نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

رسالة القائد إلى الشباب الغربي: صحِّحوا أخطاء أسلافكم(*)

 

إنّ معاناة أيّ إنسان، في أيّ مكان من العالم، بحدّ ذاتها تثير الحزن لبني البشر؛ فمشهد طفل تفارق روحه جسده أمام أحبّائه، وأمٍّ تبدّلَ فرحُ عائلتِها إلى عزاء، وزوجٍ يحمل جسد زوجته القتيلة مسرعاً إلى ناحية ما، أو مُشاهدٍ لا يعلم أنّه سيحضر، بعد لحظات، المقطع الأخير من مسرحية حياته؛ هذه كلّها مشاهد تثير العواطف والمشاعر الإنسانيّة.

*وحدكم قادرون على بناء المستقبل
كلّ من له نصيب من المحبّة والإنسانيّة يتأثّر ويتألّم لرؤية هذه المناظر في أيّ بقعة من بقاع الأرض. ولا شك في أنّ ملياراً ونصف المليار من المسلمين لديهم هذا الإحساس نفسه، وهم متبرّئون من مرتكبي هذه الفجائع ومسبّبيها ومبغضون لهم. غير أنّ القضية هي أنّ آلام اليوم إذا لم تؤدِّ إلى بناء غدٍ أفضل وأكثر أمناً، فسوف تُختزل لتكون مجرّد ذكريات مريرة لا فائدة منها ولا ثمر.

إنني أؤمن أنكم أنتم الشباب وحدكم قادرون، ومن خلال استلهام العِبَر والدروس من مِحن اليوم، أن تجدوا السبل الجديدة لبناء المستقبل، وتسدّوا الطرق الخاطئة التي أوصلت الغرب إلى ما هو عليه الآن.

*تناقض السياسات الغربيّة
لقد تعرّض العالم الإسلاميّ وشعوبه لآلام ومآس كثيرة كانت نتيجة تناقض السياسات الغربيّة، وطوال سنين متتالية، منها أنّه كان:

أولاً: ضحيّة الإرهاب والعنف
إنّ العالم الإسلاميّ كان ضحيّة الإرهاب والعنف بأبعاد أوسع بكثير، وبحجم أضخم، ولفترة أطول بكثير.

ثانياً: تقديم الدعم للعنف
إنّ هذا العنف - للأسف - كان مدعوماً، على الدوام، من بعض القوى الكبرى وبأساليب متنوّعة. فحماة الإرهاب التكفيريّ المعروفون كانوا دائماً في عداد حلفاء الغرب، بينما تتعرّض أكثر الأفكار ريادةً وإشراقاً، والنابعة من السيادة الشعبيّة الحيويّة في المنطقة، إلى القمع بكلّ قسوة. إنّ الازدواجيّة في تعامل الغرب مع حركة الصحوة في العالم الإسلاميّ هي نموذج ساطع حاكٍ عن التناقض في السياسات الغربيّة.

ثالثاً: توجيه اللّوم لشكوى المظلوم
إنّ الحـمـلات العسكريّة التي تعرّض لها العالم الإسلاميّ، في السنوات الأخيرة، والتي تسبّبت في الكثير من الضحايا، لهِيَ نموذج آخر لمنطق الغرب المتناقض. وإنّ البلدان التي تعرّضت للهجمات، فقدت بُناها التحتيّة الاقتصاديّة والصناعيّة، فضلاً عمّا تحمّلته من خسائر إنسانيّة. ورغم كلّ هذا يطلب منهم بوقاحة أن لا يعتبروا أنفسهم مظلومين. كيف يمكن تحويل بلد إلى أنقاض وإحراق مدنه وقراه وتحويلها إلى رماد، ثمّ يقال لأهله وشعبه: رجاءً لا تعتبروا أنفسكم مظلومين؟! أليس الأفضل الاعتذار بصدق بدل الدعوة إلى تعطيل الفَهم أو نسيان الفجائع؟ إنّ الألم الذي تحمّله العالم الإسلاميّ خلال هذه الأعوام من نفاق المهاجمين وسعيهم لتلميع صورتهم ليس بأقلّ من الخسائر الماديّة.

أيّها الشباب الأعزّاء؛
إنّني آمل أن تغيّروا أنتم، في الحاضر أو المستقبل، هذه العقليّة الملوّثة بالتزييف والخداع، والتي تمتاز بإخفاء الأهداف البعيدة وتجميل الأغراض الخبيثة. وأعتقد أنّ الخطوة الأولى في توفير الأمن والاستقرار هي إصلاح هذه الأفكار المنتجة للعنف. ينبغي عدم البحث عن جذور العنف في أماكن أخرى، ما دامت المعايير المزدوجة تحكُم السياسة الغربيّة، وما دام الإرهاب يقسّم في أنظار حماته الأقوياء إلى أنواع حسنة وأخرى سيّئة.

*إنّه عنف صامت
لقد ترسّخت -للأسف- هذه الجذور تدريجاً على مدى سنين طويلة في أعماق السياسات الثقافيّة للغرب أيضاً، وقامت بغزوٍ ناعم وصامت. إنّ الكثير من بلدان العالم يعتزّ بثقافاته المحليّة والوطنيّة؛ ثقافات رفدت المجتمعات البشريّة، وغذّتها طوال مئات الأعوام، وفي الوقت نفسه حافظت على ازدهارها وإنتاجها. العالم الإسلاميّ ليس استثناءً لهذه الحالة. ولكنّ العالم الغربيّ في هذا العصر، ومن خلال استخدامه لأدوات متطوّرة، يمارس ضغوطه مُصِرّاً على الاستنساخ الثقافيّ للعالم على شاكلته!

*لا.. لسنا مذنبين
إنني أعتبر فرض ثقافة الغرب على سائر الشعوب، واحتقار الثقافات المستقلّة، عنفاً صامتاً وشديد الضرر. يجري تحقير الثقافات الغنيّة والإساءة لجوانبها الأكثر حرمةً، في حين أنّ الثقافة البديلة ليست جديرة، ولا تمتلك القدرة لأن تحلّ محلّها بأيّ وجه من الوجوه. وعلى سبيل المثال، إنّ عنصرَي "العدوانيّة" و"التحلّل الأخلاقيّ" اللذين تحوّلا -للأسف- إلى مكوّنين أصيلين في الثقافة الغربيّة، هبطا بمكانتها ومدى تقبّلها حتّى في موطن ظهورها. والسؤال الآن هو: هل نحن مذنبون لأنّنا نرفض ثقافة عدوانيّة وهابطة وبعيدة عن القيم؟ هل نحن مقصّرون إذا منعنا سيلاً مدمّراً ينهال على شبابنا على شكل نتاجات شبه فنيّة مختلفة؟

كيف يمكن تحويل بلد إلى أنقاض وإحراق مدنه ثمّ يقال لأهله وشعبه: رجاءً لا تعتبروا أنفسكم مظلومين؟!

 


(*) من كلمة الإمام القائد الخامنئي دام ظله إلى كل الشباب في البلدان الغربية تاريخ 29/11/2015.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع