أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

"على أبواب موسم الحج" الخطاب الإسلامي في مواجهة التحديات‏ (2 - 2)


ها هي مواكب الحجيج قد شرعت تحط الرجال مبرورة، وقد عطرت الأجواء أنفاس المسبحين والمبتهلين إلى الله، ولامست مهج المتهجدين حقائق الملكوت.. وعلم الله سبحانه الصادقين فاجتباهم وحباهم، وقربهم وأدناهم... وها هي ذي الدنيا على وشك البدء في عام جديد عنوانه كما هو دائماً التضحية والفداء، والعشق الإلهي، والفناء في الحق...

فكأن حكاية الأضحيات لا تكاد تنتهي، فمن إسماعيل الذي صار عنواناً، إلى الإمام الحسين عليه السلام وصحبة الأبرار الذين تحولوا إلى معين لا ينضب، وقطرات دمع بل دم لا تجف. ففي كل يوم قضية وفي كل يوم تحدٍ، ولا زالت الأمة في مواجهة التحديات. وبعد أن تحدثنا في الحلقة الماضية عن اثنين من التحديات هما تحديات الوجود وتحديات الحداثة والمعاصرة نستأنف القول:

- ننطلق في حديثنا إلى التحدي الثالث الماثل أمامنا، وهو تحدي الرسالة، والتي حمَّلنا إياها الله سبحانه، ورسوله صلى الله عليه وآله فخاطبنا في كتابه بخير أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وبالله عليكم، كيف لأمة مهزومة ومهددة في وجودها واقتصادها، ومجتمعاتها وأفرادها أن تكون مؤهلة لحمل رسالة التبليغ، والدعوة إلى الحق والخير؟ ولكننا، لا نريد أن نرفع أيدينا، لنسلم بالأمر الواقع، ونقول كفى، فقد تعبنا من حمل هذا الوزر!!! إن هذه الأمة هي آخر الأمم، ولا بد لها، في كل الاعتبارات من حمل هذه الرسالة.

* طبيعة الخطاب الإسلامي:
من هنا لا بد لنا ونحن نبحث عن عناصر القوة، ونتحسس حبائل الخلاص والنجاة، أن ننظر في طبيعة الخطاب الإسلامي - كمبارز حضاري، في معمعة صراع الحضارات، التي أراد لها المستكبر الغاشم أن تكون ساحته الأخيرة، ويكتب فيها ما يدعي أنه حتميته الشيطانية - نهاية التاريخ. وفي هذا المجال يتفرع الحديث ويتشعب، يتخذ أبعاداً داخلية وأخرى خارجية شتى، ونحن هنا بصدد الإشارة فقط لبعض ملامح هذا الخطاب الذي لا بد له أن يكون:

1 - خطاباً شاملاً: ومحتوياً لروح وصورة الروعي الحضاري الإسلامي الذي يعلو بلا شك على أي ضارة غاشمة، مادية، أنانية متسلطة.

2 - خطاباً مفهوماً: ليس بمعنى السهل الممتنع الذي ندرسه في الأدب، ولكن بمعنى سعة الإطلاع والمعرفة بتفاصيل ما يدور في الساحة الفكرية العالمية من آراء ومفاهيم ونظريات تحاول أن تحدد المشاكل الإنسانية وتجترح لها الحلول.

3 - خطاباً موحداً: إلى حد بعيد، حيث أننا نجد في الخطاب الإسلامي اليوم تفاوتاً، وتناقضاً في كثير من الأحيان، فهذا خطاب مذهبي، وذاك خطاب سلفي متعصب، وآخر خطاب ارهابي يتجاوز مفاهيم مهمة في عالم اليوم، ويهمل كون الإسلام دين الدعوة بالدرجة الأولى وليس دين سلطة وسيادة جغرافية أو (ديموغرافية)، وذاك خطاب فلسفي أو صوفي يتوجه إلى النخب التي لا تمتلك الكثير من العناصر في معمعة هذا الصراع الحضاري... وهكذا.. وهكذا.. وفي ظل هذه المفارقات في الخطاب الإسلامي، تنشأ الحاجة إلى خطاب إسلامي خالص نبيل، مود، بعيد كل البعد عن الشوائب التي من شأنها أن تمس بجوهر الإسلام الأصيل أو تشير إليه بأصابع الاتهام، أو تخلق الذرائع للعدو الماكر للتسلق على أغصانها واجتياز سورها المنيع.

4 - خطاباً توحيدياً: بمعنى أن الخطاب الإسلامي هذا يجب أن ينطلق من فهم توحيدي للدين الإسلامي، وقدسيته، وهذا يعني أن الإسلام يسعى بداية ونهاية إلى صقل العلاقة بين الإنسان الفرد بالدرجة الأولى والمجتمع - كتحصيل حاصل - بالله وبالقيم المنزلة من الله، والتي يقودها الإيمان بدفئه ووهجه إلى الصواب وإلى القوة في مواجهة الكفر الشيطاني. ... ومن هنا فمن العبث، ومن الضار أيضاً، بروز الدعوات الإسلامية والتسلطية والهيمنوية في الخطاب الإسلامي، ولا يمكن وهذا ما أود التأكيد عليه، أكرر، لا يمكن أن يؤتى الخطاب الشيطاني من موقع قوته وتفوقه، لا بد من خطاب إسلامي ينطلق من صميم الدين إلى وجدان الإنسان وروحه وضميره، يكون خالصاً، ومنزهاً عن أي مطامع أو (دنايا) يمكن أن تشوه صورته النورانية الخلاقة المشرقة.

* كلمة أخيرة
وأخيراً... لا بد من التأكيد، من جديد، على مسألة الحق، والشرعية المنطلقة من وجدان القيم الإنسانية على اعتبار العقل نبياً من داخل في حين أن الشرع هو (الوحي المنزل) ومن هذا المنطلق لا يمكن أن يتحقق النصر إلا بالأخذ بأسبابه، ومن أهم أسبابه:
1 - بلورة الخطاب الإسلامي على ضوء ما ألمحنا إليه.
2 - إيصال الخطاب هذا بالوسائل المتاحة، وعدم وضع المعوقات (المختلفة) أمامه... ومنها تهمة الإرهاب، ومنها سوء القدوة.
3 - توظيف الخطاب الإسلامي، من خلال تفعيله، الدعوة المرافقة له، والمؤسسات الاجتماعية والإنسانية المختلفة التي تهتم بكافة القضايا الإنسانية الصادقة والمخلصة والمحقة، وبدون أي عصبية أو حساسية.
4 - وأخيراً وليس آخر، الصدق مع الله، ومع الذات، وتحسس حقيقة الحب لله في طيات الفؤاد وحب الإنسان بما هو إنسان مجرداً عن كل ما اعتوره من علل وآفات شيطانية.

إن إصلاح ذات البين، وإصلاح وإنجاح الخطاب الإسلامي، مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة بل هي ضرورية وملحة من أجل وجود الأمة، واستمرار حضارتها.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع