إثنان وسبعون كوكباً أضاءت لأهل السماء من نينوى كما تضيء
الكواكب لأهل الأرض من أعلى أفق وأرحب سماء ولئن جرت النجوم لمستقر لها حول شمسها
فقد تحلّقت نجوم الأرض حول مبعث نور السموات والأرض فقرّت واستقرّت؛ اثنتان وسبعون
فراشة دارت حول مصباح في مشكاة تخاله كوكباً درياً حتى احترقت أجنحتها في جبّ نوره،
بل بذلت مهجها في فناء وهج عشقه، فكانوا آيات الخلوص في مرتلات الوفاء والخير والبر
والوصل، ببقعة مباركة في ليلة أنس واستيناس حين تلا القران الناطق "أما بعد، فاني
لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي"
.
*الاصطفاء والدور:
الموت واحد وان تعددت الأسباب، إلا أنّ أشرفه وأعظمه ما كان بالشهادة, إذ كم غيّب
الموت أناساً وغاب معه ذكرهم, إلاّ الأنبياء ومن كان في أثرهم من العلماء والشهداء,
فالعلماء "أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة". وأما الشهداء فالله تعالى
الذي يصطفيهم ويختارهم "وليعلم الله الذين امنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب
الظالمين" فكيف بأولئك الذين اجتمعت فيهم كل معاني الشهادة من الحضور والشهود فضلا
عن سيدهم الذي انتهى إليه ارث النبوة وهو حي , وقد حقق بشهادته الضمانة لاستمرار
ذاك الإرث وديمومته إلى حفيده خاتم الأوصياء الإمام الحجة ابن الحسن العسكري
أرواحنا فداه فأصحاب الإمام الحسين عليه السلام نالوا درجة لم ينلها احد من الشهداء
لأنهم شاركوا سيدهم في حفظ رسالة السماء لا بالقول فقط ولا بالفعل فحسب بل بالدماء
والمهج.
* عدد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام
إن الشهداء الذين حلوا في فنائه يوم العاشر ليسوا هم ممن خرج معه من المدينة إلى
مكة ثم منها إلى كربلاء، إذ إن بعضهم كذلك، ولكن البعض الآخر خرج معه من مكة. وفي
أثناء الطريق، تخلف عن الركب والتحق به غيرهم، إما ممن التقاهم في الطريق أثناء
توجهه إلى كربلاء، أو ممن كان ينتظر قدومه المبارك. يقول الخوارزمي ... "وفصل
من مكة يوم الثلاثاء يوم التروية , لثمان مضين من ذي الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلا
من شيعته ومواليه وأهل بيته" . ويقول الدينوري "وقد كان صَحِبَه قوم من منازل
الطريق , فلما سمعوا خبر مسلم ... تفرقوا عنه ولم يبق معه إلا خاصته" وأما العدد
الحقيقي، فغير معروف بالدقة، وهناك أربع روايات بهذا الخصوص، فأشهرها اثنان وثلاثون
راكباً وأربعون راجلاً. وهذا ما نقله الطبري برواية أبي مخنف عن الضحّاك "وعبّأ
الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً"
وهو ما اختاره الدينوري في الأخبار الطوال . واليعقوبي في تاريخه والخوارزمي في
مقتله والمفيد في إرشاده وأما الثالثة فغير مشهورة أو يمكن تأويلها فالأولى مثلا
ذكرت انه بعد ملاقاة الحر بن يزيد الرياحي له وقطع الطريق عليه عدل إلى كربلاء وهو
في مقدار خمسمئة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل والثانية تضمنت ذكر
المنطقة نفسها وكان أصحابه خمسة وأربعين فارساً ومائة راجل والثالثة ينقل الطبري عن
الحصين بن عبد الرحمن فيقول "..... واني لأنظر إليهم وإنهم لقريب من مائة رجل .
* أصناف أصحاب الإمام الحسين عليه السلام:
لقد اجتمع مع الإمام الحسين ثلة من الرجال والنساء، والذين قد جمعهم هدف واحد وغرض
فارد وهو نصرة سيد الشهداء على الرغم من اختلاف ألوانهم وأذواقهم ومشاربهم فكان
فيهم الأشراف والموالي، والشبان والشيوخ، والأطفال والكبار، والنساء والرجال،
والصحابة والتابعون والعرب وغير العرب، ومن عرب الشمال وعرب الجنوب، وسادة وعاميون،
ومن الكوفة والبصرة والحجاز وبقية الأمصار، إلى غير ذلك، حتى اجتمعوا على قضية
وتحولوا إلى مدرسة تحتذى في العطاء والتضحيات والإيثار، مما ألغى جميع الفوارق
الاجتماعية بينهم ونحن إذ نبين أصنافهم، لا لإبراز تلك الفوارق، بل لنقول إن أصحاب
الإمام الحسين قد صاروا حجة على كل فرد من أفراد المجتمع، ولا يقبل من واحد أن
يعتذر عن اللحوق في الركب الذي ينتصر لنهج الحسين في كل زمان وأي مكان. فمن الأشراف
برير بن خضير، فكان له في الهمدانيين شرف وقدر وكان مشهوراً ومحترماً في مجتمع
الكوفة وكذلك حبيب بن مظاهر والحر بن يزيد الرياحي وهانئ بن عروة ومسلم بن عوسجة.
وأما الموالي فسبعة: ثلاثة للإمام الحسين عليه السلام، وهم اسلم التركي وقارب ومنجح
وثلاثة آخرون هم: شوذب بن عبد الله مولى شاكر فكان مع عابس بن أبي شبيب، ورافع بن
عبد الله مولى مسلم بن كثير الازدي وسعيد بن عبد الله مولى عمرو بن خالد وجون مولى
أبي ذر الغفاري مضافاً إلى عقبة بن سمعان مولى الرباب. وأما الكهول فكانوا غير قليل
منهم زاهر بن عمرو الكندي وزهير بن القين وله تكريم خاص. ومن الشباب عبد الرحمن بن
حراق الغفاري وعمرو بن جنادة بن الحارث الأنصاري . ومن الأطفال، الجابريان سيف بن
الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع وهما أبناء عم وإخوان لأم . ومن النساء أم وهب
بنت عبد , سيدة من النمر بن قاسط زوجة عبد الله بن عمير الكلبي، وقد استشهدت في
كربلاء وكذلك الأمر كانت معها زوجة وهب وهم من غير المسلمين . ومن الصحابة انس بن
الحارث الكاهلي ومن التابعين برير بن خضير الهمداني وكان جلهم من العرب وهم إما
من عرب الجنوب (اليمن) وعددهم حوالي اثنين وأربعين رجلاً أو من عرب الشمال وهم
حوالي اثنين وعشرين رجلاً. وكان فيهم الوالد وأولاده كبدر بن رقيط وابنيه عبد الله
وعبيد الله وجاء ذكرهم في الزيارة الرجبية وكان في عداد الشهداء مؤذن الحسين عليه
السلام الحجاج بن سرد الجعفي وممن مال من جيش عمر بن سعد إلى جيش الحسين بكر بن حي
التميمي وأول شهيد كان الحر بن يزيد الرياحي وآخر شهيد من أصحابه سويد بن عمرو بن
أبي المطاع الخثعمي .
* أهل بيت الإمام عليهم السلام:
فقد اختلفت الروايات في عددهم على طوائف:
الأولى: ثلاثة عشر رجلاً .
الثانية: أربعة عشر رجلاً .
الثالثة- ستة عشر رجلاً .
الرابعة: سبعة عشر رجلا غير سيد الشهداء عليه السلام.
وهناك روايات أخرى شاذة. والأوفق للشهرة هي الرواية الرابعة، ومؤيدة بالعدد للأسماء
المباركة في الزيارة الرجبية المنسوبة إلى الناحية المقدسة/ وقد اختارها الطبري .
وأما أول شهداء بني هاشم كان علي الأكبر، وبعد شهادته رفع الإمام الحسين صوته
بالدعاء على عمر بن سعد بقطع رحمه وعدم البركة في أمره، وأن يسلط عليه من يذبحه على
فراشه. وآخر شهيد منهم هو الطفل عبد الله الرضيع ابن الرباب وقد ولد في الحرب
واستشهد فيها وبعد أن نزع الحسين السهم من عنقه جعل يلطخه بدمه وهو يقول: والله
لانت أكرم على الله من الناقة ولمحمد أكرم على الله من صالح . وقد استشهد للحسين
طفل آخر عمره ثلاث سنين، وكان الإمام يقبله وهو واقف إلى باب خيمته ويقول له: يا
بني، ويل لهؤلاء القوم، إذا كان غدا خصمهم جدك محمد صلى الله عليه وآله، فأصابه سهم
فقتله وما بينهما سقط أهل بيته شهداء بين يديه وهم موزعون على ثلاثة بيوت:
الأول: أولاد علي عليه السلام
الثاني: أولاد مسلم بن عقيل
الثالث: أولاد جعفر
وكان أبرزهم وأقواهم قمر بني هاشم العباس بن علي ابن أبي طالب عليه السلام.
وبشهادته المباركة قال الحسين عليه السلام: "الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي"