الشيخ سامر توفيق عجمي(*)
إنّ التربية بالحبّ والرحمة هي الأصل في صناعة شخصيّة الطفل وبناء هُويّته، فما هي
الأهداف التي تحقّقها التربية بالحبّ؟ وما هي الأساليب التي يمكن استخدامها لتحقيق
الأهداف المنشودة؟
* لماذا نُربّي بالحبّ؟!
تهدف عمليّة تربية الطفل بالحبّ إلى تحقيق أغراض عدّة، منها:
- النموّ السليم للبعد العقليّ والقيميّ والسلوكيّ.
- إشباع الحاجات العاطفيّة والوجدانيّة للطفل.
- تمتّع الطفل بالصحّة النفسيّة (1).
- زيادة منسوب الذكاء العاطفيّ.
- تقوية الارتباط والمؤثريّة بين المربّي والطفل المتربّي.
* كيف نُربّي بالحبّ؟!
للتربية بالحبّ أساليب وطرق متعدّدة، منها:
1- أسلوب العفو عن الطفل
العفو هو عبارة عن ترك العقوبة عند الخطأ. والعفو عن الطفل يحقّق نتائج أفضل من
القسوة عليه. ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله مَن أعان
ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله"(2).
2- أسلوب الستر على أخطاء الطفل
وكذلك من المهمّ استخدام أسلوب الستر على أخطاء الطفل وزلّاته وهفواته، فالستر من
الأخلاق الإلهيّة، عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله ستّير، يحبّ الستر"(3).
3- أسلوب التغافل
وهو ما يصطلح عليه بـ"الانطفاء التربويّ" بمعنى غضّ النظر عن بعض أخطاء الطفل وعدم
التدقيق في كلّ صغيرة أو التفتيش عن التفاصيل كافّة بدقّة، وهو من أهمّ أساليب
التربية الذي ركّز علماء الأخلاق المسلمون عليه وعلى الستر والعفو(4).
4- أسلوب إكرام الطفل
وهو إشعار الطفل أنّه موضع تقدير واحترام وشأنيّة في قلب المربّي، وعدم تحقيره
والاستخفاف به، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أكرموا أولادكم وأحسنوا
أدبهم يُغفر لكم"(5).
5- أسلوب الهدية
إنّ تقديم الهدية للطفل بمناسبة أو دونها من أهمّ أساليب التربية. نعم يتأكّد الأمر
في بعض المناسبات التي تقتضي ذلك كنجاحه وإنجازه أمراً ما مرغوباً فيه. عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من دخل السوق فاشترى تُحفة فحملها إلى عياله، كان
كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّ من فرّح ابنه فكأنما
أعتق رقبة من وُلد إسماعيل، ومن أقرّ بعين ابن فكأنّما بكى من خشية الله عزّ وجلّ،
ومن بكى من خشية الله عزّ وجلّ أدخله الله جنات النعيم"(6).
6- أسلوب إرضاء الطفل
من المرغوب فيه أن يعمد الأب أو الأم إلى المبادرة لإرضاء الطفل (تطييب خاطره)
وتفريحه وإدخال السرور على قلبه، خصوصاً قبل النوم. إذا كان مُكدّراً، فمن الخطر
على الصحّة النفسيّة أن يذهب الطفل إلى فراش النوم وهو يعيش في داخله طاقة سلبيّة
من الحزن والكآبة والغضب.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّه من يُرضي صبيّاً له صغيراً من
نسله حتى يرضى ترضّاه الله يوم القيامة حتّى يرضى"(7).
7- أسلوب الوفاء بالوعد
عادة ما يَعِد الإنسان أطفاله بأن يشتري لهم شيئاً أو يخرج معهم إلى التنزّه أو
زيارة أقارب يهواهم الطفل... إلى غيرها من الوعود، ثم يتراجع عن وعده. فعلى المربّي
أن يلتفت إلى خطورة التراجع عن الوعد وعدم الوفاء به، من ناحية كسر صورة الصدق
والثّقة به في نفس الطفل.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّوا الصبيان، وارحموهم، وإذا
وعدتموهم شيئاً فَفُوا لهم، فإنّهم لا يدرون إلّا أنكم ترزقونهم"(8).
8- أسلوب الدعاء للطفل لا عليه
من أساليب التربية استحضار الطفل دائماً في أدعية الوالدين، وعدم الدعاء عليه عند
الغضب منه لأيّ سلوك صدر عنه، بل ينبغي الدعاء له بالهداية والصلاح، ورد عنه صلى
الله عليه وآله وسلم قال: "لا تَدْعوا على أنفسكم، ولا تَدْعوا على أولادكم، ولا
تَدْعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم"(9).
9- أسلوب تكليف الطفل على قدر الوسع
أي أن يوكل إلى الطفل القيام بالأفعال التي تكون على قدر طاقته وعدم تحميله
مسؤوليّات فوق قدرته على التحمّل.
10- أسلوب التآلف مع الطفل
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "رَحِم الله عبداً أعان ولده على برّه
بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه"(10).
والتآلف مع الطفل، يعني أن يقوم المربّي بكلّ الأفعال التي من شأنها أن تُشعر الطفل
بالأنس في الأسرة وأنّه جزء مهمّ فيها، مقابل التفكّك والانقسام والوحشة.
11- أسلوب الشفقة
عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "يجب عليك أن تشفق على ولدك أكثر من إشفاقه
عليك"(11).
12- أسلوب التصابي للطفل واللعب معه
من المسائل المهمّة التي أكّدت عليها الروايات أيضاً في خطّ علاقة الأهل مع الطفل
في التربية باللعب هي: أن يشاركوه اللعب وليس فقط أن يدعوه يلعب، فإنّ لعب الوالدين
مع طفلهما يُشبع حاجاته العاطفيّة، ويؤنسه ويُشعره بدفء العلاقة.
وعلى الوالدين أن ينزّلوا أنفسهم منزلة الطفل الصغير(12) حين اللعب معه، فيعيشون مع
الطفل مشاعره الطفوليّة ويشاركونه أحاسيسه، فيرجعون أطفالاً في حركاتهم وأسلوب
كلامهم ونظراتهم وطريقة لعبهم، ويدعون جانباً الطبيعة الأبويّة التي تريد الحفاظ
على الهيبة مثلاً، فيلعبون مع الطفل كلعب الطفل نفسه. وقد أطلقت الروايات على هذه
الحال مصطلح "التصابي".
عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "مَن كان عنده صبيّ فليتصابَ
له"(13).
13- أسلوب نظرة الحبّ
ينبغي للمربّي أن ينظر باستمرار إلى المتربّي بعين الحبّ بنحو يُشعِر الطفل أنّه
يُنظر إليه بعطف ورحمة وحنان؛ لأنّ هذه النظرة تدخل الفرح والسرور على قلبه، وتجعله
يحسّ أنّه موضع عناية واهتمام وتقدير.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا نظر الوالد إلى ولده فسرّه، كان للوالد
عتق نسمة(14). قيل: يا رسول الله، وإنْ نظر ستين وثلاثمائة نظرة؟! قال: الله أكبر"(15).
ولأهميّة نظرة الحبّ اعتبرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عبادة ونزّلها منزلتها.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "نظر الوالد إلى ولده حبّاً له عبادة"(16).
14- أسلوب كلام الحبّ
أن يردّد المربّي على مسامع طفله يوميّاً: "إنّي أحبّك"، "اشتقت إليك"، "أنت طفلي
الحبيب"... إلخ، من العبارات التي تُظِهر الحب.
15- أسلوب قبلة الحبّ والرحمة
إنّ القبلة على خدّ الطفل أو جبينه من أسمى أنواع التعبير عن الحبّ والرحمة، وقد
ركّز المنهاج التربويّ النبويّ على هذا الأسلوب قولاً وعملاً، فقد كان رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يديم تقبيل طفليه الحسن والحسين عليهما السلام.
ففي يوم كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يُقبّل الحسن والحسين، فقال الأقرع بن
حابس: إنّ لي عشرة من الأولاد ما قبّلت واحداً منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: "ما عليّ إن نزع الله الرحمة منك"(17).
وعن الإمام عليّ عليه السلام قال: "قبلة الولد رحمة"(18).
16- أسلوب ضمّ الطفل
من أساليب أصل الحبّ والرحمة أيضاً في تربية الطفل، ضمّه وشمّه واحتضانه وإجلاسه في
الحجر، فينبغي للمربّي عدم البخل على الطفل بالضمّ والحضن، فإنّ حاجة الطفل إليهما
على حدّ حاجته إلى الهواء والطعام والشراب.
فقد روي "أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبّل الحسين عليه السلام، وضمّه
إليه، وجعل يشمّه، وعنده رجل من الأنصار، فقال الأنصاريّ: إنّ لي ابناً قد بَلَغَ
ما قبّلته قط. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أرأيت إن كان الله تبارك
وتعالى نزع الرحمة من قلبك فما ذنبي؟"(19).
17- أسلوب البسمة
من الأساليب المعبّرة عن الحبّ أيضاً إدامة البسمة في وجه الطفل حتى لو كان المربّي
مثقلاً بالأعباء والهموم.
18- أسلوب المسح على رأس الطفل
فقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا أصبح مسح على رؤوس وَلده ووَلد
وَلده(20).
19- أسلوب المبادرة بإلقاء السلام على الطفل
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس لا أدعهنّ حتى الممات: ...
والتسليم على الصبيان لتكون سنّة من بعدي"(21).
كان ذلك عرضاً لـ19 أسلوباً مختلفاً لتربّي ابنك بالحبّ، ويمكنك أن تجعلها عشرين
وأكثر، لكن تذكّر أنّ الحبّ جناح، والجناح الآخر الحزم.
(*) مدير مركز التحدّيات الثقافية المعاصرة، ومؤلف وباحث تربوي، وأستاذ في
جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالمية فرع لبنان.
1-أصول التربية للطفولة في الإسلام، حسن بن عبد الله بانبيلة، ص221.
2- عدة الداعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحلّي، ص86.
3- الكافي، الكليني، ج5، ص555.
4- المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، الكاشاني، ج5، ص125.
5- مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص222.
6- الأمالي، الصدوق، ص673.
7- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج52، ص363.
8- الكافي، (م.س)، ج6، ص49.
9- صحيح مسلم، ج8، ص223.
10- جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج21، ص411.
11- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج20، الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه
السلام، ص272.
12- مجمع البحرين، الطريحي، ج1، ص260.
13- من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص483.
14- عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أعتق نسمة صالحة لوجه اللَّه عزّ وجلّ كفّر
اللَّه عنه بها مكان كل عضو منه عضواً من النار". الكافي، (م.س)، ج6، ص180.
15- مستدرك الوسائل، (م.س)، ج15، ص169، ح17886.
16- (م.ن)، ص170، ح17894.
17- (م.ن).
18- (م.ن).
19- كشف الغمة في معرفة الأئمّة، الإربلي، ج2، ص272.
20- عدة الداعي ونجاح الساعي، (م.س)، ص87.
21- الخصال، الصدوق، ص271.