الشيخ نعيم قاسم
* معركة لا تتوقَّف
أمَّا داخل النفس الإنسانيّة فهو الأصعب، إذ له علاقة بخيار الإنسان ومحافظته عليه،
فإذا اختار طريق الصلاح والاستقامة والحق، فإنَّ رغباته ومغريات وملذَّات الدنيا
ستزيِّن له الفساد والانحراف والباطل، عندها يعيش المعاناة للمحافظة على استقامته،
ولطرد الشيطان ومغرياته، وهو أمر يحصل يومياً في حياته، مرّاتٍ ومرّات، حتّى
وكأنَّه في معركة لا تتوقَّف. وقد حذَّرنا رسول الله صلى الله عليه وآله من هوى
النفس فقال: "أعدى عدوِّك نفسك التي بين جنبيك"(1)، ودعانا أمير المؤمنين علي عليه
السلام لمواجهة الهوى بدوام الجهاد فقال: "إملكوا أنفسكم بدوام جهادها"(2). وفي
مناجاة الشاكين للإمام زين العابدين عليه السلام توضيحٌ لطبيعة النفس الأمّارة
بالسوء، ولذا يشكو إلى ربِّه بقوله: "إلهي، أشكو إليك نفساً بالسوء أمَّارة، وإلى
الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مولعة، كثيرة العلل، طويلة الأمل، إنْ مسَّها الشرُّ تجزع،
وإنْ مسَّها الخيرُ تمنع، ميَّالة إلى اللعب واللهو، مملوءة بالغفلة والسهو"(3).
* المجاهدة خيار المؤمن
وأمَّا فيما بين البشر، فالقويُّ يُسيطر على الضعفاء، والظالم يعتدي على المظلومين،
والكافر يقهر المؤمنين، ويستخدم الإنسان كلَّ الموبقِات والمحرَّمات لملذَّاته،
حارماً الآخرين من حقوقهم وحريَّة حياتهم، فإذا تحكَّم الظلمة بمقدّرات البلاد
والعباد، عاثوا في الأرض فساداً وانحرافاً، قال تعالى:
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي
عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(الروم:41)،
عندها يكون خيار المؤمنين صعباً وشاقاً، إذ عليهم أن يجاهدوا الكافرين لإحقاق الحق،
قال تعالى:
﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً
وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(التوبة:
41)، لكنَّ جهود المؤمنين تفشل في أغلب الأحيان، وتمر حِقَب زمنيّة كثيرة
مليئة بالفساد والانحراف في حياة البشرية.
* الالتزام بتعاليم الإسلام
ماذا يفعل المؤمن؟ بإمكانه أن ينجح في صراعه مع نفسه على الرغم من المعاناة،
وبإمكانه أن ينجح في حالات قليلة مع إخوانه المؤمنين لإقامة حكم الله تعالى بين
الناس، وهو لا يتحمَّل مسؤوليَّة فشل الأمَّة عندما يقوم بواجبه الفردي والجماعي،
إلاَّ أنَّ عليه المحافظة على أمر أساس وهو: اختيار طريق الله، أي التزام الإسلام،
عندها لا يضيره شيء في الدنيا، فهو على الخطِّ الإلهيِّ المستقيم، يتَّبِعُ أوامره،
وينتهي عن نواهيه، ولن يضل الطريق ما دام ملتزماً تعاليم الإسلام. عندما تسير على
طريق الإسلام، وتهتدي بمحمِّدٍ وآل محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم، فلن يُضيرك شيء،
لأنَّك تأخذ من علمهم الذي علَّمهم الله تعالى إيَّاه، ومن هدايتهم التي تنير
البصائر، فالنجاة عن طريقهم، ولا نجاة لمن تخلَّف عنهم. عن الإمام الصادق عليه
السلام: "ألا إنَّ أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلمُ الناس صغاراً وأعلمُ الناس
كباراً، ألا وإنَّا أهلُ بيتٍ مِنْ عِلْمِ الله علمنا، وبحكمِ الله حكمنا، ومِنْ
قولٍ صادقٍ سمعنا، فإنْ تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإنْ لم تفعلوا يهلككم الله
بأيدينا، معنا رايةُ الحق, من تبعها لحق، ومن تأخر عنها غرق، إلا وبنا يدرك ترة(4)
كل مؤمن، وبنا تُخلع ربقة الذل من أعناقكم، وبنا فتح لا بكم، ومنا يختم لا بكم"(5).
* عند اشتداد البلاء يأتي الفرج
واعلم أنَّ اشتداد البلاء مؤذِنٌ بالفرج، وأنَّ اليأس ممنوع على المؤمنين، فهم
موعودون بالنصر الأكيد على هذه الأرض على يد قائم آل محمد عجل الله فرجه، فنجاحنا
بصبرنا، عندها نفوز باستقامتنا ولو لم نتمتع بالفرج أثناء حياتنا، فإذا أكرمنا الله
تعالى بخدمة صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه فهو الفوز الكبير الناتج عن الصبر
والأمل. عن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا حذيفة, لا يزال
ذلك البلاء على أهل ذلك الزمان, حتى إذا أيِسُوا وقنطوا وأساؤوا الظنّ أن لا يفرّج
عنهم, إذ بعث الله رجلاً من أطائب عترتي وأبرار ذريتي, عدلاً مباركاً زكياً, لا
يغادر مثقال ذرّة، يعزُّ الله به الدينَ والقرآن والإسلام وأهلَه، ويذلُّ به الشركَ
وأهلَه، يكون من الله على حذر، لا يغترّ بقرابته، لا يضع حجراً على حجر، ولا يقرع
أحداً في ولايته بسوطٍ إلاَّ في حَد، يمحو الله به البدع كلها، ويميتُ به الفتن
كلها، يفتحُ الله به كل باب حق، ويغلق به كل باب باطل، يردُّ الله به سبي المسلمين
حيث كانوا. قلت: فسمِّ لنا هذا العبد, الذي قد اختاره الله لأمتك وذريتك، فقال:
اسمه كإسمي، لو لم يبق من الدنيا إلاَّ يومٌ واحد, لجعل الله مقدار ما يكون فيه
جميع ما ذكرت"(6).
1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص: 64.
2- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص: 89.
3- الإمام زين العابدين عليه لاسلام، الصحيفة السجادية، ص: 296.
4- ترة: ما يصيب الإنسان من المكروه.
5- القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار، ج3، ص: 562.
6- السيد ابن طاووس، الملاحم والفتن، ص: 265.