مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: التكليف والانتظار

الشيخ نعيم قاسم

 



1-التكليف منسجم مع القدرة.
كلَّف الله تعالى الإنسان في هذه الدنيا بأوامره ونواهيه من خلال الإسلام بما ينسجم مع قدرته كما خلقه الله تعالى، قال تعالى:
﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (البقرة: 286). وهذا ما يبرز بشكل واضح وجلي من خلال الفرائض: كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والخمس... حيث يستطيع الإنسان أداءها بكل يسر وهو قادر على الأكثر. وفي هذا ورد عن هشام بن سالم قال: سمعته (أي الصادق عليه السلام) يقول: "ما كلف الله العباد فوق ما يطيقون، فذكر الفرائض, وقال: إنما كلفهم صيام شهر من السنة، وهم يطيقون أكثر من ذلك"(1) .

وهذا ما يوضحه أمير المؤمنين علي عليه السلام في تبيانه لما رسم الله تعالى للعباد، إذ يقول: "وإن الله سبحانه أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلَّف يسيراً ولم يكلِّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع مُكرِهاً، ولم يرسِل الأنبياء لعباً، ولم يُنزل الكتب للعباد عبثاً، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً: "ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار"(2).


2- التكاليف لمصلحة الإنسان
لم تكن التكاليف الإلهية إلاَّ لمصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، وهذا ما يتبيَّن عندما ننظر إلى الحالة التوجيهية للإسلام على أساس دورنا الدنيوي الذي يحدِّده تعاملنا مع الدين، حيث نجد فرقاً كبيراً بين أن نتعامل مع الدين على أساس أنَّه يبعدنا عن الحياة لأجل الآخرة، وبين أن نتعامل مع هذا الدين ليدخلنا إلى قلب الحياة بفاعلية وكفاءة لنصل إلى الله من خلال فعاليتنا الدنيوية، وإلا ماذا نفعل في هذه الدنيا؟ إذا كان المبتغى هو الآخرة كان يمكن لله تعالى أن يخلقنا للآخرة دون أن نمر بمعبر الدنيا، ولكنه خلقنا للدنيا من أجل أن نعمل فيها، ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ (التوبة: 105)، فسيرى عملكم في الدنيا وليس في الآخرة، ففي الآخرة النتائج حيث لا يوجد عمل ولا تكليف ولا توجد مسؤولية فيها.
 

فالمسؤولية والتكليف والعمل في هذه الدنيا. إذاً علينا أن نصلح دنيانا، وأن نستقيم فيها، وأن نعمل في داخلها، من أجل أن نرقى، ومن أجل أن نصل إلى المستويات الأفضل التي تنسجم مع كفاءاتنا وإمكاناتنا. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس"(3). يمكنك أن تكون إنساناً عظيماً يستغل إمكاناته وطاقاته ليصبح راقياً، وإنه لأمر بسيط أن تلتزم بمجموعة من الفرائض فتجد أنك وصلت إلى ما يرضي الله، مثل الذي يزور الطبيب فيقول له التزم بهذه التعليمات وبعد سنة تشفى. الله تعالى يقول للإنسان خذ من هذه الأدوية: الصلاة، الصوم، الزكاة، استقامة اللسان وصونه، عدم استراق السمع، وعدم السير بالقدمين إلى حيث لا يحب، التزم توجيه الله عز وجل وعطاءه فيما يتعلق بعقلك وعاطفتك، وفيما يتعلق بجسدك ونفسيتك، من أجل أن تكون مستقراً مستقيماً.

 إن نتائج الانحراف الإنساني تنعكس على الإنسان في الحياة الدنيا قبل أن تنعكس عليه في الآخرة، وبالتالي عندما يوجهنا الله تعالى إلى هذه الفرائض وهذه الأوامر فلمصلحتنا، من أجل أن نستفيد في الدنيا والآخرة. قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من أخلص بلغ الآمال"(4). فمع الإخلاص تُحقِّق كل شيء، وتنجز كل شيء في هذه الدنيا وتنتصر على الكفر فيها، وتتوفق لإعمار الأرض فيها، أمَّا السلبيات التي نجدها فإنما نجدها من المنحرفين وأهل الانحراف.

3- الجماعة والإمام
التكاليف الإلهية كلٌّ متكامل، تجمع بين توجيهات الفرد في علاقاته الثلاث مع ربِّه ونفسه ومجتمعه، وكما يعمل لإتقان عباداته لتقوية علاقته بربه، ويهتم بتربية نفسه من خلال ضوابط الحلال والحرام، عليه أن يهتم بمتابعة علاقاته ودوره مع الآخرين في المجتمع. تتقوَّم العلاقة المجتمعية بلزوم الجماعة على طريق الحق ونصرته، وتتقوَّم الجماعة بإمامها وقائدها وموجهها، وعليه فإنَّ المؤشر للنجاح المجتمعي تلازمُ الأمرين: ملازمة الجماعة، وإتباع القيادة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من فارق جماعة المسلمين، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. قيل : يا رسول الله، وما جماعة المسلمين؟ قال: جماعة أهل الحق وإن قلوا"(5). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من فارق جماعة المسلمين قيد شبر, فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن مات ليس عليه إمام فميتته جاهلية، ومن مات تحت راية عمية يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتلتُهُ جاهلية"(6).

4- انتظار الفرج من التكليف
إنَّ التزام القيادة الشرعية جزء لا يتجزأ من التكاليف الإلهية، فهو ليس أمراً مستحباً عابراً، ولا خياراً يمكن تركه أو التخلي عنه، إذ من دون القيادة يضيع الإنسان ويضل الطريق. وقد أرسل الله تعالى الأنبياء هداة وقادة للبشرية، وأرسل محمداً صلى الله عليه وآله خاتمهم وسيدهم ليقود الناس إلى سعادتهم، وتابع الأئمة عليهم السلام الهداة مسيرة النبوة، وسيتابع الإمام المهدي عجل الله فرجه هذا المسار، وفي غيابه يتولى الولي الفقيه القائد مهمة تسليم الأمانة والراية إلى صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء من هنا كان انتظار الفرج أفضل العبادة، فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أفضل العبادة انتظار الفرج"(7)، بل أفضل أعمال الأمة، فعن الإمام العسكري عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عزَّ وجل"(8)، ولا بدَّ من ترجمة الانتظار بلزوم الجماعة وقيادتها المتمثلة بالإمام الخامنئي حفظه المولى كمتصدٍّ لهذا التكليف الإلهي الكبير، كي نصل إلى بر الأمان مع ولي العصر الإمام الحجة عجل الله فرجه.


(1)الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج4، ص: 153.
(2)الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، الخطبة: 78.
(3)الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص: 81.
(4)غرر الحكم ودرر الكلم، ص: 198.
(5)الشيخ الصدوق، الأمالي، ص: 413.
(6)المتقي الهندي، كنز العمال، ج1، ص: 208.
(7)الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 287.
(8)المصدر نفسه، ص: 644.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع