الشيخ علي ذو علم
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إن لم تكن حليماً فتحلَّم،
فإنه قل من تشبَّه بقوم إلا أوشك أن يكون منهم".(1) الحلم والتواضع من أكبر وأهم
الفضائل الأخلاقية ويقابلهما الغضب.
المقصود من الحلم القدرة على التحمُّل أمام
الظواهر والأحداث التي تجرّ الإنسان إلى الغضب والانفعال السريع. قد يصدر عنا تصرف
غير عادل وغير صحيح أو لنقل غير طبيعي بمجرّد أن نسمع كلاماً يتناولنا بشكل سلبي،
وقد نثار ونغضب أمام تعاطي السفيه والجاهل. هنا تأتي أهمية الحلم الذي يتوجب عليه
التعاطي مع هذه الحوادث. الإنسان العاقل هو الذي لا يترك العنان لنفسه ليتصرَّف
بشكل عاجل وسريع مع الجهلة والسفهاء عند صدور أي عمل قبيح عنهم. طبعاً هذا لا يعني
أن يترك الإنسان الأمر ويتنازل عن حقوقه. بل الحلم هو تلك القدرة الأخلاقية التي
تدفع الإنسان لمواجهة المشاكل بعد تدبر وتفكير. قد لا تساهم كيفية تعاطي الشخص
المبتلى بالغضب وسرعة الانفعال في حل المشاكل. وقد يؤدي عمل هذا الإنسان إلى تشجيع
الجاهل والسفيه على العمل القبيح. ومن هنا كانت وصية الإمام أمير المؤمنين حول
الحليم. فالحليم هو الذي يتغلب بحلمه على المقابل له، لا بل ويجعله في حالة ندم على
ما قام به.
الحليم هو الذي تزيّنَ بهذه الفضيلة فأصبحت تصدر عنه بشكل طبيعي. أما
كيف يمكن لمن لم يمتلك هذه الفضيلة أن يتعرَّف إليها ويتزين بها، فهنا تبرز أهمية
وصايا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام التي تؤكِّد على أهمية التكرار في مواجهة
هذه القضايا. فيؤكِّد الإمام عليه السلام أنّ الشخص الّذي لا يمتلك هذه الفضيلة
ويرغب بها عليه أن يتشبَّه ويتظاهر بها أمام الجاهلين والسفهاء. وبالتدريج يتمكَّن
من زرع هذه الفضيلة في روحه ونفسه فيصل إلى الحلم والتحلُّم أي تجلِّي سيرة الحلماء
والمتواضعين في السلوك والعمل والابتعاد عن الغضب.
طبعاً أن يتظاهر الإنسان بالحلم
فهذا يختلف عن الرياء المذموم، على أساس أنَّه ليس كلُّ تظاهر رياء. المرائي يأتي
بالعمل الحسن من أجل خداع الناس بينما هو لا يعتقد بهذا العمل ويقوم به من أجل جذب
الناس واكتساب حبهم، ولكن الحليم هو الذي يعشق هذه الصفة، لا بل ويبحث عن طريق
للوصول إليها، ولا يرمي من حلمه إلى خداع الآخرين أو الاستفادة الدنيوية والمادية
من هذه الصفة الأخلاقية، إنَّما يقصد تربية نفسه على سلوك طريق الحلماء فيكظم غيظه
عند الشدائد ليصل إلى طريق الكمال.
ثمَّ يوضح الإمام علي عليه السلام مسألة كلية في خصوص السلوك الاجتماعي تتعلَّق
بالتشبه بالآخرين للالتحاق بهم، فالشخص الذي يقلد جماعة في سلوكهم فإنه يصبح
بالتدريج جزءاً من هذه الجماعة. وهذه قضية كلية تتعلق بسلوك الإنسان وآثار هذا
السلوك سواء لجهة الإيجاب أو السلب. الذي يتشبه بسلوك وعمل جماعة المؤمنين فإنَّه
سيصبح بالتدريج من هذه الجماعة حتى ولو لم يكن مؤمناً في واقع الحال. وأمَّا الذي
يتشبَّه باللامبالين والفاقدين للتقوى فإنَّه سيصبح أيضاً من هذه الجماعة وإن لم
يكن منهم في واقعه. من النادر أن نشاهد شخصاً يقلّد جماعة في سلوكها وعملها ثم لا
يصبح من ضمن هذه المجموعة. من هذه النقطة نفهم سرَّ ما ورد في بعض الروايات الّتي
تؤكِّد على عدم التشبُّه بالكفار والتي تحذّر المؤمنين من تقليدهم.
الّذي يعيش وسط
أجواء الكفار والمنافقين ويقلدهم في لباسه وسلوكه وطريقة حياته فإنَّه سيصبح مثلهم
في كلِّ شيء بالتدريج وبالتالي سيفقد هويته وأصالته الفكرية والثقافية. من جهة
أخرى هناك الكثير من الوصايا التي تؤكِّد أهمية تقليد المؤمنين والمتَّقين حيث
سينساق هذا الشخص بالتدريج نحو الكمال فيكتسب صفات التقوى والإيمان، على اعتبار أن
عملية التشبه هي مسألة داخلية ونفسية عند الإنسان تقوى بالتدريج فيُجذَب الشخص إلى
ذاك الاتجاه. فكم جدير بنا أن نلتفت إلى وصايا أمير المؤمنين عليه السلام فنتعرف
إلى من يجب أن نقلّده ونتّبعه أو نتشبّه به.
(1) نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام، ج4، ص 47.