مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مجتمع: 90% من برامج التلفزيون المحلية "حرام"

يوسف الشيخ



وهذه هي الأسباب: دعاية للغرب والجنس، والتنكر للتراث سيد البرامج

في العام الذي دخلت فيه أجهزة إعلامنا المرئية عالم الفضاء استقبالاً وإرسالاً، بدأ الغزو الثقافي الحقيقي يجتاح كل بيت من بيوتنا ولا سيما أن دراسة أشكال التلقي والتلقين تكشف أن التلفزيون غدا في العقدين الماضيين أخطر الأدوات وأفعلها.. وتؤكد الإحصاءات أن 90 بالمائة من البرامج المنوّعة التي تعرض على شاشاتنا في العالم الإسلامي هي برامج تأتينا من الغرب أو تنفذ محلياً برؤية متأثرة بالثقافة الدخيلة..

فالإسقاطات المدمرة للثقافة الغربية لها علاقة نظرياً بغياب الرؤية الثقافية الموحدة لدى القيمين عن صناعة الثقافة والتخطيط لها في بلادنا وعلى رأسهم المؤسسات الثقافية الرسمية التي لم تضطلع أبداً بدورها في حماية الهوية الثقافية. ويستمر منذ "استقلال" أو تاريخ ذهاب الاستعمار مجرد محاكاة هزيلة وقاصرة للتقنيات والآليات الغربية دون رغبة ببناء مضمون حضاري للمادة الثقافية ولغتها.
ومن الواضح أن التقصير الفاضح في هذا المجال يبرز بوضوح في الإعلام المرئي لعدة أسباب سوف نتعرض لها في هذه القراءة والتي سوف تركز فيها البحث عن نموذج لبنان.

* أولاً: الإنتاج يخضع لمتطلبات السوق الاستهلاكية..
من البديهي القول إن الإعلام المرئي أصبح يستأثر في العقد الحالي بقوة بغالبية الاستثمارات المالية الإعلامية فهو أداة إعلامية أخَّاذة تتلاءم مع العقل الشرقي وتدر ربحاً وفيراً إذا ما أخضعت لما يسمى بسوق العرض والطلب.. والمؤكد في هذا المجال أن المستثمر الذي يصرف الأموال في هذا الحقل يغلب المصلحة الذاتية والربح على عامل القيم في ظل انعدام الرقيب القانوني الذي يضع الحدود ويشرف على جودة المادة وأهليتها الأخلاقية والتربوية والثقافية... فتتكسر الضوابط هنا ويصبح اجتياح عناصر الإثارة والتشويق اللازم للترويج خاضعاً لصاحب المال المرتبط بتعقيدات مصلحية تفرض عليه تشجيع العنصر الأجنبي على العنصر المحلي في مبدأ الترويج للمادة البرامجية أو للسلع التي يروج لها.

وإذا ما كان المفتاح بيد المستثمر فإن القيمة الثقافية أيضاً تخضع لمصالح هذا المستثمر الثقافية أيضاً وهنا تحل الكارثة...
فيصبح العرف المتبع هو الحاكم وهو الضابط فتنعدم القيمة ويطغى عامل التجارة... ولعل الأمثلة التي تعرض أكبر مصداق، بدءاً من الإعلانات مروراً بالبرامج، فعلى سبيل المثال يمكن أن تروج للدخان أخطر سموم هذا العصر بطريقة متقنة أخَّاذة ولا يلزمك القانون إلا وضع عبارة وزارة الصحة تحذر: "التدخين يؤدي إلى أمراض خطيرة ومميتة" غالباً ما يمررها المعلون وقبل عرض دعاية الدخان أو خلالها بخط ضعيف يكاد لا يرى بينما تروج الدعاية للحياة العصرية ولجزر "الجنة" ولحياة البحر وخلافه لهدف ثقافي معروف وهو الترويج لبلد المنشأ،

 وغالبية الدخان ومصانعه تعود لأمريكا فيصبح الإعلان دعاية مزدوجة لبلد المنشأ أولاً وللسلعة ثانياً، ففي دعاية يقول لك "تعال إلى حيث الكمال في المتعة، تعال إلى عالم مارلبورو" والطريف أن هذا النمط المزدوج استعمل بشكل مستهجن إبان رعاية أمريكا لكأس العالم لكرة القدم عام 1994 عندما بدأ الدخان يروج عن طريق لاعبي وفرق كرة القدم وهذا قمة الاستخفاف فماذا يجمع الرياضة بالتدخين!
ولا حاجة لإعادة ذكر الاستعمال الرخيص للنساء وإيحاءات الجنس،

 ومؤخراً التعري للإعلان عن أدوات تجميل مثلاً أو حلويات أو حتى سيارات. ومن المضحك المبكي في آن أن إحدى الدعايات التي تروج للسيارات تعتمد على إحدى النساء التي ترتدي ثياب البحر الفاضحة للترويج للسيارات وهذه مفارقة فاضحة أخرى فإما أن يكون العري هو المطلوب وإما أن يكون الإيحاء هو المطلوب وهو الجمع بين السيارة والمرأة وهذا أيضاً مستهجن.

* ثانياً: إثارة الغرائز والجنس..
إن خطر الإعلام المرئي يكمن بوهمية العالم الخيالي الذي يصوره وينقله للناس كحقيقة مرئية، فالتلفزيون يتميز بأنه أداة إعلامية تتمتع بالشفافية في نقل الصورة إلى الجمهور ودون استخدامها خطر شديد حيث إن الصورة تخضع لزاوية رؤية المصور والمخرج وفلسفة هذه الزاوية الإعلامية ونفس الصورة إذا ما أخذت من زاوية مغايرة قد تعطي انطباعاً أو تصوراً مخالفاً بل مناقضاً للزاوية الأخرى.. إلا أن الوضوح المطلوب والحقيقة المتوخاة من عدسة الكاميرا يساء استخدامها حيث تخصص فقط "للجنس والإثارة" وفي لبنان بدأ هذا العامل يحتل الإنتاج المحلي بصفاقة من خلال مسابقات ملكات الجمال أو عروض الأزياء والبرامج المحلية ويزيد التقليد الأعمى للنموذج الغربي من بشاعة المنظر،

 إلا أن المروجين يعتمدون أسلوب التكرار التلقيني لهذه البرامج ولمدة تتراوح بين (30 و60) يوماً مع إحاطة هذا الترويج بهالة "العظمة".
وفي بعض المسلسلات المحلية بدأ التسابق يزداد بين محطتين مرخصتين حول أيهما يقدم مادة جنسية أكثر، فالأول يمكن اختصاره بالعناوين التالية (خيانة، زنا متكرر، شبكة دعارة، قيادة، تعري) ومن خلال ملاحقة المضمون يتبين أن موضوع شبكة الدعارة اخترع قهراً بهدف التمايز الجنسي وعرض قصص وحياة الساقطات اليومية علماً أن لا علاقة له بمجمل موضوع البرنامج وخاصة أن هذه الشبكة وفقاً للسياق كان يمكن أن تكون عصابة للسرقة أو شبكة لترويج المخدرات وكانت ستعطي مادة قيمية أفضل لو استعملت في هذا المجال.

أما المسلسل التالي والثالث فقد بات الجنس أحد سماتهما الرئيسية خصوصاً في التقليد الأعمى بحيث تلاحق الكاميرا أبطال وبطلات المسلسل إلى "فراش الزنا والخيانة".
ومن ذلك أيضاً إعلانات الفوط الصحية التي تعرض في أخطر الأوقات وأهمها بين فاتحة وخاتمة نشرات الأخبار وهي تعرض نساء يقدمن كأنهن عصريات يتحدثن عن محاسن هذه الفوط مع إيحاءات تشعر وتدفع على الخجل.

ولا ننسى برامج الحوار المفتوح التي تحدث أحدها عن العجز الجنسي وعرض أكثر من مشارك تفاصيل مخزية لكامل العملية الجنسية بلا حياء مما أثار حفيظة المرجعيات الروحية كافة في لبنان والتي ثارت على البرنامج الذي يدّعي حرية الحوار والانفتاح غير المقيَّد.

* ثالثاً: التنكر للثقافة والتراث المحلي..
من الواضح أن السنوات القليلة الماضية شهدت نزوعاً قوياً نحو المسلسلات المكسيكية المدبلجة باللغة العربية والتي صارت حديث الشارع وبدأت تفعل فعلها التخريبي في المجتمع.. ولا سيما أن سجلات النفوس سجلت عشرات حالات إطلاق أسماء أبطال وشخوص هذه المسلسلات على مواليد جدد.. وبيع عشرات الآلاف من صور هذه الشخوص وصار الدفتر المدرسي مزيناً بصورة فلان أو فلانة من أبطال هذه المسلسلات، كما أن نفس الأبطال صاروا ميزاناً للمقارنة في الشكل واللباس والمضمون وحتى الأخلاق.
وإذا ما حللنا هذه المسلسلات نرى بأنها فارغة تماماً من حيث المحتوى الثقافي يغلب عليها طابع الثقافة والأدب اللاتيني الذي يعتبر الجنس أحد أولياته، فالخائنة التي تنتقل من "عاشق" إلى "عاشق" تصور كبطلة مظلومة نكبها الدهر.

والمتسلط هو محور المسلسل، ولا يخلو مسلسل من هذه المسلسلات من ولادة ابن أو ابنة زنا بين فاتحته ونهايته التي تطول وتطول حتى تبلغ 200 حلقة أو أكثر.
وغالباً ما تكون القصة مشجعة على أنماط العيش التي يحياها هؤلاء الأبطال وهي حياة الثراء الذي يخلو من القيم الأخلاقية الحميدة في مجتمعنا ويطول الحديث عن الموضوع ولكن لا بأس لو عرضنا نموذجاً آخر للتنكر للتراث.

مؤخراً عرضت أغلب المحطات إعلاناً عن سلعة منتجة محلياً ظهر فيها بشكل فاضح رغبة المعلنين المستقبلية بتحطيم الريف وإنتاجه ودور الأم، ففي إحداها تقوم الأم بتحضير طعام لبناني مشهور ويلزم تحضيره الجيد القيام بعدة أعمال، الأم محتارة بالتحضير الولد يضحك ويشير إلى علبة الطعام المحفوظ الذي تنتجه إحدى الشركات المحلية ويقول لا حاجة لكل عذابك بعد اليوم يكفي أن أقو بفتح العلبة والمباشرة بالطعام.
أما في الثانية فيعرض كيفية تحضير المربيات في البيئة الريفية. بيت ريفي قديم، مصطبة، موقد حطبي، دست، امرأة ورجل كبيري السن والمربى يغلي، ثم يقدم لك صاحب الإعلان الإنتاج البديل عن كل ذلك علبة محفوظة لا تمسها أي يد عاملة..

هذا غيض من فيض ولا حاجة للعرض أكثر لأن العرض يلزمه صفحات المجلة بكاملها، إن هي إلا عينات عشوائية لعرض المشكلة التي يقول فيها الشرع الحكيم "إنها حرام إذا ما كانت تفسد النفس والخلق" وبهذا يكون الحل قد قدم بكل سهولة وبلا تعقيدات لأن منطق الإعلام المرئي في بلدنا يخضع للحادثة التالية: "في إحدى المقابلات الإذاعية سأل أحد المستمعين مسؤولاً هو مخرج فني ومدير لبرامج إحدى المحطات التلفزيونية الكبرى عن السبب الذي يدفع هذه المحطة للتركيز الدائم على عناصر الجنس والإثارة في مجمل برامجها، رد عليه المسؤول: "أنا لست نبياً، نحن نعرض ما يطلبه السوق العصري وهناك محطات عديدة فالذي لا تعجبه برامجنا فليتحول إلى أي محطة أخرى "ما حدا جابرو يحضرنا".
هذه هي ثقافة التلفزيون التي يحرمها الشرع فهل نستقيم كما أمرنا.

إلى متى تبقى الثقافة التلفزيونية خاضعة إلى ما يطلبه السوق من عناصر إثارة وغيرها؟!


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع