تفخر التعبئة بأنّها سائرة على درب ومدرسة عاشوراء. فثمّة تناسب بين هوية التعبئة وحقيقتها، وهوية محرّم وعاشوراء. طبعاً، عاشوراء هي ذروة التضحية والإيثار.
التاريخ، والعالم كُلّه، عرف قضية عاشوراء وقضية الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه الأوفياء بهذه الخصوصية: التضحية والإيثار في سبيل الله، وفي سبيل تحقيق الأهداف الإلهية. بيد أنّ قضية عاشوراء ليست فقط قضيّة تضحية وشهادة، بل هناك حقائق أخرى في هذه القضيّة وهي بذور المعرفة والبصيرة التي نثرت منذ بدْءِ مسيرة الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى كربلاء، وهذه من خصوصيّات واقعة عاشوراء.
*البصيرة تُظهر الحقائق
إذا لم يكن الناس متحلّين بالبصيرة فإنّ تنوّع الحقائق لن يُصلح أمرها، ولن يعالج مشكلاتها. وعليه، فإنّ الإخلاص ومعرفة الظرف والزمان ونثر بذور حركة تاريخية متصاعدة تعتبر من خصوصيّات عاشوراء المهمّة. فالقضية لم تنته في ظهيرة العاشر من محرّم، والواقع أنّه من بعد ظهيرة ذلك اليوم انطلق في التاريخ تيّار تصاعد وتنامى، ولا يزال كذلك. لقد أخذ الإمام الحسين عليه السلام كل ما يملك إلى السّاحة من أجل إعلاء كلمة الحقّ ولأجل إنقاذ الناس. هذه بعض الخصوصيات التي يمكن للإنسان أن يراها ويذكرها في هذه القضية.
*حقيقة التعبئة
دربُ التعبئة هي نفس هذا الدرب، وهي نفس هذه الحركة، ولها نفس الأهداف. التعبئة هم جماعة مضحّية من الناس ولأجلهم. التعبئة هي تشكيل جماعة في مسيرة عظيمة لشعب مجـــاهد. دورهـــا المشاركة في ميدان الدفاع وميادين العلم والسياسية والثقافة وفي مساعدة المستضعفين والمحتاجين، وفي معالجة مختلف قضايا البلاد، وفي الرياضة، وفي النجاح والتألّق بين الأُمم، أي دورها المشاركة في أي عمل فيه خير، هذه هي حركة التعبئة. إنها حركة جماهيرية شعبية لأجل الناس قِوامها النساء والرجال والشباب والشيوخ والناشئة والقطاعات المختلفة، إنّها تشكيل منظومة حزب حقيقية لله.
التعبئة سياسية لكنّها ليست مصابة بالسياسة والألاعيب السياسية وليست فئوية. التعبئة مجاهدة لكنّها ليست متطرّفة وعديمة الانضباط. التعبئة ذات بصيرة لكنّها ليست معجبة بنفسها. التعبئة غيورة وحارسة للخطوط الفاصلة، ومنحازة للعلم لكنّها ليست منبهرة بالعلم السّطحي، هي متخلّقة بالأخلاق الإسلامية لكنّها ليست مُرائية. التعبئة تعمل لعمارة الدنيا لكنّها نفسها ليست من أهل الدنيا.. هذه هي ثقافة التعبئة.
*الثقافة التعبوية
الثقافة التعبوية هي مجموعة المعارف والأساليب والسلوكيّات التي بوسعها إيجاد مجموعة عظيمة في الشعب تضمن الحركة الإسلامـيّة الـمـستـقيمة والمستمرة لذلك الشعب. هذا فكر وثقافة.. وهو ليس مجرد فكر في الذهن إنّما يوجد في الخارج وفي الواقع العيني. لقد غيّرت الحركة التعبوية مصير إيران، بل مصير دول خارج حدود إيران.
لقد كان المعلّم الأول في العصر الحديث أفراد تعبئة إمامنا الخميني الجليل، والجميع تعلّموا من: المعاقين والجنود والمضحّين في هذه الثورة.. تعلّموا كيف يمكن تحطيم أساطير القوّة المادية، وكيف يمكن تحطيم الأصنام على اسم الله، وكيف يمكن الصمود والمقاومة.
هذه حقائق تعرّفها التعبئة لنا اليوم، بوجودها وحقيقتها وأهدافها. فبمثل هذه الثقافة وهذه التعاليم، وبمثل هذه الروح يمكننا أن نجعل الكثير من المستحيلات ممكناً ومتحققاً، وسوف تستمر هذه الحركة، بإذن الله.
يُلاحَظ في الوقت الراهن تحرّكات وحالات نشاط في كل المنطقة الإسلامية والعربية. هذا الشيء هو الذي كان ينتظره مَن تعرّفوا إلى حقيقة الثورة الإسلامية منذ ثلاثين عاماً، وبقي أعداء الثورة يرتعدون من تحقّقه طوال ثلاثين سنة. فمخطّطو المؤامرات ضد الثورة الإسلامية كانوا يتوقّعون حدوث مثل هذه الأحداث، وقد حدثت، وسوف تستمر ولن تتوقف.
*الشعوب استيقظت واختارت طريقها
لقد رفعت الشعوب المسلمة في المنطقة العربية اليوم رأسها ووعت واستيقظت. وليس بوسع الأعداء قمعها أو تحريف مسارها. لقد انطلقت الحركة وتركت تأثيراتها على الواقع في العالم. الحركات التي ترونها اليوم تشير إلى تغييرات هائلة سوف يشهدها العالم في المستقبل. إنّنا لا نستغرب من ردود أفعال الأعداء ومن التهديدات التي يطلقونها ومن فرضهم الحظر الاقتصادي... لا نتعجّب مما تفعله بلدان الاستكبار في هذه الفترة لمواجهة نظام الجمهورية الإسلامية. إنّهم يعلمون أنّ الجمهورية الإسلامية هي قطب هذه الحركة، وصمود الشعب الإيراني هو الذي استطاع بثّ هذه الروح في المنطقة وأثبت أنّ بالإمكان الوقوف بوجه الهيمنة الاستكبارية.
مرّر الاستكبار مخططاته، دائماً، عن طريق إرعاب الشعوب وتخويف رؤساء البلدان. وحينما زال ستار الرعب هذا، في وقتنا الراهن، تعلمت الشعوب أنّ هذه الهيمنة ليست هيمنة حقيقية وواقعية، إنّما هي صورية وظاهرية. ولذلك، أُسقط السلاح من يد الاستكبار وتراهم غاضبين ويحاولون الضغط على الجمهورية الإسلامية ومضايقتها. طبعاً، من الخطأ اتهامهم للجمهورية الإسلامية أنها هي من أطلق هذه التحرّكات. هذا اتهام في غير محله. فالشعوب قد استيقظت واختارت طريقها. والأعداء ما زالوا يمارسون عداءهم. ولكن، سوف ننتصر إن شاء الله على كلّ التحديات التي يوجدها الأعداء، والله تعالى قدّر للشعب الإيراني وبالتالي للأمة الإسلامية هذا النصر لتكريس حقائق الإسلام الزاهرة في العالم.
*وسيخرج الاستكبار مدحوراً
نتمنى أن يُوفِّق الله تعالى كل شبابنا التعبويين الأعزّاء وكل شباب هذا البلد والمسؤولين للاستمرار في هذا الدرب. وهذه التحركات في أطراف العالم الإسلامي هي بلا ريب تحرّكات باقية ومتقدّمة إلى الأمام. فالشعوب تستيقظ الواحد تلو الآخر. وعملاء الاستكبار سيخرجون من الساحة الواحد تلو الآخر، وسوف تتضاعف قوة شوكة الإسلام واقتداره إن شاء الله يوماً بعد يوم.
ربنا، اجعلنا جديرين بهذه النعم الكبرى وشاكرين لها. اللهم نوّر قلوبنا بنور محبتك ومعرفتك وأوليائك، واشملنا بأدعية الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف أرواحنا فداه.
* كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في حشود التعبويين النموذجيين، طهران1/1/1433هـ-27/11/2011م.