الشيخ علي ذو علم
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من لم يصلح نفسه لم يصلح
غيره"(1) الإنسان موجود غير محدود من ناحية القابليات والاستعداد للسموّ، لا بل
كلَّما وصل الإنسان إلى مرتبة من الكمال فإنه سيجد طريقاً أرحب للتكامل والارتقاء.
من هنا كان جهاد وسعي الإنسان لجهة رفع النواقص التي تحيط به ومواجهة الإشكالات
التي يعيشها، في سعي وحركةٍ مستمرة لا تنتهي عند حدود معينة. أما من الناحية
الإسلامية فلا وجود لحد نهائي في حركة الإنسان نحو الكمال، لا بل يمتلك الإنسان من
الاستعداد ما يجعل المجال واسعاً أمامه للسموِّ أكثر؛ بل إن المؤمن الحقيقي من
واجبه ومسؤولياته أن يتحرَّك في هذا الاتجاه. لقد أتى الأنبياء العظام من أجل إصلاح
البشر بالمقدار المستطاع وهكذا كانت مسؤولية خاتم الأنبياء صلى
الله عليه وآله التي هي استمرار لمسيرة الأنبياء السابقين. وأما الإصلاح
بمعنى إبعاد النواقص والضعف، والانتقال من الوضع الحالي إلى الأفضل والاقتراب من
الآخرين في الأبعاد الفردية والاجتماعية، فهو من الأهداف والغايات الأساسية في
الإسلام. والإصلاح مسؤولية جماعية مستمرة يجب القيام بها في حدود الاستطاعة.
تبدأ عملية الإصلاح من النفس أولاً. لا بل إنَّ أول مسؤولية تقع على عاتق
الفرد هي أن يهتمَّ بإصلاح نفسه في الفكر والعمل. ومن هنا يعتقد الإمام أمير
المؤمنين عليه السلام أنَّ أعجز الناس من عجز عن إصلاح نفسه(2). فالذي يشاهد النقص
والعيب في نفسه ولا يبادر إلى الإصلاح فهو في الواقع لا يريد الخير لها. ويُعتبر
إصلاح النفس أوَّل خطوة في طريق سموِّ الشخصية وزيادة معرفتها. فكلما زادت معارف
الشخص ازداد التفاته إلى نفسه وعيوبها وهبّ إلى إصلاحها. وهذا المبادر إلى إصلاح
نفسه بجهده وسعيه هو الذي يصل إلى السعادة والسموِّ الحقيقي.
كما يجب الشروع من النفس أيضاً عند التوجه لإصلاح المجتمع ومساعدة الآخرين وكل ذلك
في سبيل ارتقاء حال الشخص؛ فإذا التفت كلُّ فرد من أفراد المجتمع إلى إصلاح نفسه
فإننا سنكون أمام مجتمع صالح. وعند محاولة الإصلاح الحقيقي للمجتمع يجب أن يكون
المصلحون صالحين في أنفسهم، على أساس أنَّ الإصلاح أمر لا يتمكن الشخص من نقله إلى
الآخرين ما لم يجرّبه بنفسه. فهل يمكن للجاهل وفاقد العلم والمعرفة أن يعلِّم
الآخرين؟ طبعاً هذا غير ممكن، فمن يُرد الإصلاح عليه أن يبدأ من نفسه ثم ينتقل إلى
الآخرين.
لو عدنا إلى التاريخ فإنّ مدَّعي الإصلاح كانوا
كثراً. حتى عندما كان الأنبياء ينهضون بمهمة الإصلاح كان مخالفوهم يدّعون أيضاً أنَّ
مخالفتهم ناشئة من إرادة الإصلاح. إلاّ أنّ الفرق بينهما هو ما نشاهده في حركة
المنافقين من عدم التطابق بين الادّعاء والعمل. فإذا كان الأنبياء وأتباعهم يدعون
إلى الإصلاح فإنهم كانوا يبدأونه من أنفسهم، على عكس المدّعين للإصلاح الذين لا
يهمهم الالتزام الشخصي بما يدعون إليه عدا عن أن شخصياتهم لم تكن مقيدة عملياً به،
فكان كلامهم الظاهر جميلاً لكن عملهم كان يدحض هذا التصرّف الظاهري.
من مسؤولياتنا أن نفكر طويلاً في مسألة الإصلاح، فنتعرف إلى طريق الصلاح
والسداد لنقيس أنفسنا به فنتبين المسافة التي تفصلنا عن السلوك والعمل الإسلامي
الصحيح فنبادر إلى رفع النواقص والعيوب، لنصل في النهاية إلى الأفكار الحقيقية
لعملية الإصلاح.
من أكبر العيوب أن يبادر الشخص إلى إصلاح الآخرين بينما يعيش هو
حالة فساد شخصية. طبعاً لا نقصد من هذا الكلام التقاعس عن المبادرة إلى الإصلاح
ولكن المراد أن لا ننسى أنفسنا عند أي محاولة نقوم بها، وكلما وُفِّقْنَا إلى إصلاح
أنفسنا سنتمكن من التقدم بخطوات إصلاحية هامة على مستوى المجتمع.
(1) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص427.
(2) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص324.