موسى حسين صفوان
تسارعت الأحداث، وتبددت الآمال بوجود عالم متعدد الأقطاب، وبات بعد 11 أيلول، كل من لا يحقق مصالح أميركا وأصدقائها مهدداً بإدراجه على لائحة الإرهاب. الأمة الإسلامية والأمة العربية كلاهما مهددتان... ما لم تصبَّ موارد المنطقة، ومواقفها، وقرارات زعمائها في خزانة البيت الأبيض. والمشاكل الداخلية على أنواعها الاقتصادية والسياسية أكثر من كافية، ولم يبق لفلسطين والقدس والأقصى، ولا حتى للسيادة، فسحة كبيرة، فسيف السيد الجديد المهيب، مسلط بقوة فوق الأعناق... فهل من مكان لسؤال سائل إلى أين؟ وما العمل؟
يبدو أن الأحداث تتجه بسرعة نحو المزيد من عمليات عرض العضلات الأميركية مع المواكبة الأوروبية، وإذا شئت العالمية، والمباركة، والابتهاج الإسرائيلي بذلك الصلف الأميركي الذي بات يصعر خدّه للعالم مستعلياً مستكبراً كأنما تسلم مفاتيح أقدار الشعوب. لقد بات واضحاً أن مقولة تعدد الأقطاب الاقتصادية، ليس بالضرورة، أن تؤدي إلى تعددية قطبية سيادية، في ظل وجود ترسانات الأسلحة الإستراتيجية لدى الدولة المهيمنة أميركا ويمكن القول إن تعدد الأقطاب لا يبقى كذلك إذا كانت الحرب بين الليبرالية الغربية، والسماحة الإسلامية، والقيم الشرقية بشكل عام، فحتى وان كانت أوروبا واليابان أو دول شرق آسيا والهند وغيرها، لها من المصالح ما يجعلها تواجه المد الأميركي في بعض الحالات، إلا إنها لا تتردد في دعمها ومواكبتها إذا كانت الحرب الأميركية ضد ما أطلقوا عليه الإرهاب.
لقد شهد العقد الأخير نظريات سيادية وسياسية متعددة، منها ما شهد على نهاية التاريخ ومنها ما توقع دورة جديدة من صراع الحضارات خاصة بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، والمتتبع يشعر بأيدٍ خفية تروج لمثل هذه النظريات، وتهيء الأجواء العالمية لها، من وراء الكواليس، من أجل أن تستكمل الدولة الأقوى هيمنتها على ما تبقى من مقدرات، وكرامة وسيادة الشعوب، وخاصة الشعوب العربية والإسلامية. إن تبدل التحالفات، وتغير المواقف، وتحول المجاهدين من أجل الحرية، الى إرهابيين في أفغانستان، ودون أدلة دامغة، بعد أن كانوا لزمن قريب يتلقون الدعم الدولي المباشر وغير المباشر، كل ذلك يضع العالم ما بين مراقب أو مواكب للسياسة الاستعلائية والاستقوائية الأميركية، ويضع الشعوب المستضعفة - البلاد الغنية بالموارد الطبيعية - في حظيرة المسلخ الأميركي.
في ظل ما جرى ويجري، وما تهدد به أميركا من ضرب العراق، وربما غيره من البلدان التي تشكل خطراً علينا وعلى أصدقائنا - أي إسرائيل-، ماذا ينبغي لهذه الأمة أن تفعل؟
إن نظرة شاملة للأمة العربية والإسلامية تجد ما يلي:
1- حكومات تحاول دائماً استرضاء السيد الأميركي، وتلتزم بدقة بالمواثيق الدولية في وقت تخرج دائماً عن مثل تلك المواثيق أميركا وإسرائيل والعالم المستكبر.
2- شعوباً عربية وإسلامية تتحرك مشاعرها في الفراغ، ممنوعة من الفعل، فلا توجد مؤسسات تعمل على تأطير الفعل العربي، وإن وجدت، فإن الحواجز السياسية والأمنية، وغيرها... تحول بينها وبين الفعل.
3- تمزق وتهتك الشخصية الأيديولوجية العربية والإسلامية واختراق العولمة الكيانات الفردية والاجتماعية، والقيم الاستهلاكية وغيرها، مما يوهن الإرادة العربية.
4- الموانع التاريخية والمذهبية، التي رغم ما صار عليه العالم من نهوض وما يسعى إليه من تكتلات، ضد أصل الوجود الإسلامي والعربي، فلا زال هناك من يفكر بذهنية التفرقة والمذهبية كأن الأمة قد تجاوزت كل التحديات الخارجية.
وبعيداً عن التحليلات والحيثيات، فلا بد من التأكيد على أن السنن الإلهية في النصر، كما في غيره من المفردات الاجتماعية والسياسية لا تتبدل كما أخبر سبحانه وتعالى، فهل ما زلنا نوقن بأن النصر من عند الله، خاصة بعدما عايَنّاه بأم العين من النصر لأبطال المقاومة الإسلامية في لبنان، وآمال النصر الموعود في فلسطين. إن أمتنا اليوم تحتاج إلى الإرادة والعزيمة، والوثوق بطاقاتها ومقدراتها ونصرة الله لها من أجل النهوض والممانعة. وعليها أيضاً أن تنظر إلى داخلها فتبرد غلواء المشاحنات السياسية والمذهبية والإقليمية، فنحن في عالم التكتلات السياسية والأسواق الاقتصادية القارية. أخيراً وليس آخراً، لا بد لنا من المصالحة مع التاريخ، لنرى ما الذي فرطنا به في جنب الله حتى ابتلينا بالمهانة والغلبة، وماذا ينبغي علينا حفظه من ذمام حتى يؤيدنا الله سبحانه بنصره ويعزنا ويرفع من جديد لواءنا.