نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عاشوراء تهذبنا

تحقيق: نانسي عمر



مع بداية شهر محرّم الحرام وليالي العزاء يبدأ الحديث عن المدرسة العاشورائيّة التي تزخر بالقِيَم والدروس الدينيّة والأخلاقيّة التي نكتسبها من كلّ قصة عاشورائيّة.

* منظومة قيم في يوم واحد
من تضحية الإمام الحسين عليه السلام وعزَّة نفسه، إلى صبر السيّدة زينب عليها السلام وعفّتها ورباطة جأشها، وصولاً إلى إيثار العبّاس عليه السلام ووفائه، كلّها دروس تعلّمناها من عاشوراء، تربّينا عليها وغيّرت الكثير من سلوكيّاتنا الحياتية. فالمدرسة العاشورائية التي نحيي مجالسها كلّ عام هي التي تربّى عليها المجاهدون، وتخرّج منها الشهداء، واقتدى بها آباؤهم وأمهاتهم. يوم واحد كان كفيلاً بإعطاء العالم أجمع، وليس محبّي أهل البيت فحسب، بل أعدائهم أيضاً أو من كان يجهلهم، منظومةً متكاملةً من القيم والدروس والعبر يحكيها أبناء كلّ جيل لأبناء الجيل التالي.

* ماذا تعلّمنا من عاشوراء؟
1- الصبر والالتفات إلى القيم الحسنة

ترى خديجة (27 عاماً) أنّ أكثر شخصية كربلائية تؤثّر فيها هي السيّدة زينب عليها السلام ، فهي "علّمتنا الصبر على البلاء والتسليم لأمر الله وقضائه، بالإضافة إلى الحفاظ على حجابنا الشرعيّ الكامل وعلى صلاتنا في وقتها وأن نصون أنفسنا عمّا حرّم الله". وتبدي غدير (أمّ لطفلين) سعادتها لما تعلّمته من محاضرات الخطباء الحسينيين خلال أيّام عاشوراء؛ "لأنّها تدلّنا على الأخلاق والقيم الحسنة التي نحتاج إليها". وتضيف: "لقد تأثّرت كثيراً بما قاله أحد الخطباء في أحد المجالس حول البذخ والإسراف اللذين نعيشهما في حياتنا اليوميّة من خلال هدر الطعام والمال بشكل مؤسف في أمور تافهة، بينما يمكننا الاستفادة منهما في أمور أخرى، أهمّها التصدّق على الفقراء والمحتاجين والأيتام، الذين يشتهون لقمة العيش، ويتعبون للحصول عليها".

2- البكاء على الحسين مدرسة تضحية ووعي

وتؤكّد بتول (والدة لطفلتين) أنّها تهتمّ كثيراً بالحفاظ على اللّباس الأسود لطفلتيْها خلال أيّام عاشوراء حتّى ولو كانتا صغيرتيْن؛ لأنّ ذلك يربّي فيهما حبّ الحسين عليه السلام ويشجّعهما على حضور المجالس والاستماع إلى قصص كربلاء. وتضيف: "أحاول جاهدةً خلال الأيام العشرة أن أبتعد عن مظاهر الفرح بأشكالها، وأن أُبقي على أجواء الحزن في المنزل من خلال الاستماع الدائم إلى اللطميّات، وأن أنقل لابنتَيّ معنى عاشوراء وماذا حصل في كربلاء كي تتلقّيا الدروس المستفادة منها، وتحافظا على حجابهما واقتدائهما بأهل البيت عليهم السلام عندما تكبران؛ لأنّ ما حصل في كربلاء من تضحية الإمام الحسين عليه السلام بنفسه وأولاده وأصحابه كان من أجل الحفاظ على ديننا وكرامتنا وشرفنا".

ويقول أبو عليّ: "إنّ أهم ما يجب أن نقوم به خلال أيام عاشوراء هو إظهار الحزن على فاجعة سيّد الشهداء عليه السلام من خلال تجنّب إشهار الضحك أو ما يؤدّي إليه، كمشاهدة البرامج الكوميدية أو سهرات الأصدقاء التي تضمّ النكات والتهريج. ويجب على كلّ فرد أن يشارك في المجالس الحسينية من خلال الحضور المباشر، وأن نعمل على توعية أطفالنا حول ملحمة كربلاء والدروس المستفادة منها، لأنّ عاشوراء مدرسة مليئة بالقيم التي يجب أن نربّي أجيالنا القادمة عليها".

3- الالتزام بالواجبات والأخلاق الدينية

أمّا هدى (29 عاماً) فتعتبر أيّام عاشوراء فرصة لتغيير سلوكنا في المجتمع، "فمن قصص عاشوراء تعلّمنا الصبر، والعفّة، والحياء والالتزام بتعاليم ديننا ونهج نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم مهما كلّف الأمر. وهي أيضاً فرصة للتصدّق على المحتاجين وتوزيع الطعام والمياه على الناس على حبّ الحسين وأهل البيت عليهم السلام، وهي ظاهرة باتت لافتة لكثرة انتشارها في كلّ مناطقنا ببركة الحسين عليه السلام".

من جهة أخرى، يعبّر محمد عن امتعاضه من أولئك الذين لا يراعون الناس في أيام عاشوراء، "فيزعجون الجيران وأهل الحيّ بالأصوات المرتفعة من البيوت أو السيّارات في أوقات متأخّرة من الليل حيث يكون الناسُ نائمين، وهذا ليس من أخلاقنا"، يقول محمد: "ولا ما يريده منّا الإمام الحسين عليه السلام ، فأهل البيت عليهم السلام علّمونا أن نحترم الجيران وخصوصيّات الآخرين ونسعى لراحتهم. أمّا سماع اللطميّات فهو للتمعّن بكلماتها وللحزن والأسى على مصاب سيّد الشهداء عليه السلام ".

أمّا مريم (13 سنة) فقد رأت في عاشوراء فرصة لتجييش الروح الزينبية في داخلها، فقرّرت ارتداء العباءة الزينبية والالتزام بها "لما لها من تأثير على ضبط السلوك والالتزام بالواجبات الدينية والأخلاقية" تقول زينب، وتضيف: "بهذه الطريقة أُثبت أنّ السيّدة زينب عليها السلام هي قدوتي، وإنّ التزامي بحجابي الكامل والمحافظة على الحياء والأخلاق الحسنة تجعلني أنال رضى السيّدة زينب والإمام الحسين عليهما السلام".

* الحسين عليه السلام تجلٍّ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

تحدّثنا مع سماحة الشيخ إبراهيم بلوط (خطيب حسينيّ) لنسمع رأي العلماء في هذه المسألة، فقال: إن انتماء الإنسان إلى دين أو خطّ معيّن يجب أن ينعكس على وجوده وسلوكه بما ينسجم مع إملاءات وفرائض هذا الدين أو هذا الخط. والخط العاشورائيّ هو خطّ الدين الإسلاميّ ونهج أهل البيت عليهم السلام؛ لأنّ وجود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجلّى في وجود أهل بيته، وخاصّة الإمام الحسين عليه السلام الذي كان عزيزاً على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبضعةً منه.

ويرى الشيخ بلوط أن حالة الحزن على فَقْد عزيز ما تفرض أنّ يظهر الحزن على الفاقد، ومن جهة أخرى، فإنّ ودّ أهل البيت هو عِدلُ الدين، لذا يجب على محبّ الحسين عليه السلام أن يهيّئ نفسه للعزاء بما يليق بصاحب العزاء. وكما يُنقل في الرواية "إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً"؛ لذا يجب الحرص على عدم جفاف الدمعة، فهذه الدموع هي التي عرّفت العالم بالإمام الحسين عليه السلام ومصيبته، وهي التي حافظت على نهجه حتّى يومنا هذا، وهذه القضية يجب أن نُثبتها بما يستدعي إظهار مظلومية الحسين عليه السلام والحفاظ على أسباب ونتائج ثورته المباركة.

* الحلال حلال ولكنْ للمناسبة آداب
وبحسب الشيخ بلّوط، فإنّ ما هو محرّم في غير أيّام عاشوراء يبقى محرّماً خلالها، وما هو حلال في غيرها من الأيام يبقى حلالاً خلالها أيضاً، ولكن بعض الأمور من المطلوب إظهارها خلال هذه الأيّام، منها: لبس السواد، رفع رايات الحزن العاشورائية، وإطعام الناس وخاصة الزوّار على حبّ الحسين عليه السلام ، بالإضافة إلى إحياء ذكر الحسين وإقامة المجالس الحسينية، وتجنّب مظاهر الفرح على أشكالها، التي لا تليق بمصابٍ كمصاب الحسين عليه السلام وأهل بيته في عاشوراء.

ومن جهة أخرى، ورد في بعض الروايات تجنّب التسوّق خلال يوم عاشوراء لغير المتطلّبات الأساسية اليومية، فقد ذُكر في الحديث أنّه لا بركة في من يهيّئ فيه لبطنه ولعائلته؛ أي من يهيّئ مؤونته خلال يوم عاشوراء. كذلك يجب الامتناع عن الأمور التي تستدعي الاستخفاف بأهل البيت عليهم السلام ومصائبهم، فالإنسان العاشورائي يحمل فكراً وعاطفة تفرضان عليه التزاماً سلوكيّاً، ومن يُبقِ هذا الفكر وهذه العاطفة في ذهنه ولا يحوّلهما إلى سلوك عملي يكنْ فكره مجرّداً لا فائدة منه على الصعيد العمليّ.

* الحسين عليه السلام مظلومٌ ومنتصر
أمّا عن القيم التي أوصلتها إلينا المدرسة العاشورائية فهي، بحسب الشيخ إبراهيم بلوط، منظومة إنسانية متكاملة بما تنطوي عليه من دلائل ومؤشّرات، على رأسها رفض الظلم ومقارعة الطغيان بما جسّده الإمام الحسين عليه السلام في ثورته العظيمة، إلى جانب حريّة الرأي والفكر التي يجب على الإنسان أن يدافع عنها كي لا يتحوّل إلى آلة لا رأي لها. هذه الحريّة ومقارعة الطغيان لم يكونا يوماً محصورَين بأتباع الإمام الحسين عليه السلام، فهذا غاندي يقول قوله المشهور: "تعلّمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر". كذلك، فإنّ الصبر والتمسّك بطريق الحقّ ونبذ الخوف والتردّد، والمضيّ قدماً في مواجهة الظلم والطغيان هي أعظم دروس نتعلّمها من عاشوراء القيم والعبر، حيث تمتدّ إلى الأفراد أنفسهم، فيتعلّمون كيف يعيشون الحقّ في وجودهم، وكيف يحاربون الظلم في نفوسهم وكيانهم كي لا يصبحوا هم أنفسهم ظالمين ومفسدين، بل أن يكونوا متعاطفين متوادّين متحابّين فيما بينهم كالإخوة وكالجسد الواحد، كما كان الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه في كربلاء.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع