نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: كيف تستعيد المرأة هويتها؟(*)




إنَّ ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء عليها السلام تُعتبر فرصة ثمينة للنساء المسلمات ليقفن على حقيقة هويّة المرأة المسلمة ومكانتها السامية في نظر الإسلام.

إنّ قضية المرأة، كسواها من القضايا الأخرى، باتت ألعوبة في يد النفعيين الذين يتاجرون بكافَّة القيم الإنسانية في العالم وفي وسائل الإعلام العالميَّة على مرّ السنين والذين لا يعرفون قيمة للمرأة ولا للبشريَّة ولا للكرامة الإنسانية سوى ما يهمّهم من المكاسب الماديّة، فجعلوا من قضية المرأة وسيلة لاستدرار الربح المادي، وراحوا ينشئون حولها الأبحاث، ويبتدعون لها التقاليد، وينشرون عنها الدعايات. وفي مثل هذه الظروف يجدر بالمرأة المسلمة أن تستعيد هويتها عن طريق التأمّل في المفاهيم الإسلامية والمثل الدينية واستكناه الخطوط والتدابير التي اتخذها النظام الإسلامي من أجل تطور ورخاء المرأة والرجل، وأن تتسلَّح بالأدلَّة الموضوعيَّة في مواجهة سفسطة وهراء العناصر الصهيونية وأصحاب الثراء الفاحش واللاهثين خلف بريق الذهب. لقد وقف الإسلام في وجه الجاهلية التي جارت على المرأة وغمطتها حقّها، سواء أكان ذلك على الصعيد المعنوي والفكري أو على مستوى القيم الإنسانية أو في مجال المشاركة السياسية، وفوق كلِّ ذلك في مجال الأسرة، حيث إنَّ هذا المجتمع الصغير المكوَّن من الرجل والمرأة سيجعل من المرأة خاصة عرضة للجور إذا لم تقم عماده في ظل مجتمع تسوده القيم والمثل. ولهذا فقد وضع الإسلام قيماً لكل هذه المجالات الثلاثة.

* الدور المعنويِّ للمرأة
فعلى الصعيد المعنوي أعطى الإسلام للمرأة دوراً مؤثِّراً في سَوق الحركة المعنوية للإنسان صوب التطوّر والمدنية. وعندما يريد القرآن أن يضرب مثلاً للمؤمنين فإنَّه يقول ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ فيضرب مثلاً بامرأة. وكذلك عندما يدور الحديث حول الإيمان والإسلام والصبر والصدق والجهاد في سبيل القيم الإنسانية والإسلامية والمعنوية فإنه يقول ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ. فالمرأة والرجل يسيران جنباً إلى جنب في هذا الاتجاه، ويتقدمان معاً على طريق واحد كما ذكر القرآن الكريم. إنَّ ذلك الصنم الذي أقامته الجاهليَّة للرجل دائماً فأقبل على تقديسه الرجل والمرأة كلاهما، حطّمه الإسلام في هذه الآيات.

* الدور السياسي والاجتماعي للمرأة
كما أنَّ الإسلام يعتبر بيعة المرأة أمراً ضرورياً وقضية حيوية على صعيد القضايا السياسية والاجتماعية. وبإلقاء نظرة على العالم الغربي وتلك البلدان الأوروبية التي تدّعي جميعها الدفاع عن حقوق المرأة -وهي أكاذيب في مجملها- فإنَّنا نجد أنَّ المرأة، وحتى العقود الأولى من هذا القرن، لم يكن لها حق إبداء الرأي، ولا الانتخاب، بل وحتى لم يكن لها حق الملكية؛ أي أنها لم تكن أيضاً مالكة لأموالها الموروثة، وإنَّما كان المالك هو زوجها! ولكن الإسلام يقرّ بيعة المرأة ومالكيتها ومشاركتها في الساحات الأساسية السياسية والاجتماعية، فيقول القرآن الكريم ﴿إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ؛ فالنساء كنّ يأتين أيضاً لمبايعة النبي صلى الله عليه وآله، ولم يقل رسول الإسلام إنَّ الرجال ينوبون عن النساء. فالغربيون متأخرون عن الإسلام ألفاً وثلاثمائة سنة في هذا المجال، ولكنهم يتشدقون بهذه المزاعم! ولقد كان لفاطمة الزهراء عليها السلام حضور واسع في كافَّة الشؤون العامة في ذلك الزمان الذي كان فيه أبوها محوراً لجميع الأحداث السياسية والاجتماعية، وكانت مظهراً لدور المرأة في النظام الإسلامي.

* مكانة المرأة داخل الأسرة
وأما في داخل الأسرة، فقد أوجب الإسلام على الرجل المحافظة على المرأة كما الوردة، ولذلك يقول إنَّ "المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة"(1). وبهذا يقضي النبي صلى الله عليه وآله على تلك النظرة الخاطئة التي كانت لا ترى في المرأة سوى خادمة داخل المنزل؛ فهي على غرار الزهرة ويجب الحفاظ عليها. وبمثل هذا التصوّر ينبغي النظر إلى هذا المخلوق ذي اللطافة والرقة الروحية والجسمية، وهذا هو رأي الإسلام. أي أنَّه حفظ لها خصوصيتها الأنثوية والتي هي خصوصية طبيعية وفطرية، كما أنه محور كافة المشاعر والمساعي النسوية، في حين فتح أمامها شتى أبواب العلم والمعنوية والتقوى والسياسة، وحثها على اكتساب العلم وأيضاً على المشاركة في الميادين الاجتماعية والسياسية المختلفة. وفي نفس الوقت فإنه لا يحق للرجل داخل الأسرة أن يجبر المرأة أو يضطرها أو يدفعها للقيام بما ليس من واجبها، ولا أن يستخدم معها السيطرة الجاهلة واللاقانونية. فهذه هي النظرة الإسلامية.

* خيانة الثقافة الغربية للمرأة
إنَّ الغربيين يتحملون المسؤولية الجسيمة أمام المرأة. وإنَّ الحضارة الغربية لم تمنح المرأة شيئاً يذكر. وما حقَّقته المرأة من تقدُّم علمي وسياسي وفكري فإنَّما بفضل جهودها وسعيها، وهذا يحدث في كلِّ مكان. إنَّ الثقافة الغربية فيما يتعلَّق بالمرأة وجرّ المرأة إلى الانحلال والابتذال في تلك البلدان أدَّت إلى ضعف الأسرة وزلزلت الكيان العائلي، ولم يعد يعطي الزوج أو الزوجة كبير أهمية للخيانة الزوجية، أفليس هذا إثماً؟ أليست هذه خيانة للمرأة؟ وبالتأكيد فإن بين الغربيين مفكرين وفلاسفة وأشخاصاً صادقين وصالحين يفكرون ويتحدثون بصدق، وإن ما أقوله هو إنَّ الاتجاه الثقافي والحضاري العام في الغرب ليس في صالح المرأة بل ضدَّها.

* وظيفة المرأة المسلمة اليوم
إنَّ الهوية الإسلامية هي أن تحافظ المرأة على هويَّتها وخصوصيتها النسائية والتي تُعدّ أمراً طبيعياً وفطرياً. وفي نفس الوقت، فإنَّ عليها أن تتقدَّم وثّابة في مجالات القيم المعنوية، كالعلم والعبادة والتقرب إلى الله، وكالمعرفة الإلهية والسلوك في وديان العرفان. كما إنَّ عليها أن ترقى في المجالات الاجتماعية والسياسية، واستشراف الأهداف الوطنية والكبرى والأهداف الإسلامية التي تصبو إليها البلدان والشعوب الإسلامية، ومعرفة العدو ومؤامراته وأساليبه، والانطلاق إلى الأمام يوماً بعد آخر. وعليها أن تكون قدوة وأسوة، حتى يقولوا إنَّ المرأة المسلمة هي التي تراعي دينها وحجابها ونعومتها ورقتها ولطافتها، كما تدافع في نفس الوقت عن حقوقها، وتتقدَّم في ميادين المعنويات والعلم والبحث والتقرّب إلى الله، وتكشف عن شخصيتها البارزة، وهي -مع كل هذا- حاضرة في الساحة السياسية، ومن هنا تكون أسوة للنساء.


(*) ألقيت هذه المحاضرة في جمع غفير من الأخوات في ذكرى ولادة الصدّيقة الزهراء عليها السلام ويوم المرأة في: 2 جمادى الثانية 1421هـ - طهران.
(1) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج3. ص56.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع