نبيل سرور
إنَّ التلفاز يقدِّم للطفل ثقافة جاهزة، ولكنَّها مبعثرة
ومعلَّبة، وقد جعل كافَّة الأدوات الباعثة على الحيوية والحركة التي بحوزة الطفل
قليلة الأهميَّة بالنسبة للطفل بسبب انصرافه لمشاهدة المسلسلات المتعدِّدة
المشوِّقة وغير المشوِّقة، المفيدة وغير المفيدة، التي تستغرق أوقاتاً طويلة، تحرمه
من فوائد اللعب، ومتعة الخروج من المنزل إلى الحدائق والملاعب والأندية الرياضيَّة
والمكتبات. لقد أصبح التلفاز الشغل الشاغل للصغار والكبار صباحاً ومساءاً، وبات من
الصعب الاستغناء عنه وتجاهله سواء كان صديقاً أم عدواً، ولا بدَّ من قبوله في
المنزل والتعامل معه وجعله ينسجم مع متطلِّبات سائر أفراد الأسرة على اختلاف
أعمارهم وثقافاتهم.
* غنى ثقافي
لا شكَّ في أنَّ للتلفاز فوائد عديدة، ثقافية وفكرية وتربوية، ويقدِّم خدمات كثيرة
لكلِّ الأسرة، وخاصة بالنسبة للطفل حيث يوجه الفكرة والذاكرة والخيال ويفتح ذهن
الطفل على العديد من المسائل الحياتية، وينمِّي معارفه، ويقدِّم له معلومات عامَّة
من جغرافيا وعلوم وفن، وما إلى ذلك. إنَّ هذه الثقافة المبعثرة والمستقبلة بطريق
المصادفة تلعب دوراً كبيراً في إغناء ثقافة الطفل، فالصورة تثبت المعلومات وتشدّ
الانتباه، كما يعد جهاز التلفاز مصدراً للهدوء بالنسبة للأطفال، فالطفل المتسلِّط
أو كثير الحركة في المنزل يصبح هادئاً لا يتحرَّك أمام جهاز التلفاز، وبذلك يُعدّ
التلفاز مصدراً من مصادر الراحة بالنسبة للأسرة. لقد دلَّت الأبحاث التي أجريت على
أثر التلفاز في الأطفال -سواء منهم الموهوبون أو أصحاب الذكاء العادي الذين تُتاح
لهم فرصة مشاهدة التلفاز قبل دخولهم المدرسة - أنَّهم يباشرون حياتهم المدرسية
بنتاج لغويٍّ يزيد عن نتاج زملائهم الذين لا يُشاهدون التلفاز، كما يُساعد التلفاز
الطفل المتفوِّق على التعلّم في سنوات ما قبل المدرسة. كما يرفع قدرات الطفل
المتدنية، ويجعلها أفضل. ولا بدَّ من القول إنَّ التلفاز يُساهم في تقديم الثقافة
الجاهزة للصغار، بشرط أن تكون البرامج مناسبة للطفل، ويحسن الأهل اختيارها من بين
البرامج المعروضة. ولكنَّ القليل من الوالدين يحاولون معرفة ما إذا كان عقل الطفل
يتجاوب أو لا يتجاوب مع ما يراه من برامج بل يترك الطفل وشأنه أمام الجهاز ليرى
فيضاً من الصور والمشاهد المتتابعة دون مراقبة.
* مساوئ التلفاز
إنَّ مساوئ التلفاز متعدِّدة أبرزها:
1- أثره في صحَّة الطفل، نظراً لأنَّ عيني الطفل لا يمكن أن تتحمَّلا مشاهدة
التلفاز لأكثر من ساعتين متتابعتين، فضوء الشاشة يؤثِّر سلباً في صحَّة عيني الطفل،
كما أشار العديد من الأطباء وينصحون بأن توزَّع الأوقات أثناء النهار، وألا تتجاوز
فترة مشاهدة التلفاز أكثر من ساعة متواصلة، ولذلك يجب عدم استخدام التلفاز كوسيلة
لعقاب الطفل أو لمكافأته، حتى لا تتكون عند الطفل الرغبة في مشاهدة التلفاز لفترة
أطول، ولكيلا يصبح التلفاز ومشاهدته ذات قيمة في حدِّ ذاتها بل للبرامج المختارة،
كما يجب أن لا يُستخدَم التلفاز كوسيلة لتهدئة الطفل دون الإهتمام بما يراه على
شاشته من برامج.
2- تأثيره في تعطيل خيال الطفل، فالطفل الذي يشاهد التلفاز يستسلم للمناظر والأفكار
التي تقدَّم له دون أن يشارك فيها، وعليه يكون حسُّه النقدي غير موجود، وتكون بعض
قدراته وحدها هي التي تعمل دون المشاركة بالتفكير، وهو لا يبذل أيَّ جهدٍ في تشكيل
ما يراه، فالجهاز هو الفاعل وهو الناقد، ويقتصر دور الطفل على استقبال ما يُعرَض
عليه. إنَّ الثقافة المبعثرة التي يقدِّمها جهاز التلفاز تقدِّم الفكر دون أن تدخل
إلى النفس، ويُصبح الطفل قادراً على وصف ما يراه من مناظر وصور، ويتذكَّر الأشكال
العامة للمدن والمناظر الطبيعيَّة، وبذلك يكون التلفاز يخدم الذاكرة أكثر من
التفكير.
3- ومن مساوئ التلفاز، إذا لم يحسن استخدامه، أنَّه قد يحرم الطفل من ممارسة
نشاطاته الخاصة الضرورية كالرسم والمطالعة والحوار مع والديه.
4- ومن مساوئ التلفاز أنه قد يحرم الطفل من ممارسة اللعب، الذي يعتبر ضرورياً لنمو
الطفل الجسمي والنفسي. لذا لا بد أن يخصِّص الوالدان جزءاً من وقتهما للعب مع
طفلهما، ومشاركته في ألعابه، قدر الإمكان، دون أن يبالغا في اللعب كل المبالغة، حتى
لا يصبح اللعب من أجل اللعب بل لإشعار الطفل بحضورهما معه مع تركه يلعب بمفرده مع
مراقبته ومتابعته من حين إلى آخر. كما أنَّه من الضروري أن يُغادر الطفل المنزل
مرتين في الأسبوع، على الأقل، لكي يذهب فيه إلى حديقة أو ناد ليلعب ويجري دون قيد.
* التلفاز ليس باعثاً على الانحراف!
لا يعد التلفاز الباعث لانحراف الأطفال، نظراً لأنَّ الانحراف ظاهرة اجتماعيَّة
موجودة قبل ظهور التلفاز، فهو لا يسبِّب الانحراف بل يكشف عنه عند الأطفال، ويُظهره
عن طريق تعزيزه بالأسلوب الذي يستعين به في تنفيذ السلوك السيئ. إنَّ الانحراف لا
يأتي من التلفاز ولكن من الحياة المنزليَّة المضطربة ومن سوء التربية، فالطفل الذي
ينشأ في جو عائلي لا يسوده الحبُّ والطمأنينة والدفء النفسي يكون عُرضةً للانحراف،
وإذا ما شاهد برامج عنف أو شذوذاً، فإن ذلك يثيره ويكشف عن شخصيته الحقيقية. ولا شك
في أنَّ عروض التلفاز العنيفة قد تترك آثاراً سلوكية سلبية في الطفل، كما تتفاقم
المشكلات النفسية الموجودة أصلاً عنده ويجعلها في حالة أسوأ. ويأتي دور الوالدين في
منع الأطفال من رؤية البرامج التي لا تناسب سنهم ومحاولاتهما - قدر الإمكان -
تجنيبهم مشاهدة أفلام العنف والإثارة والهيجان. إنَّ أفضل طريقة لاختيار البرامج
المناسبة للطفل هو معرفة البرامج مسبقاً، والعمل على اختيار البرامج التي سيشاهدها
الأطفال ومعرفة أوقاتها، وإتِّباع ذلك بصورة منتظمة ودائمة، قدر الإمكان، حتّى
يعتاد الطفل ذلك وينصرف في باقي أوقاته إلى الدراسة أو اللعب أو ممارسة النشاطات
الضرورية المختلفة. كما يجب على الوالدين التفكير في كافة العوامل قبل اتِّخاذ أي
قرار يتعلَّق بالسماح للطفل بمشاهدة البرامج التلفازية المختلفة، والعمل على تعريف
الطفل بالبرامج الصالحة المناسبة له، وبالبرامج غير المستحبة، وتبيان سبب عدم
السماح له بمشاهدتها. ولا شك في أن ذلك لا يعني أن باستطاعة الوالدين اختيار الأفضل
دائماً، فقد تأتي الأخطاء من القائمين على اختيار مسلسلات الأطفال أنفسهم، إلا أنه
بالإمكان تجنب الأخطاء قبل وقوعها.