توفيق سلوم(*)
﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
(الروم: 21). كثيراً ما يصادف أن نرى امرأة تحاول إخفاء آثار اللكمات أو الصفعات
التي تعرضت لها من زوجها، أو ثانية تقصد المشعوذين، أو ما اصطلح عليهم بالعرافين أو
(مشايخ الكِتبة)، ممن يتصدون لحل المشكلات بين الأزواج عبر أعمال غريبة أو حتى سحر
أو غير ذلك. وكثيراً ما نرى أو نسمع امرأة تحاول تهدئة روع أختها أو صديقتها التي
عزمت على الطلاق لأنها لا تسمح ولا تقبل أن يضربها أحد. وفي المشهد الآخر، نرى
رجالاً يعملون جاهدين على ضبط أعصابهم كي لا يضربوا (تلك) التي تفتري على نفسها
بجعل جو البيت متوتراً، أو التطاول على زوجها أو سبّه أو شتم أهله وأصوله. أو قد
نرى رجالاً يسعون وراء طلاق، أو وراء امرأة أخرى طلباً للشعور بالراحة معها وإرواء
غريزة الانتقام من (تلك) التي نكّدت عيشه.
هذان المشهدان، ربما يصفهما البعض بأنهما
لرجل يستخدم العنف وامرأة تستخدم طريقة سلمية ليس فيها ضرب ولا أذى جسدي ولكن...!
الحقيقة هي أن صفة العنف والعدوانية يتسم بها جميع ما ذُكر من مشاهد. فإذا اعتبرنا
أن هناك تفاوتاً في مستوى كل منها، غير أن ذلك لا يرفع صفة العنف والعدوان عنها.
فالعنف هو سلوك يصدر عن إنسان تجاه نفسه أو الآخر بقصد إلحاق الأذى به، وهذا السلوك
قد يحمل طابع العدوان وقد يحمل طابع المنفعة أو الرحمة.
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾
أما العدوان فهو سلوك يصدر عن إنسان تجاه نفسه أو الآخرين بقصد إلحاق الأذى
ويكون مسبوقاً بنية الضرر ابتداءاً أو انتقاماً. من هنا نود أن نبحث في منشأ العنف
والعدوان لنرى كيف يمكن فهمه كسلوك.
* المنشأ:
يعتبر علماء النفس أن سلوك العنف بما فيه الضرب والصراخ هو سلوك بدائي جداً يعود
إلى المراحل الأولى من التعبير البشري. تماماً كما هي حال الطفل الذي لا يجيد سوى
البكاء والضرب والصراخ. وعليه فإن رأيهم في ذلك أنه كلما تطور مستوى النضج الإنساني
كلما خفت تعابيره البدائية ليتحول إلى السلوك المكتسب الذي يمكن أن يعبّر عنه
بالسلوك السامي أو ما اصطلح عليه بالتصرف الأخلاقي.
* الدوافع:
تختلف الدوافع الكامنة وراء سلوك العنف بين الأزواج ويمكن ذكر عدد من هذه الدوافع
كمثال لفهم طبيعة هذا التصرف:
1 - تحقيق أهداف لا علاقة لها بالمشاكل الظاهرية بقصد الضغط على الطرف الآخر.
2 - الانتقام من الطرف الآخر لأمر سابق تم تأجيل الانتقام عليه أو لسلوك آني.
3 - إشباع غريزة العدوانية التي قد تضغط على الإنسان نتيجة ظروفه القاسية.
4 - أسباب خاصة جداً بكل حالة.
* العوامل المساعدة:
يحتاج العدوان حتى يتحقق إلى عوامل مساعدة باعتباره سلوكاً غريزياً، وهذه العوامل
ترتبط بالمنشأ وبالوضعية التي يكون فيها الإنسان، وبالإنسان نفسه. لكن عاملاً
أساسياً هو دائماً عنصر من عناصر قوة العدوان والسلوك العنيف وهو عامل الدافع أو
المؤثر الخارجي الذي يسبب انطلاق هذا التحرك السلبي. والمؤثر الخارجي هنا هو الشخص
الآخر الذي يقع عليه فعل العدوان العنيف. وقد تمّ طرحه ليساعد في فهم الوضعيات
المؤدية للعنف للمساهمة في الحد من ردات الفعل القاسية للمعتدي (فيما يخص الحياة
الأسرية وخاصة الزوجية منها).
المؤثر الخارجي: أو ما اتفقنا على أنه الطرف
الآخر الذي وقع عليه فعل الاعتداء بالضرب غالباً ما يكون الزوجة في حالات استخدام
الضرب ويكون الزوج في حالات استخدام الاستفزاز والعنف الكلامي أو في حالات إيجاد
مناخ متوتر في البيت. في الحديث عن الطرف الثاني لا يعني ذلك رفع المسؤولية عن
الطرف الأول وإنما هي محاولة لفهم مختلف للوضعيات التي تصل فيها الأمور إلى استخدام
العنف والاعتداء على رفيق العمر. إذاً، في تشريح السلوك العدواني الغريزي يعتبر
الطرف الثاني أساسياً في حدوث هذا الفعل والإسراع فيه وحتى مستوى الاعتداء ومستوى
استخدام العنف. إن الزوج حين يضرب زوجته يكون قد تصرّف بطريقة طفولية بدائية خاصة
وأن الزوجة التي تشكو من استخدام زوجها للعنف معها، هي لا تشكو فعلاً من استخدامه
للعنف لأنها هي تستخدمه أيضاً على المستوى الرمزي (في أحلام اليقظة أو تمنيها لموته
أو تضرره) أو على المستوى الفعلي مع أولادهما. بل لو دققنا نجد أن لغة الشكوى
الفعلية هي من استخدام العنف الجسدي ابتداءاً. والجمل التي نسمعها غالباً هي من
قبيل:
"كان عليه أن يقول لي أو ينبهني أو يوجهني وليس يضربني". "وهل أنا أُبَصِّر حتى
اعرف ما يريد لما لم يخبرني؟" أو "أنا أفهم بالكلمة فلم الضرب؟". هذه الكلمات تحمل
تعبير النفور من استخدام العنف ابتداءاً ولا يعني ذلك قبولنا له (أو العكس) فيما
بعد. فالزوجة ربما تمارس أقصى أنواع العنف بحق زوجها عبر حربها الباردة التي لا
يمكن أن يلومها أحد عليها وإنما ستؤدي في نهاية المطاف إلى إصابة الزوج بأمراض
وعوارض لا تحمد عقباها. فقد يذهب أثر اللطمة لكن تلف الأعصاب ينمو ليصل إلى السكتة
القلبية أو الدماغية أو إلى أمراض كالسكري وارتفاع ضغط الدم والإجهاد وآلام الرأس
والجهاز التنفسي وغير ذلك مما لا يظهر إلا مع الزمن. من المؤكد أن هناك أمراً من
اثنين لا بد من تحديدهما في بداية المطاف وبداية المطاف ليست فقط في اللقاء الأول،
بل في كل مرة يمكن أن تحدث فيها مشكلة وهذان الأمران هما:
1 - هل أريد هذه الزوجة وهل فعلاً نيتي تجاهها هي أن نحيا سوياً؟ وهل أريد هذا
الزوج وهل فعلاً نيتي في البقاء معه لأنني قبلت به منذ البداية؟
2 - الأمر الثاني هل صحيح أن الحياة مع من أود العيش معه يجب أن تكون هادئة وفعّالة
ومفعمة بالأمل والسعادة والتفاهم، أم أنه لا ضرورة للتفاهم وليحصل ما يحصل وكل مذنب
يتحمّل نتيجة ذنبه؟
إن استطلاع الآية القرآنية التي تحدثت عن الأزواج حملت في طياتها مؤشرات توحي
بالإنسانية والمشاركة والمودة والرحمة والسكينة وتشير إلى الأمرين السابقين بجواب
قاطع وهما الدليل لقوم يتفكرون خاصة أنها جعلت الطرف الآخر من أنفسنا.
الجواب على هذين الأمرين أو السؤالين هو:
إذا كنت أريد أن أعيش معه أو هو قدري فلماذا لا أجعل عمري ساكناً جميلاً هادئاً
لماذا إذا كانت لي مآرب أخرى أسوّد عيشي وعيشة من سيلازمني طيلة حياتي؟ هذا فضلاً
عن أن ذلك سيؤثر حتماً في مستقبل أولادي حتى في حياتهم ونظرتهم للزواج. على كل حال،
الآيات سبقت في ذلك وهي خير دليل لمن يدعي الإيمان ولمن كان له قلب أو ألقى السمع
وهو شهيد
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا
لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا...﴾
(الأعراف: 189) التفاهم والتنازل سيؤدي إلى نتيجة أفضل بكثير من العنف الذي
قد لا يحل المشكلة وقد يزيدها سوءاً فيكون الداء في الدواء. والعاقل يتعظ بالآداب
ولا تتعظ البهائم إلا بالضرب.
(*) أخصائي علم نفس.