مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

اعرف عدوك: العنف اليهودي ضد الطفولة وقائع وشهادات


أديب كريم


"أشعر بقلق يحرمني من النوم كلما سمعت بولادة طفل عربي" بهذه العبارة المسمومة تكشف الرئيسة السابقة لحكومة الكيان اليهودي "غولد مائير" عن معضلة المسألة اليهودية في جذور نشأتها وتداعياتها المأزومة، أخلاقياً وثقافياً وسلوكياً. ولا ريب في أن يتساءل المرء، وهو بصدد معاينة مثل هذه الظاهرة محاولاً حل رموز شفرتها، ومعالجة معانيها، أية تعاليم تلك التي تقتات عليها هذه الشخصية الطافحة بالحقد والكراهية العمياء، إلى الدرجة التي تفتقر معها إلى أضيق مساحة للرحمة والشفقة، وتسترخص، بروح عنصرية ضحلة، أرواح الآخرين حتى أولئك المطبوعين على الحيادية والبراءة والمسالمة من الأطفال والفتية، ويتساءل أيضاً، أي إرث ذاك الذي يجرد الإنسان من إنسانيته، ويطلق العنان لأهوائه العدائية، ليشوه صورة العالم، ويدمر الجانب الإنساني فيه، بحيث يتحول العنف من هذا المنظور، وخصوصاً ضد الطفولة، إلى قوة محركة للتاريخ والإنسان والقيمة والأساس الذي يقوم عليه كل نفي وتنكُّر لمبدأ الرحمة والتعاطف.

فمن الطفل الشهيد محمد الدرة، إلى الطفلة الشهيدة إيمان حجو والطفل الرضيع ضياء الطميزي وهو أصغر شهيد في الانتفاضة وعمره ثلاثة أشهر ومن الطفل الشهيد خليل إبراهيم المغربي إلى الطفلين الشهيدين الشقيقين أشرف وبلال منعم، ومنهما إلى قائمة طويلة من الشهداء الأطفال داخل فلسطين وخارجها، ممّن غيبتهم أياد يهودية، مدفوعة لشهوة العنف الإبادي الامحائي. والوقوف على هذه المعاناة، أو على فصل من فصولها، يضعنا أمام مسؤوليتنا الإنسانية والأخلاقية والدينية في ضرورة تلمس الطريق إلى ما هو متوفر من وسائل وأساليب تتيح لنا، أو للبعض منا، إبراز تلك المعاناة كموضوع يستأهل اهتمام كل إنسان جُبِل على الخير، وتربى على العدل والإنصاف للضحية من جلاديها، وهذا ما يمثل، حسب اعتقادنا، إحدى الخطوات الأولى في مسيرة إسكات صوت الظلم والاضطهاد، ودوامة العنف اليهودي العبثي ضد الطفولة البريئة. وبين أيدينا إحصاء بعدد الشهداء والجرحى من الأطفال الفلسطينيين مند بدء الانتفاضة المباركة حتى قبل شهرين من كتابة هذه السطور مما جاء فيه: إن عدد الشهداء الأطفال ممن تقل أعمارهم عن 18 سنة بلغ 152 طفلاً، فيما وصل عدد الجرحى من الأطفال 2518 طفلاً في الضفة الغربية، و2780 طفلاً من غزة، ومن مجموع الجرحى الأطفال 437 طفلاً أصيبوا بإعاقات دائمة، وبلغ عدد الجرحى ممن تقل أعمارهم عن خمس سنوات 115 طفلاً"، وكما أسلفنا؛ هذا فصل من فصول هذه المعاناة التي تتجاوز بطابعها الفجائعي، لغة الأرقام - الإحصاءات، وهي تنسج خيوطها السوداء في إطار ما سيثيره منطق التداعي من آثار نفسية حادة تطال عمق التركيبة الاجتماعية في الواقع الفلسطيني، وعلى مدى غير منظور.

وفي المقابل، فإن هذا المشهد القاتم بكل تداعياته وبصماته، يوضح، وكأية ظاهرة يحكمها عنصر النمطية المعرفية والسلوكية، طابع الضرورة المنطقية للنتيجة الحتمية التي أنتجتها تلويثات البيئة التوراتية الباعثة على القتل العنصري، دون أي اعتبار للحس الإنساني الذي يأبى، حتى في ذروة التصادم، اقتحام الطفولة في أتون مهلك من الحرب، التي لا ناقة لها فيها ولا جمل. وعلى ذلك فإن ما يلي نماذج مستقاة من تلك الثقافة التعبوية الملوثة التي حاشا لله أن تكون لها صلة من قريب أو بعيد بوحي سماوي أو بلاغ رسولي: "وكلم الرب موسى قائلاً: انتقم نقمة بني إسرائيل من المدنيين، فقاتلوا كما أمر الرب موسى، وقتلوا كل ذكر فيها، وسبى بنو إسرائيل نساء مَدْيَن وأطفالهم، ولم يرضَ موسى عن كل ما حصل، فقد ترك جندُه الأطفالَ أحياء، فسخط موسى وقال لهم: فالان اقتلوا كل ذكر من الأطفال" سفر العدد 31، وفي سفر يشوع 8: 21 - 28: "وقال الرب ليوشع: قم فأصعد إلى العي، فأحرق يوشع العي وجعلها تل ردم، وملك العي علَّقه على خشبة أما أريحا فقتلوا جميع من في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ"، هذا التشويه الفاضح لحقائق التاريخ الإنساني والديني تكمن خطورته الفعلية في كونه شكل المضمون الدافعي للسلوكيات اليهودية الهدامة، والمحرض النزوعي لسياسة البطش والتنكيل والتهجير، ضد كل من هو غير يهودي، طفلاً كان أم شيخاً أم امرأة.

وهذا ما يتجلى واضحاً في الوقائع التي عرضنا لجزء منها، وفي المواقف والآراء الشوفينية التي يطلقها زعماء وحاخامات الكيان اليهودي بين وقت وآخر. ولا أدل على ذلك مما جاء أخيراً على لسان الحاخام الأول لليهود الأشكناز "يسرائيل لاد" من أن الحرب ضد الفلسطينيين ودون استثناء هي "حرب فضيلة" حسب التوراة لا تستوجب الدفاع عن النفس فحسب، بل المبادرة والشجاعة، ومن يؤدِّ هذه الفريضة يُعفَ من تأدية الفرائض الأخرى". وليس بعيداً عن قلق غولد مائير المرضي والهوسي، وعن روح التوراة الخرافية والعنصرية ما صرح به الحاخام "عوفاديا يوسف" بتاريخ 27/7/2001 حتى قال: "المسيح سيقذف كل العرب إلى جهنم" وأنهم، أي العرب "يتكاثرون كالنمل في القدس القديمة... تباً لهم فليذهبوا إلى الجحيم"!. وفي مقال له تُرجم إلى الانكليزية ونشر في أكثر من صحيفة عالمية، وعلى مواقع الانترنت، يوجه الصحافي اليهودي الروسي المقيم في فلسطين المحتلة "يسرائيل شامير"، بنقد تفكيكي وتضليلي لاذع لسياسة الإرهاب اليهودي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل - فيما يلي نورد بعض ما تضمنه هذا المقال(1)، وذلك عملاً بمبدأ من فمك أدينك: "إن جيشنا اليهودي اليوم يقتل المدنيين يهدم البيوت ويجوع الملايين ويحاصر القرى الفلسطينية. قد تجاوز إجرامنا إجرام روسيا في الشيشان وفي أفغانستان، وإجرام أميركا في فيتنام وصربيا في البوسنة..." ويضيف في مكان آخر من مقاله عن الاستهتار بروح الطفل الغريب بالمقارنة مع الطفل اليهودي "إن منظر الطفل الذي يرفع يديه أمام المدفع الرشاش يحزننا فقط عندما يكون طفلاً يهودياً، أما الطفل من الغرباء فإنه يمكن أن يقتل في أي وقت".

وبشهادة غربية محايدة: "ليست هذه أول مرة تعتدي إسرائيل على الأطفال الفلسطينيين، أنا شاهدت إرهاباً منظماً في حق فتيات لم يتجاوزن الرابعة عشرة، وكانت مهمتي خلال سنة كافية لمعرفة الحقائق، إذ شاهدت وسمعت الكثير، إلى درجة أنني لم أتمكن من تمالك أعصابي، بسبب قسوة التعذيب الذي يطاول الأطفال الفلسطينيين".  بهذه الكلمات المفعمة بالمرارة، تنقلنا المحامية السويدية "برغيتا الفستروم" إلى قلب معاناة الطفولة الفلسطينية وراء قضبان المعتقلات اليهودية. وتكمن أهمية هذه الشهادة في أنها أولاً: تصدر عن شخصية غربية محايدة كلفتها دولتها بمهمة مراقبة الجهاز القضائي في الكيان اليهودي. وثانياً في كونها شهادة موضوعية تُضاف إلى غيرها من الشهادات التي صدرت عن شخصيات ومنظمات غربية ساهمت بطريقة أو بأخرى - ولو نسبياً - في التأثير على وجدان ووعي الشعوب الغربية حول حقيقة الجلاد اليهودي الذي لطالما تقمص - كذباً وزوراً - شخصية الضحية، والضحية صُورت ظلماً وعدواناً على أنها الجلاد الإرهابي المتطرف.

بالعودة إلى ما تضمنت شهادة "الفستروم"، فإن الأخيرة تستشهد في سياق عرضها لمعايناتها الواقعية بمثلٍ "فتاة في الرابعة عشر احتجزت ستة شهور من دون محاكمة، وتعرضت لأبشع أنواع التحقير والتعذيب التي تتنافى وحقوق الطفل والإنسان والسجين، إذ جلدها المحققون وعرضوها لصعقات الكهرباء والماء البارد، وعروها وقيدوها داخل زنزانة يومين من دون حراك، ثم أبقيت في السجن الانفرادي 12 يوماً، تعرضت خلالها لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، إذ كان الجنود الإسرائيليون يقفون خارج باب الزنزانة ويطلقون تهديدات مستمرة بأنهم سيغتصبونها جماعياً.  وبعد أن تشير المحامية إلى الآثار النفسية الخطيرة التي تظهر على الأطفال بعد خروجهم من المعتقلات تختم بقولها "ما شاهدته وسمعته عن درجة بشاعة أنواع التعذيب والإرهاب اللذين تمارسهما إسرائيل في حق أطفال أبرياء، تعجز الكلمات عن وصفه"(2). وتختم بالقول بأن هذه الجريمة الفظيعة التي ترتكب، وأمام مرأى من العالم وسمعه، بحق الطفولة الفلسطينية المسلمة، تستصرخ ليس الضمير الإسلامي فحسب بل كل ضمير إنساني حي. وتضعنا في مواجهة حقيقة قاسية مفادها، أن التماس العذر لإنسان توانى وهو مقتدر عن نصرة أخيه المضطهد في الإنسانية، هو أمر لا تقره شرائع السماء وفضائل الأخلاق.


(1) المقال نشرته صحيفة الحياة بتاريخ 1/8/2001.
(2) نفس المصدر بتاريخ 9/7/2002.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع