للإجابة عن هذا السؤال، يجب النظر إلى ثلاثة جوانب:
أولاً: إيقاع الطلاق بيده كما إيجاب الزواج بيدها
قامت الشريعة الإسلاميّة بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة على أساسٍ خاصٍّ، يقوم
على التوزيع والتنويع لمصالح وحِكمٍ خاصّة. فعقد الزواج يحتوي على إيجاب وقبول من
الطرفين، وقد جعل الطرف الأوّل والأساس فيه شرعاً هي المرأة، فأمْر إيجاب العقد
بيدها، فهي التي تُزوّج الرجل من نفسها، والرجل هو الذي يتولّى القبول، كونه الطرف
الثاني للعقد.
وليس ذلك إلّا لأنّ المرأة مطلوبة والرجل طالب لها، فهو يخطبها ويطلب الزواج منها،
وبيدها أنْ ترضى أو لا ترضى أن تُزوّجه من نفسها، وليس لأحد أنْ يجبرها أو يكرهها
على ذلك.
وهكذا تكون قد وزّعت الشريعة هذين الأمرين بين الرجل والمرأة، فأمر الزواج بيد
المرأة، بينما أمر الطلاق بيد الرجل.
ثانياً: أعباء الزواج والطلاق على الرجل
عندما يقع الزواج الذي يُشكّل عقداً بين طرفين، فله شروط ويستتبع مجموعة من الوظائف
والتكاليف، التي تتناسب وطبيعة خِلقة كلّ منهما.
ومن جملة ما يترتّب على الرجل من ذلك أمران أساسيّان:
الأول: المهر، الذي هو نحلة وهدية من الله تعالى، وحقّ واجب على الرجل أن
يؤدّيه إلى الزوجة.
الثاني: الإنفاق على الزوجة والأولاد.
وهذا الأمران يحصّنان الأسرة ويحفظانها بشكل عام من التفكّك والطلاق، فليس كلّ
الرجال قادرين على تحمّل أعباء الطلاق والزواج مجدداً، لأنّ ذلك يستوجب عليهم دفع
المهر، في حال الطلاق، والإنفاق على الأولاد، وثَمَّ تكاليف أخرى على الزواج مجدداً
من مهر وإنفاق.
وهذا بخلافه عند المرأة، فلو جعل أمر الطلاق بيدها، لاستغلّت بعض ضعيفات النفوس
منهنّ ذلك، وصارت تطلّق نفسها طمعاً بأخذ المهر في حال الطلاق.
ثالثاً: الطلاق يحتاج إلى تروّ وتأمّل
إنّ طبيعة الرجل تميل إلى التدبير والتعقّل بشكل عام أكثر من العاطفة والإحساس
والرقّة، مما يجعله أقدَر على اتخاذ المواقف الحكيمة والتحكّم بعواطفه، بخلاف
المرأة التي تميل بطبيعتها إلى العاطفة بشكل عام.
فالمرأة بما تمتاز به من قوّة العاطفة وبثّ الرحمة والحنان والعاطفة تعطي بهذا
اللون الغذاء للمجتمع، وهذا يجعلها مختلفةً عن الرجل في جانب التروّي والتعقّل
والتدبير واتّخاذ المواقف الهامّة والخطيرة؛ لأنّ قوّة العاطفة تجعل الإنسان سريع
التأثّر والانفعال، متسرّعاً في اتّخاذ القرار.
والطلاق بما يمثّل من حالة انفصال بين الرجل والمرأة، وقد يكون هناك أولاد وأسرة،
يحتاج إلى تروٍّ ووقفة تأمّل وتدبّر، وتفكير بالعواقب، وسعي للإصلاح والترميم.
وبهذا يظهر أنّ جعل الطلاق بيد المرأة، يهدّد تماسك الأسرة ويجعلها في خطر تحكّم
الأحاسيس والعواطف، وليس التعقّل والتدبّر.
ولو لاحظنا بعض التشريعات التي أُحلّت للرجل لوجدنا أنَّ من شأنها أن تحرّك في
المرأة غيرتها، كالزواج المتعدّد والزواج المؤقّت. لذا، لو أنّ أمر الطلاق كان بيد
المرأة لأدّى ذلك إلى كثرة وقوع الطلاق بسبب ما تتعرّض له المرأة من مواقف تبعث على
غيرتها على زوجها.