مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

وصايا العلماء: دواء النفوس إصلاحها


آية الله الشيخ محمد تقي بهجت


أيّها السادة ليس هناك ما هو أصلح من أن نكون نحن أنفسنا صالحين.

ما الذي يجب علينا القيام به تجاه الابتلاءات الداخلية والخارجيَّة؟ ماذا علينا أن نعمل؟ ما الذي فعلناه حتّى ابتلينا بهذه الأمور؟ علينا التفكير في أنه ما الذي فعلناه حتَّى صرنا بلا قائد (إمام)؟ إنَّ المشكلة تكمن في أنَّنا لم نصلح أنفسنا، ولا نقوم بذلك، ولن نقوم به. لسنا مستعدِّين لإصلاح أنفسنا. ولو كنَّا قد أصلحنا أنفسنا لما ابتلينا بهذه البلايا. يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أدلّكم على دائكم ودوائكم، داؤكم الذنوب ودواؤكم الاستغفار"(1). إنَّنا نريد أن نفعل ما نهواه لكن لا حقَّ للآخرين في الإساءة إلينا.

إنَّنا لا نريد إصلاح أنفسنا، وفي نفس الوقت لا نرغب في نيل الأذى من الآخرين. إنَّ أولئك الذي طبعهم الأذى سوف يقومون بعملهم، ما لم يمنعهم عن ذلك كاف وحافظ. لو كنا نحن سائرين على الطريق، لو سرنا على الجادَّة، فمن كان ليقتل أمير المؤمنين عليه السلام والحسين بن علي عليهما السلام؟ ومن كان ليجعل إمامنا الغائب - ومنذ ألف سنة إلى الآن - مغلول اليدين؟ لو أصلحنا أنفسنا فاللّه تعالى كافٍ واللّه هادٍ.


*صلاح النفس والبشر
نحن لسنا على استعداد لإصلاح أنفسنا. فلو أصلحنا أنفسنا لصلح جميع البشر بالتدريج. 

كن منسجماً مع اللّه عزَّ وجلَّ فهو يصلح الأمر. لماذا تفعل كل ما ترغب فيه في السر والعلن؟ ألم يقل اللّه تعالى ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (الطلاق: 2-3) أفهل يمكن ألا نكون مع اللّه وفي نفس الوقت يكون اللّه عوناً لنا في كلِّ أمر جزئي أو كلي، وفي الأمور الداخلية والخارجية؟! إذاً لا ملجأ من البليات الدنيوية والأخروية، والداخلية والخارجية، إلاّ إلى اللّه والكون معه والاندماج مع أهل اللّه واتّباعهم. لو ابتعدنا عن الأنبياء والأوصياء فإنَّ ذئاب الداخل والخارج سوف تلتهمنا على الفور. ولو كنَّا ممن يخشى اللّه، فسيخافنا من لا يعرفنا أصلاً، ولا يعرف شيئاً عن ماهية عملنا. سيخافون إثارة غضبنا عليهم. لماذا؟ لأننا إذا كنا مع اللّه وغضبنا، فإنَّ الله سيغضب لغضبنا. اشتغلوا بالتفكير في إصلاح أنفسكم لكي لا يبقى عائق أو مانع فيما بينكم وبين ربّكم. لو أصلحتم ما بينكم وبين اللّه ووسائطه من الأنبياء والأوصياء وأزلتم الموانع، فاللّه يصلح ما بينكم وبين الخلق. الآن، لقد وقعت الواقعة. لقد أوصلنا الأمور إلى مرحلة نحن، كبارنا منذ السقيفة وقبل السقيفة، في تلك الحجرة (حين احتضار النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، أوصلنا الأمور إلى حيث صرنا أعداء. لقد رأينا كل تلك الأمور وهي من أعمالنا، وإلا فلماذا يكون المسلمون أعداء بعضهم لبعض؟ فضلاً عن عداء غير المسلمين تجاههم؟ لماذا يكون الأمر بهذا النحو؟

*التوبة طريق الصلاح
كل ما نراه فهو من أعمالنا. فهل يجب أن نتوب من أعمالنا أم لا يجب علينا ذلك؟! لنختر ما هو الأصلح حالياً لنا!! أيّها السادة ليس هناك ما هو أصلح من أن نكون نحن أنفسنا صالحين. الآن، وقد فعلنا هذه الأفاعيل، علينا أن نتوب، أن نتضرَّع عند ذلك الباب العالي. علينا التوجه إليه ليمنحنا النجاة أولاً من شر أنفسنا وداخلنا، وبعد ذلك من شر الأجانب "أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك"(2). هذه الشهوات، وهذا الغضب بلا مبرِّر، والشهوات في غير محلِّها، كلها جنود الشياطين، جنود الكفَّار في داخل الإنسان. آخر الأمر، الآن وقد وصل بنا الأمر إلى هنا، فنحن نعلم أنَّ دواءه الاستغفار، فهل نستغفر؟ لا مفرَّ لنا سوى التوجه إلى اللّه عزَّ وجلَّ، وإذا لم نتَّجه إليه، فلو ارتفعت الموانع أيضاً، فإنَّها إنَّما ترتفع مؤقتاً، ولا ترتفع بشكل دائم. فما لم نصلح أنفسنا وما لم نرتبط باللّه عزَّ وجلَّ وبخلفائه فإنَّ أمرنا لن يصلح. والتسويف إلى غد وبعده لن ينفع. ما لم تَتَقَوَّ علاقتنا بولي الأمر إمام الزمان صلوات اللّه عليه فلن يصلح أمرنا.

*إصلاح المجتمع
ما لم نصلح أنفسنا فهل بإمكاننا إصلاح مجتمعنا؟

لا يمكن أن يحصل أي تقدُّم أو نقدِّم أيَّ شيء لمجتمعنا من دون إصلاح النفس، إذ سنكون ممن يمشي نصفَ الطريق ويتخلى، وذلك عند مسيس الحاجة أيضاً. فماذا علينا أن نعمل الآن؟ وأين يكمن إصلاحنا الفعلي؟ إنَّه يكمن في العودة عن الأعمال التي نقوم بها في الداخل والخارج ونعلم وضعها وعن العلاقات التي يقيمها الأجانب. العلاقات التي تكون لصالحهم لا عن العلاقات التي تكون لصالحنا (لصالح المسلمين). وإلا فمع هذا القرآن الواضح وأشباهه كالصحيفة السجادية ونهج البلاغة التي لو أذن للحائط لصدَّق كلامنا وأذعن بواسطتها وصار معنا، فكيف تخلفنا بأن صرنا نمد يد الاستجداء إلى مجموعة من الوحوش والحيوانات المفترسة رغبة في أن تفترسنا؟. لذا فهذه الأعمال نحن الذين ارتكبناها. ولا حلَّ إلاّ بالامتناع عنها فيما بعد! لنعرف أنفسنا ولا نسمح لهم بالدخول بيننا والعمل ضدنا في الداخل. ألا يمكننا - آخر الأمر - معرفة أنفسنا والمفسد من المصلح؟ أفلا يمكننا ذلك؟ علينا بأيِّ شكل كان أن نصلح أنفسنا. علينا أن نوضح بعضنا لبعض ونميِّز بين الصديق وغيره ومن يكون صديقاً مؤقتاً اللّه يعلم مدَّة صداقته ومدى عطائه وحدود تلبيته لرغباتنا وحاجاتنا النفسية. عليكم بالخوف لأجل الدين. واللّه، لا تبث شكواك لمن لا تعرفه ولا تصاحبه، كن محيطاً بما حولك بشكل كامل. وإنَّنا مع كوننا نرى كل هذه الأمور لا تبدر منا الخشية تجاه الآخرين! فهل درجة توكلنا على اللّه كبيرة وهل قوة إيماننا كبيرة فلا نخشى أن يخدعنا أحد؟ إنَّ أعداء الدين سوف يأتونكم عبر أصدقائكم لا بواسطة أعدائكم. في النتيجة علينا القيام بالحيطة والانتباه لكي لا يحصل اختلاط بيننا، ولا تتلوَّث أجواؤنا ولكي لا يزداد الفساد بيننا عما هو عليه الآن، هذا أمر. والأمر الثاني: أن نطلب من اللّه في خلواتنا معه، وفي تضرعاتنا وتوبتنا وصلواتنا وعباداتنا، وخصوصاً بالدعاء الشريف "إلهي عظم البلاء وبرح الخفاء" أن يصل صاحب الأمر وأن نكون معه. فإذا أظهره اللّه تعالى فهو المطلوب، وإلاّ فليكن طلبنا أن لا نبتعد عنه، ولا نبتعد عن رضاه.

خلاصة الأمر أنَّنا لا نقدر على إخفاء أعمالنا عن اللّه عزَّ وجلَّ فهو قادر، ناظر، عليم حكيم. وما لم نخضع له فلن يصلح أمرنا.  أجل علينا أن نحتاط من أنفسنا، ونلتفت جيداً لكي لا نغوى من داخلنا ونهدد من داخلنا، أو نطمع كذلك. وعندما نحرز هذه المطالب كلها فلا نترك التضرع والإنابة والتوبة وطلبها، وطلب توفيقها في الخلوات مع إلهنا. نسأل اللّه عزَّ وجل متوسلين بأنبيائه وأوصيائه ووصيه الحاضر، والذي هو حاضر عند العارفين، أن يمنحنا البصيرة والتبصر، وأن يجعلنا عارفين بأنفسنا، عارفين بأهل خطِّنا، وعارفين بالربانيين، وعندئذ نعرف مخالفيهم أيضاً.
والسلام


1- كنز العمال، المتقي الهندي، ج1، ص479.
2- عوالي اللآلي، ابن أبي جمهور الأحسائي، ج4، ص118.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع