الشيخ أكرم بركات
من الواضح أن مصطلح "الأعلمية" الذي ذكر كشرط في مرجعية
التقليد عند الاختلاف في الفتاوى لم يرد في آية قرآنية ولا في رواية، بل إن بعض
المحققين ينفون كونه مصطلحاً فقهياً خاصاً له تعريف محدَّد لاسيَّما في الكتب
الفقهية القديمة، ويؤكِّد هؤلاء أن الأعلمية "هي نتاج التحقيقات الأصولية، والتعمق
والتوسع الحاصلين في علمي الأصول والفقه"(1) ومن خلال هذا ظهرت الأعلمية وطرحت في
بحث الاجتهاد والتقليد. وهذا الأمر فسح المجال إلى طرح جملة من الإضاءات على هذا
المفهوم.
* إضاءة على مفهوم الأعلمية
قام آية الله السيد محمود الهاشمي بطرح بعض المعارف التي اعتبر أن لها تأثيراً
كبيراً في أعلمية المجتهد في اجتهاده الفقهي في المسائل التي يريد أن يستنبطها وهي
ما يلي:
1 - فهم روح الإسلام الذي يحصل إثر الإحاطة الدقيقة بالآيات القرآنية والضروريات
الدينية، والمسلمات الإسلامية، والأوليات الفقهية، والإلمام الكامل بما نفذه النبي
الأكرم صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام ويتأكد هذا في معرفة حياة
النبي صلى الله عليه وآله والإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حيث كانا مبسوطي
اليد ومسؤولين عن الحكومة حتى نعرف كيفية تطبيق الأحكام الإسلامية وتنفيذها.
2 - فهم الثقافة والأمور الفكرية والحقوقية المعاصرة إلى حدٍّ ما. مثل مسائل البنك،
ومسائل الاقتصاد الإسلامي، ومسائل القضاء في الإسلام فإن عدم الإلمام بهذه الأمور
قد يوجب الوهن الكبير في الاستنباط واستظهار الفقيه في مثل تلك المسائل.
3 - الوقوف على المعارف الصادرة عن أهل البيت المعصومين الأطهار في المسائل
الكلامية والمسائل الأخلاقية، والمعارف الأخرى الموجودة في الروايات والمنتشرة في
الكتب غير الفقهية فإن هذا مؤثر جداً في استظهار النصوص والاستفادة منها ومعرفة
الأدلَّة. واعتبر السيد الهاشمي أنه لا بد من ملاحظة هذه الأمور ثم صياغة تعريف
دقيق جداً للأعلمية على ضوئها(2).
* إضافةٌ إلى شروط المرجعية
ما تقدم من شروط المرجعية كان هو المتعارف ذكره في رسائل الفقهاء إلا
أنه بعد التطورات الميدانية التي حصلت في العالم المعاصر مما يجعلها تلقي بثقلها
على مرجعية التقليد لتزيد من مسؤوليتها في دائرة ولايتها، بدأ جملة من الفقهاء
الكبار بالحديث عن شرط آخر في مرجع التقليد يشكل أساساً في أهليته للمرجعية. ولعل
أول من طرح هذا الشرط في رسالته العملية هو الشهيد السعيد آية
الله العظمى السيد
محمد باقر الصدر قدس سره معبِّراً عنه بالكفاءة الواقعية، قال قدس سره في "الفتاوى
الواضحة": "المجتهد المطلق إذا توافر فيه سائر الشروط الشرعية في مرجع التقليد...
جاز للمكلف أن يقلِّده.. وكانت له الولاية الشرعية العامة في شؤون المسلمين شريطة
أن يكون كفؤاً لذلك من الناحية الدينية والواقعية معاً(3).
وقد بيَّن السيد الهاشمي
خلفيَّة شرط الشهيد الصدر هذا بقوله: "إن المرجع لا يكون من قبيل الرجوع إلى الطبيب،
إن الطبيب قد لا يكون مسلماً ولكن نرجع إليه، لأننا نريد أن نستفيد من خبرته
وطبابته، وإن المرجعية والرجوع إلى المقلَّد في الحقيقة أمر مهم جداً، إنها نوع من
الولاية أو على الأقل قيادة حقوقية فقهية وتمثل القوة المقننة بأسرها؛ لأن الناس
يأخذون كل قوانين حياتهم من بدايتها إلى نهايتها من المرجع"(4). ثم عرض السيد
الهاشمي شرط الشهيد الصدر قدس سره مؤكداً عليه لاسيَّما أن مرجعية الفقيه تمثل نوعاً
من القيادة للمجتمع "لأنَّ الذين يقلِّدونه شاء أم أبى يتابعونه في نظراتهم
وأسماعهم ويلاحقونه بقلوبهم، ماذا يقول مرجعهم ومقلَّدهم؟ وماذا يفتي؟ حتى يقلدوه
ويتابعوه في حياتهم الخاصة والعامة. ولأجل هذا لا بد أن تتوفَّر في مرجع التقليد
شرائط خاصة أخرى جامعها اللياقة والكفاءة في قيادة مقلِّديه"(5).
* قصة لطيفة
ومن لطيف ما نقل في شرط اللياقة والكفاءة في مرجع التقليد قصة حصلت مع المرحوم آية
الله العظمى الشيخ حسين الحلِّي الذي كان يرى فيه الكثير من العلماء أنه أعلم
المجتهدين في عصره، مع أن المتصدي للمرجعية في عصره كان المرجع الكبير السيد محسن
الحكيم قدس سره، إذ ينقل أن أحدهم سأل الشيخ الحلِّي، لماذا لم تتصدَّ للمرجعية مع
أنك أعلم من السيد الحكيم؟ فإذا بالجواب المفاجىء من هذا العالم الجليل بما مفاده:
"إن السيد الحكيم نجح في تربية أبنائه" ولعله يشير بكلامه هذا إلى أن من شروط
المرجعية حسن الإدارة لها واللياقة في ذلك وهذا ما كان يتمتع به المرحوم السيد
الحكيم قدس سره بشكل واضح.
وشرط اللياقة هذا لم يقف عند طرح عنوانه في كتاب الشهيد
الصدر بل جاء صاحب الخبرة الطويلة في مرجعية التقليد والذي استطاع أن ينقل الرسالة
العلمية ليجعلها رسالة عملية بحق في قضايا المجتمع والدولة لا في شؤون الفرد وهو
الإمام الخميني قدس سره الذي أكد في نداء الخامس عشر من رجب 1409 والذي وجَّهه إلى
الحوزات العلمية والعلماء على جملة من الخصوصيات في مرجع التقليد فقال قدس سره:
"وعلى المجتهد أن يلمَّ بقضايا عصره، ولا يمكن للشعب وللشباب وحتى للعوام أن يقبلوا
من مرجعهم ومجتهدهم أن يقول: إنني لا أبدي رأياً في القضايا السياسية".
ومن خصوصيات
المجتهد الجامع معرفة أساليب التعامل مع حيل وتحريفات الثقافة الحاكمة على العالم،
وامتلاك البصيرة والنظرة الاقتصادية، والاطلاع على كيفية التعامل مع الاقتصاد
الحاكم على العالم، ومعرفة السياسات، وحتى السياسيين ومعادلاتهم الموضوعة، وإدراك
المركزية ونقاط القوة والضعف في القطبين الرأسمالي والشيوعي والذي هو في الحقيقة
إدراك لحقيقة الاستراتيجية الحاكمة على العالم، ويجب أن يكون لدى المجتهد المهارة
والذكاء والفراسة لهداية مجتمع إسلامي كبير، بل وحتى غير إسلامي، وبالإضافة إلى
الأخلاق والتقوى، والزهد التي هي من شأن المجتهد، أن يكون في الواقع مديراً
ومدبِّراً"(6).
* خلاصة الأقوال من شروط المرجع
يمكن تلخيص ما سبق ذكره من وجهة النظر حول الشروط المعتبرة في مرجع التقليد
بالتالي:
الاتجاه الأول:
اعتبر الشروط التقليدية الواردة في الرسائل العملية والتي مرَّ
ذكرها من دون إضافة شيء وبدون إضاءة جديدة على معنى الأعلمية بل اقتصر على المعنى
التقليدي لها.
الاتجاه الثاني:
أضاء على معنى الأعلمية بإضافة بعض المعارف لتحققها.
الاتجاه الثالث:
أضاف شرط اللياقة والكفاءة في مرجع التقليد ليصح تقليده.
ولاحظنا مما تقدم اجتماع الاتجاهين الثاني والثالث في وجهة نظر واحدة. وعليه
يمكن لنا أن نصطلح على الأعلمية بحسب الاتجاه الأول ب"الأعلمية التقليدية" وعليها
بحسب الاتجاهين الثاني والثالثة ب"الأعلمية المعاصرة".
* نموذج تطبيقي لتحديد الأعلم
وعلى ضوء ما تقدم نعرض الشهادات التي أدلاها جملة من الفقهاء بحق مرجعية الإمام
الخامنئي دام ظله كنموذج تطبيقي لما قلناه سابقاً مع تعليق توضيحي. نموذج من شهادات
أهل الخبرة ببراءة الذمة بتقليد الإمام الخامنئي دام ظله.
1 - شهادة آية
الله الشيخ عباس واعظ طبسي
... إن تقليد حضرة آية
الله الخامنئي مجزىء ومبرئ للذمة وأقوى للنظام والحكومة
الإسلامية. 29 / جمادى الثانية/ 1415هـ
2 - شهادة آية
الله إسماعيل فردوسي بور
... التقليد لسماحة آية
الله العظمى الخامنئي في كل المسائل لا إشكال فيه ومبرئ
للذمة. 15/ 9 / 73
3 - شهادة آية
الله أسد الله إيماني:
... إن رجوع عموم الشيعة والمؤمنين إلى السيد المعظم في أخذ الفتاوى الشرعية سيكون
صحيحاً ومبرئاً للذمة إن شاء
الله. 13 / 9 / 73
|
4 - شهادة آية
الله السيد علي أكبر قرشي:
إنني أرى أن مرجعية وجواز تقليد سماحة القائد المعظم حضرة آية
الله الخامنئي مد
ظله العالي أمر مسلّم. 27 /جمادى الثانية/ 1415هـ
5 - شهادة آية
الله السيد عباس خاتم يزدي:
... نظراً لما أحرزناه وانكشف لدينا من توفُّر المؤهلات الشرعية للمرجعية والتقليد
في شخص زعيم الأمة قائد الثورة الإسلامية العلاّمة المجاهد الفقيه المتضلع آية
الله السيد علي الحسيني الخامنئي دامت بركاته المتتالية نرى أن تقليد المعظم له
أدام الله ظله الوارف لا إشكال فيه ومجزٍ ومبرئ للذمة إن شاء
الله.27 /جمادى
الثانية/ 1415هـ
* تعليق
يُلاحظ أن هذه الشهادات كلها تصبُّ في خانة كون تقليد الإمام الخامنئي دام ظله
مبرئاً للذمة ولم تتعرَّض لأعلميته، لذا، فلا بد لصحة مسار التقليد من التوجُّه إلى
شهادات الأعلمية التالية: نموذج من شهادات أهل الخبرة بأعلمية الإمام الخامنئي دام
ظله
1 - شهادة آية
الله السيد جعفر الحسيني الكريمي(*)
بالأعلمية
أما ما سألتم من أعلمية السيد القائد ولي أمر المسلمين آية
الله العظمى السيد
الخامنئي دام ظله فأقول إني طيلة سنين أجالس السيد القائد واشترك في جلسة شورى
الإفتاء بمحضر من جنابه مع حضور عدة من الفقهاء العظام المعروفين دامت إفاضاتهم
فرأيت السيد القائد دام ظله أدقّ نظراً وأسرع انتقالاً وأقوى استنباطاً للفروع من
الأصول من غيره من المراجع العظام حفظهم
الله تعالى. فإن كان ذلك هو الميزان في
الأعلمية كما هو كذلك، فهذا الميزان قد لمسته من مباحثات السيد القائد دام ظله، ومن
هنا أعترف وأشهد بأنه أعلم أقرانه المعاصرين نفعنا
الله تعالى وإياكم بزعامته
وإفاضاته وإرشاداته. 26 /11 / 1419هـ تعليق: يُلاحظ أن هذه الشهادة تقع في خانة
الأعلمية التقليدية كما بيَّناه سابقاً.
2 - شهادة آية
الله السيد محمود الهاشمي
بعد أن عرض السيد الهاشمي إضاءته في معنى الأعلمية كما تقدم آنفاً قال:
"لا بد من
التنبيه على أن القائد آية
الله السيد علي الخامنئي يتمتع بشكل واسع بهذه
الخصوصية، ويلتزم في الاجتهاد باستنباط الأحكام الفقهية من باطن الفقه، وأنه لا
يتأثر بالعوامل الخارجية، وهذه من مميِّزات السيد القائد المعظم، ولهذا ترون بأن
فتاواه غالباً تتطابق مع فتوى المشهور من العلماء حيث يتلقى أقوال العلماء الكبار
بكل عظمة واحترام وتقدير ثم يدخل في البحث، وهذا الأمر من الأمور المهمة في
الأعلمية، وفي الاقتراب من الحقيقة والواقع"(7). ومن هذه الخلفية دعا آية
الله
الهاشمي الإمام الخامنئي دام ظله إلى التصدي للمرجعية حين وفاة المرحوم آية
الله
العظمى السيد الكلبايكاني قائلاً: "... وتعد اللحظات منتظرة تصدِّي سماحتكم لشؤون
المرجعية وإدارة الحوزات العلمية راجية من محضركم الشريف ملء الفراغ الحاصل في هذا
الشأن"(8).
3 - شهادة آية
الله الشيخ محمد يزدي(*)
وعلى منوال الاتجاه الذي تبناه السيد الهاشمي، والذي أطلقنا عليه الأعلمية المعاصرة
أدلى آية الله يزدي بالشهادة التالية: في ظل الخلاف الحاصل بين الفقهاء العظام في
معنى الأعلمية وكيفية إحرازها فإني أعتقد أن آية
الله الخامنئي دام ظله هو الأعلم
والأقوى من حيث المجموع بالنسبة إلى العلوم والأمور اللازمة في التقليد والقيام
بأعباء مرجعية الأمة الإسلامية. وعليه يمكنكم تقليده في كل المسائل التي هي مورد
الحاجة كما كنت قد كتبت ذلك سابقاً. محمد يزدي(*) 18 / 12 / 77 هـ.ش وهكذا تتالت
الشهادات في أعلمية الإمام الخامنئي قدس سره لاحظةً تارة الأعلمية التقليدية وتارة
الأعلمية المعاصرة وتارة مطلقة الأعلمية من دون تحديد، ومما قدَّمناه يتبيَّن حال
الشهادات التالية:
4 - شهادة آية
الله الشيخ أحمد جنتي(*) بالأعلمية:
ملاك الأعلمية عندي أن يكون الفقيه أقدر على استنباط الأحكام من مصادرها وأدلتها
الشرعية مع ملاحظة الزمان والمكان والمقتضيات. وأنا لا أعرف في المرشحين للمرجعية
اليوم أقوى وأقدر من السيد القائد دام ظله. أضف إلى ذلك إن المسألة اليوم مسألة
الإسلام والكفر لا مسألة الأحكام الفرعية فحسب فليتقِ
الله امرؤ ولينظر في عواقب
الأمور ومكائد الشياطين وعدائهم للإسلام وعزمهم على هدم أركانه وتحطيم المسلمين
الأصيلين المحمديين والله من ورائهم محيط. ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك
المصير. أحمد جنتي(*) 6 / رجب / 1414هـ
5 - شهادة آية
الله الشيخ إبراهيم جناتي(*)
من المسلم أن الأعلمية شرط في المرجعية والأعلم يجب أن يلاحظ من حيث المجموع. لأن
من الشروط هو المعرفة والتبصر بأمور الزمان، ويجب أن تتوفر في المرجع القدرة على
إدراك المتغيرات والعلاقات الخارجية والداخلية. فبنظري الأصلح والأعلم من حيث
المجموع هو حضرة آية
الله الخامنئي مد ظله العالي. 9 / 9 / 73 هـ ش.
6 - شهادة آية
الله الشيخ محمد علي التسخيري(*)
بالأعلمية
والصلاة والسلام على محمد سيد النبيين وآله الطاهرين المعصومين وبعد فقد طلب مني
بعض إخواني المؤمنين أن أبدي رأيي بصراحة في مسألة تقليد سيدي الكريم وقائد
المؤمنين وولي أمر المسلمين سماحة آية
الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظله
على رؤوس المسلمين. وإني بعد معرفتي بعلمه الغزير ورأيه السديد في مختلف مجالات
الشريعة الإسلامية. ونظراته في الفرد والمجتمع أشهد بأعلميته وبذلك يتعين عندي
تقليده حفظه الله تعالى والله على هذا شهيد. أسأل
الله جلّ وعلا أن يوفقه
لإعلاء شأن الرسالة وقيادة هذه الأمة لما فيه علاؤها وسؤددها وتحقيق الأهداف التي
رسمها الإمام الخميني الراحل قدس سره الشريف والله ولي التوفيق. 6/ ذو الحجة /
1418 هـ
(1) السيد محمود الهاشمي، نظرة جديدة في ولاية الفقيه
ص26.
(2) انظر المرجع السابق من ص 29 إلى ص37.
(3) منشورات دار التعارف ص115
(4) نظرة جديدة في ولاية الفقيه ص40.
(5) المرجع السابق ص41.
(6) نداء الإمام الخميني إلى العلماء ص21 22.
(*) عضو جامعة المدرسين وأحد أساتذة البحث الخارج في قم المقدسة وعضو مجلس شورى
الافتاء في مكتب الإمام الخامنئي، حضر أبحاث السيد الخوئي قدس سره مدة 24 عاماً
وأبحاث الإمام الخميني قدس سره 14 عاماً.
(7) نظرة جديدة في ولاية الفقيه ص37 38.
(8) مرجعية الإمام القائد، منشورات جمعية المعارف الإسلامية ط1 ص100.
(*) عضو مجلس صيانة الدستور في الجمهورية الإسلامية. وعضو مجلس الخبراء، ورئيس
السلطة القضائية السابق.
(*) رئيس مجلس صيانة الدستور في الجمهورية الإسلامية إمام جمعة طهران المؤقت.
(*) عضو مجلس الخبراء.
(*) عضو جامعة المدرسين وأمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب.