف كان فيمكن الاستيناس لرجحانه بعدّة مؤيدات وان لم تكن كافية للقطع بالمسألة:
1- ما رواه جابر من أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان قد زار قبر جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله عيد الفطر(12) ودعا الله تعالى عنده.
2- ما هو معلوم بين العلماء انه يلزم تمييز يوم العيد بالإكثار من فعل الخيرات(13) ومن أوضح مصاديق الخيرات زيارة القبور لما فيه من نفع للحيّ الزائر وللميت المزور.
3- ما يلاحظ من بعض الروايات من الحث على زيارة القبور يوم الجمعة فعن عبد الله بن سليمان عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: سأله عن زيارة القبور، قال: "إذا كان يوم الجمعة فزرهم فانه من كان منهم في ضيق وسّع عليه ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس"(14)، إضافة لما تقدّم من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يزور القبور عشية الخميس ليلة الجمعة، وهذا يعني خصوصية الزيارة في مثل هذه الأوقات المباركة، ولا شك أن يومي العيدين من هذه الأوقات بل من أكثرها بركة فضلاً عما هو معلوم أن يوم الجمعة من الأعياد الأربعة مما يؤيد التساوي في الزيارة ورجحانها.
4- نفس استمرار عمل المتشرعة والمتدينين على زيارة القبور في أيام العيد، وفعلهم أن أحرزنا اتصال عملهم بعصر المعصوم دليل على هذا الرجحان.
وعلى كل حال لا محيص من الالتزام بمحبوبية هذه الزيارة أيام العيد للأدلة العامة ولو كان المنشأ هو العادة فإنها سنّة حسنة يرضاها الله ورسوله.
(1) المعتبر للمحقق الحلي ج1 ص339.
(2) وسائل الشيعة بتحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام ج3 ص224 ج9 ص346.
(3) الفصول المختارة للمفيد ص131، ودعائم الإسلام للقاضي ج1 ص 239.
(4) تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي ج1 ص57.
(5) المعتبر للمحقق الحلي ج1 ص340.
(6) الكافي للشيخ الكليني ج3 ص228 ح1.
(7) المصدر السابق ص229 ح1.
(8) كتاب الأم للشافعي ج1 ص317، فتح العزيز للرافعي ج5 ص246، المجموع للنووي ج5 ص309 وغيرها.
(9) مغني المحتاج للشربيني ج1 ص365، حاشية "المختار لابن عابدين" ج9 ص689.
(10) صحيح مسلم ج3 ص65.
(11) سنن ابن ماجة ج1 ص500 ح1569.
(12) مستدرك الوسائل ج6 ص153 ح6675، إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس ج1 ص489.
(13) الكافي للحلبي ص155.
(14) وسائل الشيعة ج7 ص415 ح9732.