مبارك عيد الأضحى الكبير السعيد لمسلمي العالم.
في الحقيقة، العيد السعيد والمبارك هو اليوم الذي يفيق فيه المسلمون من رقدتهم،
ويؤدّي علماء الإسلام في أنحاء العالم واجباتهم بإنقاذ مسلمي العالم من سطوة
الظالمين والناهبين لخيرات البلدان المختلفة وثرواتها. ولا يتحقّق هذا الهدف الكبير
إلّا حين يَعرضون أحكام الإسلام بكلّ أبعادها المختلفة على الشعوب المستضعفة
ويعرّفونها الإسلام الحقيقيّ، ويغتنمون فرصة هذا الأمر المصيريّ الكبير ولا
يتهاونون فيه. وأيّ فرصة أهمّ وأسمى من تجمّع الحجّ العظيم الذي وفّره الباري عزّ
وجلّ للمسلمين؟!
*إشارات حول التلبية
على أبواب موسم الحجّ المبارك، لا بدّ لنا من التوجّه إلى الأبعاد العرفانيّة
والروحيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة ليكون ذلك فاتحة أمام المسلمين
لخطوات أخرى مؤثّرة. وبما أنّ في هذه المناسك الهامّة من أوّل (الإحرام) و(التلبية)
إلى آخر المناسك، إشارات عرفانيّة وروحانيّة لا يتيسّر تفصيلها في هذا المقال،
فسأكتفي ببعض إشارات التلبية فقط:
1. إنَّ التلبيات الحقيقية المتكرّرة هي التي تنطلق من أُناس سمعوا نداء الحقّ
بآذان قلوبهم، ولبّوا دعوة الله تعالى باسمه الجامع (?)، "لبّيك اللهمّ لبّيك،
لبّيك لا شريك لك لبّيك". القضية قضية المثول في حضرته ومشاهدة جمال المحبوب؛ وكأنّ
القائل قد غاب عن وعيه فصار يكرّر التلبية، ويُتبِعه بنفي الشريك بالمعنى المطلق.
وهذا عند أهل المعرفة غاية التوحيد.
2. إنّ البعد السياسيّ لهذه المناسك العظيمة هو أكثر الأبعاد هجراناً وغفلة؛ إذ إنّ
أيدي الخَونَة كانت وما تزال وستظلّ تعمل على هجرانه. فعلى المؤمنين الملتزمين
واليقظين أن يسعوا للنهوض بالقلم والبيان والحديث والكتابة، خصوصاً في أيام مراسم
الحجّ حيث يُمكن للناس، بعد إتمام هذه المراسم، التنبّه إلى هذا البعد العظيم في
ديارهم وبلدانهم وإيقاظ المسلمين والمظلومين في العالم.
*بساطة البيت الحرام
بيت الله الحرام هو
﴿أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: 96). الكلّ فيه سواسية. فهذا البيت
المعظّم قد بني للناس ولنهضة الناس وللنهضة الشاملة ولمصلحة الناس. وإنّ بساطة
البيت والمسجد كما كانا على عهد إبراهيم عليه السلام وصدر الإسلام وارتباط المسلمين
بهذا المكان المنزّه والوافدين إليه من غير تجمّل وزينة أفضل ألف مرة من تزيين
الكعبة، وتشييد المباني العظيمة المرتفعة مع الغفلة عن الهدف الأساس الذي هو قيام
الناس وشهود منافعهم.
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ
وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 19).
إنَّ الإيمان بالله تعالى وبيوم الجزاء يدفع الناس إلى الجهاد في سبيل الله والثورة من
أجل الحقّ والعدل. والقوم الذين ليسوا كذلك لا يهديهم الله؛ لأنّهم ظالمون. أسأل
الله تعالى أن يحفظ الإسلام والمسلمين من شرور الظالمين.
*تحلّوا بالوعي والمسالمة
أودّ هنا أن أذكّر الإخوة والأخوات بعدّة ملاحظات [عن الحجّ] -وإن كانت مُعادة-
وأرجوهم أن ينتبهوا لها بعين العناية:
أولاً- درجات الحجّ المعنويّة: إنّ درجات الحجّ المعنويّة التي هي رأسمال
الحياة الخالدة، وتقرّب الإنسان من أفق التوحيد والتنزيه، لا تُنال إلّا بتطبيق
أوامر الحجّ العباديّة بشكلها الصحيح والمناسب. فالبعد السياسيّ والاجتماعيّ للحجّ
لا يتحقّق إلّا بتحقّق بعده المعنويّ والإلهيّ. فيجب أن تكون تلبياتكم إجابةً لدعوة
الحقّ تعالى. هاجروا نحو الله- جلَّ وعَلا- بتلبياتكم من أجل الحقّ بنفي الشرك
بجميع مراحله ومن (النفس) التي هي المنشأ الكبير للشرك.
آمل أن يتحقّق للباحثين الموت الذي يلي الهجرة وينالوا الأجر الذي (على الله). ولو
أغفلتم الجوانب المعنوية، فلا تتصوّروا الخلاص من مخالب شيطان النفس. ولن تستطيعوا
الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حريم الله ما دمتم في قيود أنفسكم وأهوائكم
النفسية. وليعلم المسلمون أنّهم ما لم تحصل عندهم درجة واحدة من هذه التحوّلات فلن
يدعهم شيطان النفس الأمّارة وشياطين الخارج أن يفكّروا في الأمة الإسلامية
والمظلومين في أنحاء العالم. أسأل الله تعالى التوفيق للجميع.
ثانياً- احذروا الأعداء: من المحتمل أنَّ عدداً من المنحرفين وأعداء الإسلام
والثورة قد يشاركون في هذا السفر ويلتحقون بصفوف الحجّاج المحترمين ويقومون بأعمال
منافية للأخلاق ولتعاليم الإسلام، وقد ينخدع بهم بعض المتديّنين ويتابعونهم في
أعمالهم ظنّاً منهم أنّهم بذلك يؤدّون واجبهم الثوريّ، فعلى جميع الحجّاج المحترمين
والروحانيين والأشخاص الواعين والحال هذه أن يراقبوا بكل دقّة حركات الحجّاج
وتصرّفاتهم، وينهوا كلّ من يرونه يمارس أمراً منافياً بمجرّد رؤيتهم له، فإنْ لم
ينتهِ وأصرّ على موقفه في ممارسة الفساد فعليهم أنْ يتصرّفوا معه باللين وبشكلٍ
أقرب إلى الموعظة الحسنة ويحولوا بينه وبين تحقيق هدفه.
ثالثاً- العدوّ الأساس للإسلام: على المسلمين المشاركين في المواقف الكريمة من
أيّ ملّةٍ ومذهب، أنْ يعلموا جيّداً أنّ العدوّ الأساس للإسلام والقرآن الكريم،
والنبيّ العظيم صلى الله عليه وآله وسلم، هو القوى العظمى خصوصاً أمريكا ووليدتها
غير الشرعية إسرائيل الطامعة بالدول الإسلاميّة. وسرّ نجاح هؤلاء في مؤامراتهم
الشيطانيّة إلقاؤهم التفرقة بين المسلمين بأيّ شكل يستطيعون.
فالواجب الإلهيّ للحجّاج أن لو سمعوا من المتحدّثين ما يُشَمُّ منه رائحة بثّ
الاختلاف بين صفوف المسلمين أن ينكروا ذلك عليهم، وليعلموا أنَّ البراءة من الكفّار
وقادتهم من واجباتهم في المواقف الكريمة، وليكن حجّهم حجّ أبي الأنبياء إبراهيم
عليه السلام وحج النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وإلّا فيصدق عليهم قوله
عليه السلام: "ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج".
رابعاً- المداراة والمسالمة: أوصي الحجّاج الكرام الحاملين لرسالة الإسلام
والقرآن والثورة الإسلامية أن يتحلّوا بالمداراة والمسالمة مع المسلمين والمسالمة
حتّى مع رجال الأمن والشرطة هناك سواء في مكّة المكرّمة أو المدينة المنوّرة، وأن
لا يردّوا عليهم في هذه المراكز التي هي محلّ الأمن، بل عليهم أن يقابلوهم باللطف
والأخلاق الحسنة الإنسانيّة والإسلاميّة، فبالنصيحة الأخويّة والموعظة الحسنة
وبالتسامح مع الجاهلين كما أمر الله تعالى تتفادون العنف مع جميع المسلمين، حتى لو
عاملوكم بغير ما أمر القرآن فلا تعاملوهم بالمثل لتكونوا عند الله من ذوي السمعة
الحسنة والمطيعين له.
(*) نداء الإمام الخميني قدس سره لحجاج بيت الله الحرام عشيّة عيد الأضحى المبارك في 28 ذي القعدة 1404هـ في جماران - طهران، صحيفة الإمام، ج19، ص25.