تحقيق: زهراء عودي شكر
نستيقظ صبيحة كل يوم، وفي جعبتنا حَكايا تدور رحاها حول حلم أو كابوس أو رزمة أحلام متشابكة، تسلّلت إلى سباتنا العميق وحاكت لنا سيناريوهات مصوّرة بعضها يحاكي واقعنا، وبعضها الآخر فيه من الغرابة ما يدفعنا لتفسيره، وتفكيك رموزه كي نفهمه ونعرف خباياه.
*ماهية الحلم وتفسيره
الحلم تعريفاً هو سلسلة من التخيّلات التي تحدث أثناء النوم، وهي تختلف في مدى تماسكها أو منطقها، ويوجد الكثير من النظريات التي سعت لتفسّر حدوث الأحلام، منها ما اعتبره بعض المهتمين وسيلة تلجأ إليها النفس لإشباع رغباتها ودوافعها المكبوتة خاصّة التي يكون إشباعها صعباً في الواقع، ولكن غالباً ما تكون الرغبات في الحلم مموّهة أو مخفية بحيث لا يعي الحالم نفسه معناها، ولذلك فإنّ بعض الأحلام يبدو خالياً من المعنى.
*تفسير الأحلام
اهتمّ العلماء العرب المسلمون بالأحلام وتفسيرها وأصبح ذلك علماً، بحدّ ذاته، عند بعض المفسرين مثل: محمد بن سيرين.
ومن المعبّرين البارزين من الأنبياء والأئمة: النبي إبراهيم، ويعقوب، ويوسف، ودانيال وذو القرنين والنبي محمد عليهم السلام، والإمام عليّ عليه السلام والإمام الصادق عليه السلام الذين كان لهم باعٌ طويل في تأويل الأحلام. واشتهر بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتأويل الأحلام كأبي ذر الغفاري وعبد الله بن عباس وسلمان المحمّدي.
واتّسع الاهتمام بذلك حتى من قبل شخصيات أخرى مثل: محمد بن علي محي الدين بن عربي في كتابيه (الفصوص) و(الفتوحات المكية)، وابن خلدون. وسعى ابن عربي وابن خلدون في تفسير الأحلام وتحليلها وتقسيم أنواعها ومعرفة أسبابها ومصادرها، بينما لم يبدأ اهتمام علماء الغرب بدراسة الأحلام إلا حديثاً.
* الأحلام والرؤى ومواقيتها
ليس كل ما يراه المرء في منامه حلماً، فقد يكون رؤيا، إذ تختلف الأحلام عن الرؤى. يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان"1. وتغلب الرؤيا على ما يراه النائم من الخير والشيء الحسن، فيما يغلب الحلم على ما يراه من الشرّ والشيء القبيح. أما ما اختلط والْتبس، فلا يصحّ تأويله وما هو إلا أضغاث أحلام.
وقد قسّم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام الرؤى، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "الرؤيا ثلاثة: بشرى من الله، ورؤيا مما يُحدّث به الرجل نفسه، ورؤيا من تحزين الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره فلا يحدّث به وليقم وليصلّ"2.
إذاً، فليس كل ما يراه النائم رؤيا، وللتوضيح أكثر، فقد يكون الحلم تفزيعاً من الشيطان، أو نتيجة نوم الشخص وقد أصيب بتخمة بسبب الإكثار من الأكل قبل النوم فتكون سبباً لأن يرى أضغاث أحلام وما يكرهه، أو نتيجة حمّى أصابته فيضطرب في نومه ويحلم أحلاماً مزعجة (كوابيس).
أمّا حديث النفس فهو كمن يفكر في موضوع معين مثل شراء سيارة أو التفكير بالزواج فينام ويحلم أنه ذهب لسوق السيارات واشترى سيارة، أو يحلم أنه في هيئة عريس، فيعتبر هذا من حديث النفس.
*الرؤيا الصادقة
والرؤيا الصّادقة والصّالحة هي بشارة للمؤمن بما له عند الله من الكرامة في الآخرة، كرؤيا النّبي إبراهيم عليه السلام، التي وردت في القرآن الكريم، ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102)، وفيها أثبتا عليهما السلام الرؤيا وأوجبا الحكم بها.
والرؤى الصادقة قسمان:
- قسم مفسّر ظاهر لا يحتاج إلى تعبير ولا تفسير.
- قسم مُكنّى مضمر تودع فيه الحكمة.
وهي كما ورد عن الرسول: "جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة"3. والنبوّة لا تكون إلا وحياً تبعاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ذهبت النبوات وبقيت المبشّرات"، وحين سألوه عن المبشرات، قال: "الرؤيا الصالحة"4.
وللرؤيا الصادقة مواقيت معيّنة. فعن أبي عبد الله عليه السلام: "الرؤيا الصادقة تُرى بعد الثلثين من الليل مع حلول الملائكة، وذلك قبل السحر..."5. كما تصدق الرؤى في القيلولة ووقت إدراك الثمر. وأصحّ ما تكون الرؤيا عند استغراق النوم. وقد نقل النوفلي عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام حديثاً حول الرؤى جاء فيه: "إنّ المؤمن إذا نام خرجت من روحه حركة ممدودة صاعدة إلى السماء، فكل ما رآه روح المؤمن في ملكوت السماء في موضع التّقدير والتّدبير فهو الحق، وكل ما رآه في الأرض فهو أضغاث أحلام"6.
*التأويل بحسب المواقيت
ويختلف تأويل الرؤى حسب مواقيتها وحسب من رآها، فمن كان له طبعٌ في الصيف وطبعٌ في الشتاء يعبّر عنه في كل حين يُرى فيه، حسب وقته وجوهره، كالشجر والثمر والبحر والنار... وما كان له طبع في الليل وآخر في النهار يعبّر عنه في رؤيا الليل بطبعه وفي رؤيا النهار بعادته كالشمس والقمر والكواكب... أما بالنسبة لمن رأى المنام، فأقدار الناس تختلف في التأويل حسب اختلافهم.
ويروي الإمام الصادق عليه السلام: "تتغيّر الرؤيا عن أصلها باختلاف الهيئات، فتكون لشخص رحمةً ولآخر عذاباً"7، فالأذان في المنام لهيئة الرجل الشريف الحجّ، ولهيئة الرجل غير المقتدر السجن. ومع أن أصول الرؤيا القديمة لم تتغير، إلا أنّ تغيير الناس لحالات الأشياء غيّرتها بعض الشيء، فالتمر قديماً كان يؤوّل بالمطر والرزق، أما في وقتنا فيؤوّل بكثرة الفواتح نظراً لكثرة ما يقدّم في الفواتح، أما الرّطب فتأويله ثابت لتفريج الهمّ والغمّ لوروده في سورة (مريم).
*ادعاء الرؤيا الكاذبة
أما عن الرؤيا الكاذبة التي يدّعي صاحبها أنّ الله أراه ما لم يره، فعاقبتها وخيمة لأن الكاذب في منامه كالمفتري. وفي هذا الصدد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "ثلاثة يعذّبون يوم القيامة، من صوّر صورة من الحيوان يعذّب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها، والذي يكذب في منامه يعذّب حتى يعقد بين شعيرتين وليس بعاقدهما..."8.
*تنبيه لصاحب الرؤية
بعض المحاذير التي يجب التقيّد بها فيما يخصّ الرؤى:
1 - عدم قصّ الرؤيا على عدو أو حسود فقد يُعبّرها على خلاف مقصودها حسداً منه، وبذلك تذهب بشارة الرؤيا عن صاحبها.
2 - عدم نقل الرؤيا عبر وسيط، فقد يزيد أو ينقص في الرؤيا فتُعبّر على خلاف مقصودها.
3 - الحذر من الكذب فقد نهى الشّرع عن الكذب بما لا يراه النائم.
4 - يجب على صاحب الحلم الحرص على عدم تأويل الأحلام المفزعة والمنذرة بشرّ، فالواجب إذا صحا من نومه فزعاً من الحلم أن يذكر الله ويتعوّذ به منها ومن الشيطان الرجيم وأن ينقلب على شقّه الآخر ولا يحدّث بها أحداً.
5 - على من يصاب بالفزع عند النوم أن يقرأ عندما يأوي إلى فراشه المعوذتين وآية الكرسي.
*مواقيت تحقّق الرؤى
ربما تتحقّق الرؤى في اليوم التالي من رؤيتها، أو بعد وقتٍ قصير، وربما تتأخّر الرؤيا سنيناً.
فرؤيا النبي يوسف عليه السلام ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾(يوسف: 4)، عندما رأى النبي يوسف عليه السلام الحلم كان عمره اثنتي عشرة سنة، ويقال مضى على تحقُّق رؤياه ما يقارب الثلاثين عاماً.
أما رؤيا نبينا إبراهيم عليه السلام، فيما يتعلق بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، فلم يمض وقت طويل على تحققها، إلا أن مشيئة الله حالت دون ذلك، وفدا إسماعيلَ عليه السلام بكبشٍ منه عظيم.
* لمن يريد أن يرى رؤيا صادقة
إذا أراد أحدٌ أن يرى رؤيا صادقة تظهر له ما في ضميره، يجب أن ينام على وضوء، وعلى جانبه الأيمن، ويذكر الله ويدعوه بهذا الدعاء المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم إنّي أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوّضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيّك الذي أرسلت، تباركت ربّنا وتعاليت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أستغفرك وأتوب إليك، يا ربّ أنا هارب منك إليك، الّلهم أرني رؤيا صادقة غير كاذبة، صالحة سارة غير محزنة نافعة غير ضارّة"9.
1- المجلسي، بحار الأنوار، ج6 ص262.
2- م.ن، ج58 ص181.
3- م.ن، ص175.
4- م. ن، ص178.
5- الوافي، الفيض الكاشاني، ج46 ص548.
6- الأمالي، الصدوق، ص209.
7- منتخب الكلام في تفسير الأحلام، ابن سيرين، ج1 ص21.
8- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص223.
9- مصباح المتهجّد، الشيخ الطوسي، ص120.