مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نصوص تراثية: لا يملك العبد مع مولاه


السيّد رضيّ الدين ابن طاووس(*)


* يخدمك بيد رحمته
وتذكّر كيف أنت، يا ولدي محمّد، معطّل بالنوم عن خدمته، وهو جلّ جلاله، بلسان الحال، يخدمك بيد رحمته في إمساكك، وإمساك وجودك وحياتك وعافيتك، وكلّ ما تحتاج إليه من حفظ العيال والأموال والأمان، وترويحك في الصيف بالهواء، وتمكينك في الشتاء من الدفاء. وكيف يتولّى في جسدك تسيير الغذاء في الأعضاء، وكيف يحفظ سَمعك وبصرك وجميع جوارحك، ويهيّئ لك بعد النوم جميع مصالحك، ويعيد عليك كلّ ما ذهب بالنوم من فوائدك وجميع موائدك. فلو فعل هذا معك أو بعضه بعض الآدميين، أما كنت تعرف له حقّ ذلك أحسن الاعتراف؟ فالله جلّ جلاله أحقّ أن نعامله بالإنصاف.

واعلم أنك، على التحقيق، مُلكه (ملك الله)، وما في يدك مُلكه، وهو أحقّ بحفظ مُلكه منك، ولكنّه شَرَّفك بأنْ جعلك أهلاً أن تودعه وتجعله كالوكيل لك والنائب عنك، وبلّغك بذلك مقاماً جليلاً، كما قال لجدّك وسيّدك رسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (المزمل: 9).

* اقتديتُ بجدّك وأبيك
ولا تكره أني ما أُخلّف لك ولإخوتك ذهباً ولا فضّة بعد الممات، فهذه سيرة جدّك محمّد وأبيك عليّ عليهما السلام، فإنّني وجدتهما قد امتنعا أن يخلّفا لورثتهما ذهباً أو فضّة، وقد خلّفا لهم ما يكفيهم ويفضُل عليهم من الأملاك والعقار. وقال جدّك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم لسعد بن معاذ (1) وكان يعزّ عليه: "إنّك إن تترك وُلدك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس"(2)، فأنا قد اقتديت بتلك الآثار.

ووجدت أيضاً في كتاب (من لا يحضره الفقيه) وهو ثقة معتمد عليه، عن زرارة عن الصادق عليه السلام قال: "ما يخلّف الرجل شيئاً أشدّ عليه من "المال الصامت" [الذهب والفضّة]، قال: قلت: كيف يصنع؟ قال: يضعه في الحائط والبستان والدار"(3).

* كلّنا ملك لله عزَّ وجلَّ
واعلم يا ولدي أنّني كنت أشتري هذه المليكات بالله عزَّ وجلّ ولله جلَّ جلاله، وبنيّة أنّ الأملاك وأنا والأثمان كلّنا ملك لله جلَّ جلاله. هذا الذي اقتضاه العقل والنقل، وأنّ العبد لا يملك مع مولاه وإنّما كلّ ما ملّكه شيئاً فهو مجاز، وحقيقة التملّك لمن أنشأه وأعطاه. وعلمت أنّني إذا اشتريته بهذه النيّة فإنّ كلّ ما ينفق أحد منه أو يخرج عنه فهو محسوب في ديوان معاملته جلّ جلاله، المرضية في حياتي وبعد وفاتي، وذخيرة عند الله جلّ جلاله لي لأوقات ضروراتي.

واعلم، يا ولدي محمّد، أطلعك الله جلّ جلاله على ما تحتاج إليه، وزادك إقبالاً عليه، أنّ جماعةً ممّن أدركتُهم كانوا يعتقدون أن جدّك محمّداً وأباك عليّاً عليهما السلام كانا فقيرين؛ لأجل ما يبلغهم إيثارهما بالقوت واحتمال الطَوى والجوع والزهد في الدنيا، فاعتقد السامعون لذلك الآن أنّ الزهد لا يكون إلّا مع الفقر وتعذَّر مع الإمكان.

* أغنى أهل الدنيا
وليس الأمر كما اعتقد، أهل الضعف المهملون للكشف؛ لأنّ الأنبياء عليهم السلام أغنى أهل الدنيا بتمكين الله جلّ جلاله لهم ممّا يريدون منه جلّ جلاله من الإحسان إليهم. ومن طريق نبوّتهم كانوا أغنى أممهم وأهل ملّتهم، ولولا اللطف برسالتهم ما كان لأهل وقتهم مال ولا حال، وإنّما كانوا عليهم السلام يؤثرون بالموجود، ولا يسبقون الله جلّ جلاله بطلب مال يريد أن يطلبوه من المفقود.


(*) كشف المحجّة لثمرة المهجة، السيّد رضيّ الدين ابن طاووس.
1- سعد بن معاذ النعمان الأنصاري صحابي، من الأبطال، من أهل المدينة، كانت له سيادة الأوس، وحمل لواءهم يوم بدر، وشهد أُحُداً فكان ممن ثبت فيها. طبقات ابن سعد، ج3، ص2.
2- قال ابن النديم في الفهرست: زرارة لقب، واسمه عبد ربّه، أكبر رجال الشيعة فقها ًوحديثاً ومعرفةً بالكلام والتشيّع.
3- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج3، ص170.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع