مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فقه الولي: لماذا نقلد؟

بقلم الشيخ أكرم بركات


لا يخفى ما للتقليد من أهمية في حياة المسلم ومن أثر في سلوكه وأفعاله بل في رسم معالم المجتمع الإسلامي المرتبط بواسطة التقليد بالعلماء الأعلام، لذا كان من الجدير دراسة التقليد ضمن أسئلة نجيب عليها في حلقات متتالية والبدء بمعنى التقليد.

* ما معنى التقليد؟
* التقليد في اللغة
التقليد لغةً يأتي من معنى القلادة وهي التي تعلَّق في العنق(1). وقد سمعنا كثيراً ما ورد عن الإمام الحسين عليه السلام "خُط الموت على ولد آدم مخطَّ القلادة على جيد الفتاة"(2) أي على عنقها. لذا يقال قلَّدته قلادةً أي جعلتها في عنقه. وقد تكون عملية التقليد وجعل القلادة في العنق مادية ملموسة، كما يُقال: قلَّده الوسام الوطني حينما يجعل الوسام في عنقه، وقد تكون عملية التقليد معنوية يراد منها إلزام الغير وجعل الشي‏ء في ذمَّته كما نقول لمن يذهب لزيارة الأماكن المطهَّرة: "قلّدتك الدعاء والزيارة" أي جعلتهما في ذمتك كما تجعل القلادة في الرقبة وهذا كناية عن الإلزام، وفي هذا المعنى ورد حديث الخلافة  فقلَّدها رسول الله صلى عليه وآله علياً عليه السلام أي ألزمه بها، أي جعلها في رقبته وولاه أمرها(3).

* التقليد في العقيدة
وبهذا المعنى اصطلح أهل العلم على قبول قول الغير من غير دليل ب "التقليد"، سمِّي بذلك لأن المقلِّد في أمور العقيدة يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق أو باطل قلادة في عنق من قلَّده(4).

* التقليد في الفقه‏
وبهذا المعنى استعمل اصطلاح التقليد في الفقه الإسلامي فالمكلّف حينما يتبع المجتهد في فتاواه فهو يعمل على ذمته وكأنه وضع القلادة في رقبة مرجع التقليد كتعبير رمزي عن تحميله المسؤولية يوم القيامة، فالمكلف حينما يقلِّد تقليداً صحيحاً فهو لا يُسأل يوم القيامة عن تفاصيل أعماله التي عملها على ذمة مرجع التقليد، بل المسؤول في ذلك هو المرجع نفسه. وبهذا المعنى عرَّف الإمام الخميني قدس سره التقليد في تحرير الوسيلة بقوله: "التقليد هو العمل مستنداً إلى فتوى فقيه معين".

لماذا نقلِّد؟
لماذا نرجع إلى الفقيه نتَّبعه فيما فهمه من أحكام الإسلام؟
إن الجواب على هذا السؤال يجرُّنا إلى التساؤل الأساس عن سرِّ خلق الإنسان، والذي يجده الإنسان في أعماق وجدانه؛ إذ كل إنسان منذ صغره يعشق الكمال ويبتعد عن النقيصة، بل إنه يسعى نحو نيل الكمال، وفي تحليل حركة الإنسان من نعومة أظفاره نجده يسعى نحو هدف يعتقده كماله فالصغير في بداية نشأته قد يعتقد أن كماله يتحقق حينما يحبو فيسعى جاهداً نحو الحبو، ويصل إلى الحبو ليعرف انه ليس كماله، فيسعى نحو المشي لعله يحقق من خلاله كماله فيمشي، لكنه لا يحقق الكمال المنشود، يعتقد أنه بالتكلم يحقق ذلك الكمال فيتكلَّم لكنه لا يصل إلى تحقيق هدفه. هنا يجعل له قدوة يظن كماله يتحقق حينما يصبح مثلها قد يكون القدوة أباه أو معلِّمه أو قائداً ويصل إلى مستوى قدوته أو أعلى منه لكنه يشعر بذلك الظمأ نحو الكمال أنه ما زال في داخله.

 غاية الخلق واشتباه الكبار ويستمر الإنسان كبيراً يبحث عن كماله فيظن البعض أن المال يحقق الكمال فيصبح أغنى الأغنياء لكنه يشعر بالفقر الداخلي ويظن البعض أن السلطة تحقق كمالهم فيصلون إليها لكنهم يشعرون بالذل الداخلي ويظن البعض أن الجاه يحقق كمالهم فيصلون إليه لكنهم يشعرون بذلك الجوع المعنوي انه ما زال موجوداً في داخلهم هنا يتعرف الإنسان بفطرته السليمة انه يسعى نحو الكمال المطلق الخالي من كل عيب ونقيصة وأن كل ما ظنه الكمال كان خداعاً لأن الكمال المطلق ليس في تلك الماديات التي كان يسعى إليها بل الكمال المطلق يعرفه الإنسان بفطرته، كيف وهو بارئ تلك الفطرة وخالقها.  يقول إمام الأمة الراحل الخميني قدس سره: "فيا أيها الهائمون في وادي الحيرة، والضائعون في صحاري الضلالات، بل أيتها الفراشات الهائمة حول شمعة جمال الجميل المطلق، ويا عشاق الحبيب الخالي من العيوب، والدائم الأزلي عودوا قليلاً إلى كتاب الفطرة، وتصفَّحوا كتاب ذاتكم، لتروا أن الفطرة الإلهية قد كتبت فيه بقلم القدرة ﴿وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ(5). إذاً كمال الإنسان يتحقق حينما يسير على طريق الكمال المطلق، وهو إن كان لا يمكن له الوصول إلى المطلق لفقره الذاتي، لكنه يقترب منه ليحقّق كماله الإنساني كما حصل مع سيد بني البشر "ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى". وعليه فالكلام كل الكلام هو كيف يُحسن الإنسان السير في طريق كماله؟

* دور التقليد في تحقيق غاية الخلق‏
وهنا يأتي دور التقليد، لأن لهذه الطريق قوانين قد حدَّها خالقها، والإنسان بقدراته العقلية وغيرها لا يستطيع معرفة هذه القوانين التي نظمت لصالح الإنسان في دنياه وآخرته، وفي جسده وروحه، وفي فرده ومجتمعه. لذا كانت الحاجة إلى الأنبياء والرسل ليبيّنوا لنا معالم هذه الطريق وقوانينها لنهتدي بها في سيرنا على هداها. وكانت رسالة الإسلام حاملة القوانين الخالدة لمسيرة الإنسان ومع غياب صاحب الشريعة الأعظم صلى الله عليه وآله وغيبة آخر مبيِّن لها رحمه الله كانت الحاجة ماسَّة ليقوم ثلة من الناس يدرسون هذه القوانين ليعرفوها للناس، لعدم إمكانية الدراسة المباشرة من كل الناس لمصادر هذه القوانين. وهؤلاء الدارسون الواصلون إلى معرفة تلك القوانين هم الفقهاء.
ومن لم يستطع الوصول إلى معرفتها عن طريق الدراسة كان أمامه باب لمعرفة قوانين الشريعة عبر الاعتماد على هؤلاء الفقهاء وهذا الباب يسمى "التقليد". لذا فالتقليد - الذي هو اتباع للفقهاء الذين درسوا ووصلوا إلى معرفة قوانين الله في حياة الإنسان - هو المعتمد لمعرفة القوانين للعبور في طريق الكمال.

* لماذا نقلد؟
إننا نقلِّد لكي نعبر طريق الكمال التي هي غاية خلقنا كما أراد الله أن يكون العبور، لا كما تهوى أنفسنا. وهنا تكمن الأهمية الكبرى في التقليد، فلنتابع دراسته في العدد المقبل.



(1) الطريحي، مجمع البحرين، ج‏3، ص‏132.
(2) القزويني، الوثائق الرسمية، ص‏77.
(3) الطريحي، مجمع البحرين، ج‏3، ص‏132.
(4) انظر المصدر السابق.
(5) منهجية الثورة الإسلامية، ص‏7 (والآية في سورة الأنعام رقم 79).

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع