مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شباب:إرهاب يقتل الألوان

إعداد: ديما جمعة فواز

كانت تتلكأ في مشيتِها نحو محل الخضار.. وبخطىً متعثرة تفكر في صعوبة الظروف التي تعيشها رغم أنها لم تتجاوز السابعة عشرة: والد قاس وأم متطلّبة، إخوة مزعجون ورفاق متنمرون، بينما هي وحيدة وحزينة. كم تتمنى الموت والرحيل. هي أكيدة أن أحداً لن يفتقدها، الموت بالنسبة لها أحلى من العسل!

ودارت بعينيها الحائرتين في حيٍ كبُرت فيه، وحفظت مفارق طرقاته وسكانه.. هنا الحاجة أم أحمد، الأرملة التي تعمل جاهدة لإعالة خمسة أطفال، خيّاطة من الطراز الأول وامرأة لا تقبل الشفقة والإحسان. وإلى جنبها تجلس جارتها عليا، عروس جديدة سكنت في الحي وسرعان ما خطفت القلوب ببسمتها ورقتها..
صعدت نحو محل الخضار، وسلّمت على الحاج أبي حسن الذي كان يتلو القرآن بصوت ضعيف، فاكتفى بهز رأسه ترحيباً بها.

وبينما كانت تختار حبات البندورة بعناية سمعت صوت طفلة تضحك خلفها، كانت ابنة الأعوام الخمسة تمسك بيد أمها وتقفز.. وإذ بجارها العم أحمد يقترب منها ويهمس: "عزيزتي فاطمة، أنت تحبين التفاح، هاكِ هذه مني" ابتسمت له برِقّة شاكرة، هو سائق الأجرة الذي عاد للتوّ من عمله وكان ينتقي الفاكهة لأبنائه. إنه دوماً يخصها بالتفاح الأصفر، ويشبّه جيل اليوم بالتفاح الذي ينبغي حفظه بعناية. وفجأة، لمع حولها المكان، شعرت بلَهَب النار يلفح وجهها وقطع الزجاج المتطاير تعمي بصرها، وبحركة لا شعورية خبّأت رأسها بين ذراعيها..
مرّت ثوانٍ ثقيلة قبل أن تتمكن من فتح جفنيها والنظر حولها.. ماذا حصل؟ لهب النيران يلتهم المكان، وأصوات الناس المتأوهة تصم الآذان. العم أحمد مرمي على الأرض والحاج أبو حسن واقع عن كرسيه محتضناً القرآن..

خرجت من المحل لترى الناس تتخبط يمنة ويساراً، أجهشت بالبكاء وبدأت تتحسّس الطريق أمامها، وتلتفت يمنة ويسرة لتكتشف الطريق.. منذ ثوان كانت الحياة تملأ الشارع، كيف حلّ الغروب ولا تزال الساعة الثالثة عصراً؟ من الذي أشعل محل الخياطة لهباً؟ وكيف غفت تلك العروس الجميلة على الأرض؟ وبينما هي بين الواقع والخيال، سمعت بكاء الطفلة تهزّ أمها فاقتربت نحوها وحضنتها، بدأت تهدئ من روعها وتنادي رجال الإسعاف كي ينقذوا الأم العشرينية. وفجأة شعرت بيد تخطفها وترفعها عن الأرض، لتجد والدها يصيح باسمها ويبكي، حضنته وغابت عن الوعي..
استيقظت من غيبوبتها بعد سويعات، في قسم الطوارئ، والتقطت أطراف حديث عن تفجير وانتحاري وسيارة ملغومة..

إذاً.. هو الإرهاب الذي غيّر الملامح وقتل الألوان.. أحال المشهد إلى أبيض وأسود! لقد أصمّ جميع الأصوات ليعلو فقط صوت أنين الموت.
كم هي تافهة كلّ مشاكلها، ومؤقتة. كم تصير الحياة غالية حين نشرف على الرحيل، وكم نقدّر التفاصيل حين يضيع منا الكلّ! لن تتأفف بعد اليوم وستنظر إلى الحياة على أنها فرصة، وكل يوم بمثابة هبة من رب رحيم. وبينما كانت تستجمع كل طاقتها لتقوم عن السرير، لاح لها من بعيد العم أحمد، مضمّد الرأس، ممسكاً التفاحة الصفراء. اقترب منها وقال، بينما تلوح ضحكة وسط دموعه المنهمرة: "فاطمة، لقد وقعت منك هذه التفاحة!"

 

أضيف في: | عدد المشاهدات: