مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: تزكية النفس قبل فناء العمر



اعلم أنّ تعديل القوى النَّفسانيَّة التي ترتبط بها غاية الكمال الإنساني، ومنتهى السير الكمالي، هو بمعناه الواحد من مهمات الأمور، وهذا من الأمور التي توجب الغفلة عنها خسارة عظيمة، وشقاوة غير قابلتين للجبران. وما دام الإنسان في عالم الطبيعة فهو يستطيع أن يعدّل قواه المستعصية، ويلجم النفس المستنفرة بلجام العقل والشَّرع.

وهذا الأمر في أول الشباب سهل وميسور جدّاً لأنَّ نور الفطرة لم يُقهر بعدُ، ولم تفقد النفس صفاءها، ولم تترسخ بعدُ الأخلاق الفاضلة، والصّفات المذمومة في النفس. ونفس الطفل في أول الأمر كصفحة قرطاس بلا نقش ولا صورة، فهو يتقبل كل نقش بسهولة ويسر، وإذا قبلها فزوالها ليس بميسور، كما هو مشاهد حيث إن المعلومات أو الأخلاق التي حصلت في أول الصبا هي باقية وثابتة إلى آخر الكهولة، وقلّما يتطرّق إليها النسيان.


صلاح الأمة بصلاحهم
ولذلك، فإن تربية الأطفال وتهذيبهم، من المهمات التي تُعهد إلى الأبوين؛ فلو حصل التَّساهل والفتور فربما ينجرّ الطفل المسكين إلى رذائل كثيرة، وينتهي أمره إلى الشقاوة الأبدية. وليكن معلوماً أن تربية طفل واحد لا تحسب تربية واحدة؛ وكذلك سوء تربية طفل واحد والتَّساهل في حقّه لا يحاسب على أنّه واحد؛ فربما يصلح بتربية طفل واحد جمع كثير بل ملّة كاملة، بل مملكة، وبفساد شخص واحد تفسد مملكة وملّة.

إنّ نورانيَّة شخص واحد كالفيلسوف الإسلامي الكبير خواجة نصير الملة والدين "رض" والعلامة الجليل الحلي "قدس" نورت مملكة وملّة، وتبقى تلك النّورانيَّة إلى الأبد. وظلمات وشقاوات شخص كمعاوية بن أبي سفيان، وأئمة الجور، بذر للشقاوة والخسران لملل وممالك لآلاف السنين كما هو مشاهد. وحيث إن الأطفال هم دائماً أو غالباً مع الأبوين، فلا بُدّ أن تكون تربيتهما عملية، بمعنى أننا لو فرضنا أنّ الأبوين ليسا متصفين بالأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة فلا بد أن يظهرا في نفسيهما الصلاح أمام الطفل، ليكون الأطفال عمليّاً مهذَّبين ومربين، ولعلّ هذا بنفسه يكون مبدأً لإصلاح الأبوين لأن المجاز قنطرة الحقيقة، والتطبّع طريق الطبع. إن فساد الأبوين العملي يسري إلى الأطفال أسرع من أيِّ شيء. فربما كان طفل واحد قد تربى عمليّاً عند الأبوين تربية سيئة فهي تبقى فيه إلى آخر العمر، فلا يعود قابلاً للإصلاح رغم جهود المربين وتعبهم.

إن الأبوين الصالحين الحسني التربية هما من التّوفيقات القدريّة والسَّعادات غير الاختيارية التي تكون أحياناً من نصيب الطفل. كما أنّ فسادهما وسوء تربيتهما أيضاً من الشَّقاوات، والاتّفاقات القدريّة التي تلازم الإنسان من دون اختياره. وهذا ينطبق على المراحل السابقة للتربية، حيث يمكن أن يكون في تلك المراحل قد بدأ بوضع بذور سعادة الإنسان أو شقاوته؛ كاختيار الزوجة الصّالحة، وذات الأخلاق الحسنة، والسعيدة، واختيار الأغذية المناسبة والمحللة قبل زمان الحمل، وفي أيّامه والإرضاع، وأمثالها، وتفصيلها يحتاج إلى رسالة على حدة. وأرجو توفيق الحق تعالى على استخراجها، واستقصاء بحث أطرافها بشكل مستقلّ إن شاء الله تعالى.

صفاء النفس أيام الشباب:
وبعد هذه المرحلة تأتي التّربية الخارجيَّة من المعلمين والمربّين غير الأبوين، وكفيل هذه التّربية في أوّل الأمر، والصِّحَّة والفساد في هذه المرحلة متعلق في ذمة الأب، فانتخاب المعلّم المتديّن ذي العقيدة الصّالحة، والأخلاق الطَّيّبة، واختيار المدرسة، والمعلم الخاص الذي يأتي إلى البيت، المناسب دينياً وأخلاقيّاً، والمهذّب، كلُّ ذلك له دخل تامٌّ وكامل في التّربية الأولى للطّفل؛ فربما في هذه المرحلة ترسم خريطة الشَّقاوة والسَّعادة للطّفل.

والدواء المعطى من المعلمين هو إمّا شفاء للأمراض، أو سم قاتل، ومسؤوليته على الأب. وإذا جاوز هذه المرحلة يحصل الرُّشد، والبلوغ بالتّدريج، ويأتي استقلال الفكر والنّظر في أيّام الشّباب. والإنسان في هذه المرحلة هو بنفسه كفيل سعادته، وضامن شقاوته، وكُلّما كان أقرب إلى أيّام الشباب، وكانت نفسه حديثة العهد بالغرس، كان تحصيل السّعادة أيسر وأسهل، واستقرارها أكثر؛ لأنّ صحيفة النَّفس تكون خالية من النُّقوش، وأقرب إلى البساطة بحيث لو وصل صاحب الأخلاق السيئة إلى هذه المرحلة من العمر وعاداته وأعماله القبيحة لم تستحكم بعدُ في نفسه، فهو يستطيع تصفية نفسه وتزكيتها بمقدار من المراقبة والمواظبة، فيقلع جذور الأخلاق السيئة كما يقلع شجرة حديثة الغرس ليس لها جذور في الأرض، فتقلع بسهولة، ولكن إذا مضت عليها مدة من التساهل، ولم يكن الإنسان في صدد الإصلاح، وقطع مادة الفساد، فإن شجرة الفساد تنمو بالتّدريج، وتصبح شجرة عظيمة، وتتأصَّل جذورها في أرض القلب، بحيث يندر أن يوفَّق الإنسان إلى تصفيتها في الأزمان الطّويلة، وبالرّياضات الكثيرة. ولعلّ العمر لا يفي والأيّام لا تمهل لأن يصلح الإنسان نفسه، لأنّ الشَّجرة الكبيرة التي رسخت جذورها في الأرض، وصارت مستحكمة، لا يمكن قلعها من جذورها، حتى بالجهود الكبيرة. فعلى الشَّباب حتماً ولازماً أن يكونوا في صدد التَّصفية والتَّزكية ما دامت فرصة الشّباب حاضرة، والصَّفاء الباطني، والفطرة الأصليّة باقيين على حالهما. فيقلعون جذور الأخلاق الفاسدة، والصفات المظلمة من قلوبهم، لأنه بوجود خلق واحد سيّئ تكون سعادة الإنسان في خطر عظيم. كما أنه في أيّام الشباب تكون الإرادة قوية والتّصميم محكماً وعلى هذا يكون الإصلاح أسهل، ولكن في مرحلة الشَّيب تكون الإرادة ضعيفة، والتّصميم أيضاً هَرِماً، وبالتالي، التغلب على القوى يكون أصعب.

ولكن على الكهول أيضاً ألاّ يغفلوا عن إصلاح أنفسهم وتزكيتها، ولا ييأسوا منها لأنه، رغم كل شيء، ما دام الإنسان في هذا العالم، وهو دار التَّبدُّل والتَّغيُّر، ومنزل الهيولى والاستعداد، فهو يستطيع أن يصلح نفسه ولو بتعب كثير. والأمراض النَّفسانيَّة المزمنة حتّى لو بلغت درجة كبيرة من الاستحكام فمع ذلك يمكن قلع مادتها، وليس منها مرض لا يمكن إصلاحه، ما دام الإنسان في هذا العالم، حتى لو ترسخ واستحكم في النفس، وصار ملكة لها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع