مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

دعاء الافتتاح(12): الحمد لله ديّان الدّين


د. يوسف مَدَن


تحدّثنا في الأعداد السابقة عن مبادئ قيم تنظيم السلوك الواردة في "دعاء الافتتاح" دعاء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف . وتبيَّن أنّ هذه القيم تعمل على ضبط السلوك في اتجاه واحد. وبناءً على ما ذكرنا سابقاً هناك مبدآن آخران مضافاً إلى مبادئ القيم، وهي مبادئ ترتبط بالعقيدة تنظّم علاقة الإنسان مع الذات الإلهيّة، وهما: مبدأ التوحيد، ومبدأ التسليم لله. وسنشرحهما في هذا العدد.

* مبادئ العقيدة:
1- مبدأ التوحيد:
ويعني هذا المبدأ: الإيمان الواعي بعقيدة وجود الله سبحانه، والاعتقاد بأنّه إله واحد، فردٌ صمد. ويربط هذا المبدأ بين عقيدة الإيمان بالله من جهة وبين طاعته العباديّة والالتزام بأوامره ونواهيه من جهة ثانية، وبين آثار هذا الإيمان ونتائج التعبّد، من جهة ثالثة. وبذلك يفسّر مبدأ التوحيد كل أنماط العلاقة: بين الإنسان وربه، وبينه وذاته، ومع الآخرين أفراداً وجماعات.

فالتوحيد -كمبدأ أساس في عقيدة الإنسان المؤمن- هو القاعدة الأساس التي ينتظم عليها سلوك الإنسان في حركة الحياة، وتؤسّس على مبناها أفعالُه في الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ويُبْنَى عليها بناء الأفعال التكليفيّة، وضبط اتجاهاتها الإيجابية. وبذلك يفسّر في سياق هذا المبدأ الجوهري بروز معطياته ومجموعة الآثار والنتائج الإيجابية التي تظهر في حياة الإنسان تأثراً به.

إنَّ "مبدأ التوحيد" يربط بين الدوافع العبادية للإنسان وغاياته ونواياه واستجاباته التكليفية المرغوب في تحقُّقها، فتأتي العلاقة بين الإنسان وربّه منظمة ومتكاملة. لهذا، لحظنا تركيز نص "دعاء الافتتاح" على توجيه الإنسان لله بأساليب الثناء، والحمد، والتمجيد، والإقرار بآلائه وسابغ نعمه، والشعور الدائم عند الإنسان بقصور عمله عن مضاهاة سوابغ نعم الله سبحانه وتعالى، وقصور فعله عما يستحقه ربّ العباد من تقدير.

* الحمد لتثبيت صفات التوحيد
ونعتقد -بتواضع معرفتنا- أن الإمام المهدي محمد بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف ظلَّ في دعائه يكرر ألفاظاً تدل على رغبته في تقوية عقيدة التوحيد والإيمان بالله سبحانه كمبدأ عقدي، وتثبيتها في النفوس والعقول والوجدان، وذلك لقوله عجل الله تعالى فرجه الشريف : "الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ولم يكن له شريك في الملك. الحمد لله الذي لا مضاد له في ملكه، ولا منازع له في أمره، ولا شريك له في خلقه. الحمد لله الفاشي (الظاهر والمنتشر) في الخلق أمره وحمده. الحمد لله مالك الملك، مجري الفلك، مسخِّر الرياح، فالق الإصباح، ديَّان الدين رب العالمين. الحمد لله على حلمه بعد علمه... الحمد لله الذي يَخْلُق ولم يُخلق، ويُرْزِق ولا يُرْزَق، ويطعم ولا يطعم، ويميت الأحياء، ويحيي الموتى، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير"(1).

وتتداخل مع عقيدة التوحيد -كمبدأ إيماني- ألفاظ تدل على صفات الله سبحانه وتعالى، والاستغفار والوجل والرجاء، والسؤال، والتسبيح والتكبير، والثناء، وتمجيد الله وحمده، والإقرار بإخلاص أنه سبحانه وتعالى الرب ورب الآباء والأوّلين. ويترك مبدأ التوحيد كعقيدة دينية فاعلة أثره التربويّ الأخَّــاذ في النفس البشرية.

2 - مبدأ التسليم لله:

وهو اتّجاه نفسيّ وقلبيّ وسلوكيّ وعقائديّ ترتّب عن المبدأ الجوهريّ الأول وهو مبدأ التوحيد، فإذا ما استقرّ في داخل نفسيّة الإنسان وعقله، إيمان ثابت بوحدانية الله وسلطانه على الوجود كله، وآمن بإرادة الله وحكمته في إدارة الوجود، وجميل صنعه، وارتباط إرادته كإنسان بإرادة الله سبحانه وتعالى يدير الوجود بحسن صنيع فعله، فإنه يعقب الإيمان بتوحيد الله سبحانه وتعالى تسليم من الإنسان بما اختاره الله له في الرضا والسخط، في الخير والشر، ويرضى عن قناعة عقلية ونفسيّة ذاتية بقسمة الله سبحانه. وعلى الذات إما (ضبط النفس بالصبر) ولا تجزع لأن إرادة الله ماضية، أو (الشكر) لفعل الله وضمان نيل مثوبته، وقضاء الله وقدره كذلك "ماضٍ".

* هدف دعاء الافتتاح
قد يُستفاد أن نصّ دعاء الافتتاح قد استهدف تحقيق مبدأين: (الإيمان بالله وتوحيده، ثم التسليم بقسمته سبحانه وتعالى). ويرتكز على معرفته تعالى والتوجّه إليه بصفات التنزيه، والاستغفار. فيما يرتكز مبدأ (التسليم) على الانقياد التام لله سبحانه وطاعته تعالى، وقبول أمره في السرَّاء والضرَّاء.

إلى هنا، نختم هذه القراءة في دعاء الافتتاح عبر عرض مبادئ القيم كدوافع لسلوك المؤمن، مؤسساً لها بمبادئ العقيدة التي ينتظم عليها ذلك السلوك.

والحمد لله ربّ العالمين.


1- ابن طاووس، ص327-331.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع